مقالات

ثقافة الكراهية ومشروع التسوية الوطنية / خالد العزاوي

هناك الكثير ممن كتب في موضوع ثقافة الكراهية باعتباره مفهوما او عنوانا حديثا يمكن الكتابة فيه على نحو محدد وهذا ما كثر في حاضرنا .. او بشكل مطلق دون التعمق بالجذور التاريخة .. واعتقد ان البحث في الجذور التاريخة سيحتم علينا العودة الى اعماق الخليقة .. فمنذ ان حل ادم ابو البشرية ضيفا على الارض تولد نوع من الكراهية بينه وبين مخلوقات بني جنسه .. وترتب على ذلك خوض الحروب والتخطيط للمكائد والحرب من اجل العيش وما شاكل ..

ويخطيء من يظن ان ثقافة الكراهية ولدت من تيارات اسلامية حصرا او جاءت لاسباب طائفية او عرقية او اثنية .. ولتأكيد ذلك علينا ان نعلم ان الانسان انما ولد وهو متكامل الاحساس .. يحسن الحب ان وجد ارضا خصبة للحب ويتفنن في الكراهية اذا ما تضاربت مصالحه مع الاخرين والمصالح المتضاربة قد تكون هي الاخرى مرهونة بعوامل كثيرة ..

ومن يطلق على الكراهية صفة الثقافة كمفهوم للمعرفة انما يجانب مفهوما تعريفيا للجهل .. فعمر الثقافة ما كانت مرادفة للكراهية .. وانما اطلاق هذا المصطلح ( ثقافة الكراهية ) هو للتزاوج والتنامي في الاحقاد بين مجتمعات واحزاب او حتى امم .. لذا يتوجب فيمن يحاول دراسة او تحديد معنى الكراهية ان يبحث في قواميس اللغة وفي مدارس علم النفس او المعرفة الفلسفية ..

ما يهمنا في هذه المقدمة ليس الخوض في مفاهيم الكراهية تارخيا او فلسفيا او لغويا بل نريد التواصل لالقاء نظرة مبسطة عن موضوع اراه في غاية الاهمية وهو الكراهية المحدقة بالعلاقات بين التفاصيل المجتمعية لثقافة الكراهية كاحزاب او قوميات في المجتمع العراقي وتحديدا منذ قيام ثورة الرابع عشر من تموز عام 1958 التي كانت سببا مهما في تثوير مفهوم الكراهية لانتقال المجتمع الى نمط جماهيري للمسؤولية كان للاحزاب دورها المهم في هذا الاطار سواء باختلاف اديولوجياتها او اختلاف تداخلاتها في العلاقات وتبعية البعض منها امميا او اقليميا او قوميا ..

وربما لا يسمح هذا العرض المبسط ان نلقي الضوء فيه الى دور البلدان التي تضررت مصالحها في العراق بانها قامت بنشر اخطبوطها الاستخباراتي الذي انعكس واضحا بتغذية مفهوم الكراهية في العلائق داخل المجتمع العراقي .. فالكل يعرف مقولة ( فرق تسد ) التي اتبعتها البلدان المتضررة من قيام ثورة تموز ..

الاحزاب المتواجدة في العراق التي كان لها نفوذ في مسيرة الحكم لم تكن كاملة الاديولوجية او لنقل لم تكن مؤهلة في تطبيق اديولوجيتها بسبب تسلط النموذج الغير مؤهل او الغير واعي كما هو السائد الان في من يقوم بقيادة العملية السياسة الحالية في العراق منذ الاحتلال الاميركي عام 2003 .. فالاحزاب ومنظماتها التي افرزتها للعمل الواجهي بعد ثورة تموز عام 1958 كانت تتسابق للاستحواذ على السلطة وهذا ما لمسناه جليا في التقاتل والتناحر الذي وصل حد قيام مجازر بين الحزب الشيوعي في العراق والاحزاب القومية فكلا الطرفين كان يتسابق للاستيلاء على السلطة ويعتبر نفسه هو من يجب ان يكون صاحب الاستحقاق وهذا ما لمسناه من شعور لدى الحزب الشيوعي العراقي الذي كان يعتبر عراقته النضاليه منذ مطلع ثلاثينات القرن الماضي فيما كانت الاحزاب القومية ترى انها هي المؤهله بسبب تنامي فكرة القومية في المنطقة منذ اربعينات القرن الماضي والتي كانت فكرة الخطر المحدق بالمجتمع العربي بعد قيام الحربين العالميتين .. وقد تنامى هذا الشعور القومي كثيرا في اعقاب الحرب العالمية الثانية ..
الاحزاب التي استلمت او قادت العراق بعد ثورة تموز كانت تعاني ايضا من ازدواجية القيادة بمشاركة العسكر فقد كان نموذج الحكم في العراق عسكريا رغم وجود احزاب .. ومع تنامي المخاطر المحدقة بالعراق والتامر عليه فقد استمرت هذه الاحزاب في الغي بممارسة سلوك ثقافة الكراهية ولم يعد مهما لدى هذه الاحزاب التي انشطرت وانقسمت وتشظت على نفسها مصلحة العراق .. الا بالقدر الذي تراه مناسبا وفق تصوراتها ..

