نشاطات
= من جماليّات اللّغة = بقلم كمال حسين إغبارية
= من جماليّات اللّغة =
لا يوجدُ في اللّغة العربيَةِ ” ترادف ” تامٌّ , بمعنى , لا توجدُ كلمتان أو أكثر لها نفس المعنى تمامًا !
أُعطي مثالًا بسيطًا : ” جلسَ ” لا تعني ” قعد ” . الواقفُ يقْعُدُ , والنّائمُ أوِ المُتَّكئُ على جنبهِ يجلس .
إذا لم نُدْرِك مثل هذه الفروق لن نُدْرِك الكثير الكثير من جماليّات اللّغة , والمعنى الدّقيق للجمل والآيات .
يقول نزار قبّاني في ” قارئة الفنجان ” : جلستْ والخوفُ بعينَيْها …. تتأمَّلُ فنجاني المقلوب
أيْ أنَّها كانت مُتَّكِئةً على جنبها وهيَ تقرأُ الفنجان , ومن هَوْلِ ما رأَتْ ارتعبتْ فغَيَّرَتْ وضعيَّتَها إلى حالة الجلوس .هذه الحركة الّتي قامت بها فُجْأةً وبسُرْعة أعظمُ تعبيرٍ عن الخوف الّذي أحسَّتْ به عند قراءتها لما تراءى لها بالفنجان . لو قال نزار : ” قعدتْ ” لخانه التَّوفيق . ولولا فهمنا للفرق ما بين “جلست “و ” قعدت ” لغاب عنّا جمال الشِّعر .
لذلك , علينا ألّا نتسرَّعَ في فهم الكلام الفنِّيِّ عامَّةً والآيات القرآنيَّة خاصَّةً فهمًا نابعًا من اعتبار بعض الكلمات مترادفة .
الأبُ غيرُ الوالد , والأمُّ غيرُ الوالدة , والابنُ غير الولد , و”عبدٌ ” إذا كان جمعُها عبيداغيرُ “عبدٍ ” إذا كان جمعها عبادا .
كذلك الأمرُ بالنِّسْبةٍ للنَّبرة الّتي نلفظ فيها الكلمة أوِ الجُملة . فهمنا الصَّحيح للنَّصِّ المقروء نابعٌ من تَخَيُّلنا للنَّبرة الَّتي لُفِظَتْ فيها الكلمة أوِ الجُمْلة :
يا لكَ من رَجل ! كَفَّيْتَ ووفَّيْت ! . هذا كلامٌ للتَّعظيم يجبُ أنْ ينعكسَ على النَّبرة الّتي نلفظه فيها .
يا لك من رجل ! إنَّهُ أبوك ! . هذا كلامٌ فيهِ احتقارٌ وتقريع ينعكسان من خلال النَّبرة .
” من هذا ” ؟ نبرة القراءة تُحَدِّدُ المعنى إذا كان للاحتقار أم للتَّعظيم .
القراءةُ الصَّحيحة تأتي بعد الفهم الصّحيح . أمّا أن نقرأ كلَّ الكلام على وتيرةٍ واحدة وبنفس النَّبرة , ففي هذا ظلمٌ للُّغة وجمالها ودقَّة معناها .
الخلاصة : لا ترادف بين الكلمات . لا قراءة صحيحة بدون فهمٍ عميقٍ للمقروء !
حبَّذا لو ركَّز معلِّمو اللّغة والدّين على هاذين الجانبَيْن فحرصوا على التَّمييز بين معاني الألفاظ الّتي تبدو مترادفة , وعلى القراءة الصَّحيحة للنَّصّ بالنَّبرات الملائمة . سنغرس بذلك عند الطُّلّاب حالةً من الانبهار بلغتنا تُحَبِّبَهم بها , وسنعلِّمهم كيف يقرنون بين المعنى والنَّبرة فنصقلُ عندهم الذّوق والحسَّ الجمالي .