وبسبب تكوين المجتمع العراقي لم يكن مقبولا لدى العراقيين تسلط احزاب اسلامية في المشاركة في اية سلطة وخصوصا بعد عام 1958 ذلك لوضوح تبعية هذه الاحزاب وارتباطاتها الخارجية ولئن التكوين المجتمعي العراقي المتعدد لا يتقبل اديولوجية هذه الاحزاب الاسلامية وخاصة المشاركة حاليا في الحكم و التي تقود العراق لذا كانت التجربة بقدر ما كانت مدروسة من قبل دول الاحتلال التي اصرت على استلام الاحزاب الاسلامية للسطلة ليس للتسقيط السياسي المستقبلي فحسب بل للاساءة للمفهوم الاسلامي
ان اصرار امريكا على طرح النوذج الاسلامي لقيادة البلد كان مكافأة لبعض البلدان الاقليمية لدورها الفاعل في احتلال الراق التي نشاهد تواجدها المؤثر في المجتمع من طرفي معادلتها التي تبنتها اميركا وما سميت ب ( الشيعية ــ السنية )

ولقد سعى الاميركان ومعهم بعض البلدان الاوربية .. وسارعوا في رسم خارطة مشوهة للعراق بدستور اعرج وقيامهم بدق اسفين للتفرقة كان هذه المرة اخطر بكثير من شعار فرق تسد .. فقد تمكنوا من نقل البلاد الى تفرق طائفي وهو ما اعتادوا عليه في السابق بأن اضافوا لهذا التفرق الطائفي تفرقا قوميا واثنيا .. وادخلوا بشكل مخابراتي دقيق منظمات ارهابية واستخباراتية لتنفيذ صفحات من تكريس الاحقاد وهيئوا لها عصابات منظمة ومليشيات نفذت جرائم دقيقة ذات طابع وحشي وقد نجح المحتلون باشراك دول الجوار في تحقيق ما كانوا قد خططوا له ..
وبعد ما يقرب من خمسة عشرة عاما من الفوضي في العراق .. تخطط دول الاحتلال ومن اوكلتهم بمهمة تدمير وتخريب العراق في بنيته التحتية وفي كافة المجالات وبالاخص التخريب الاقتصادي الذي كانت سمته الاساسية رعاية امريكية كاملة للكثير من المفسدين واللصوص .. ويخطيء من يظن ان امريكا ليس لها يد في الفساد الحاصل في العراق .. بل هي الراعي الحقيقي له وهي التي اعدت وهيئت شخوص الفساد في السلطتين التشريعية والتنفيذية … حتى اقترب العراق ان يكون من اسوء البلدان في العالم بتخلفه الاقتصادي والاحتماعي واجهاض المنجزات التي تحققت في الانظمة السابقة في نواحي التعليم والزراعة والصناعة .. اقول انه بعد خمسة عشرة عاما تخطط امريكا وعبر رجالاتها المتسلطين على البلاد بطرح مشروع تسوية سمي بمسيات التصالح كما في مبادرة التحالف الوطني الذي يروم قيادة العملية السياسية بغلق كل الجرائم التي ارتكبت وانهاء كل اشكال البحث في الاموال التي سرقت ولم تعرف ابواب صرفها يجري ذلك تحت مرأى وسمع القوى التي احتلت العراق ..

ان ثقافة الكراهية ستستمر في العراق ولن يجدى التصالح الترقيعي نفعا في بلاد عانت الكثير من الانقلابات وما مشروع التسوية التصالحية الا لاغلاق الفساد الذي حصل في العراق منذ حوالي خمسة عشرة عاما .. اغلاقه دستوريا ..

ان المصلحة الحقيقية لطالبي التسوية يجب ان تكون تسويتهم التصالحية شاملة وليس بمقدور احد ان يجتث اديولوجية ما كما يحاول اركان السلطة السير في هذا النفق المظلم .. بل بمقدورهم ان يجتثوا رموز السلطة السابقة من الذين تلطخت ايديهم بدماء الشعب .. لذا فان اي ابعاد لأي مكون حزبي سيجعل من مشروع المصالحة مشروعا مكتوبا عليه بالفشل وستظل العملية السياسية فاشلة في العراق وان خوف الحكام الحاليين من اشراك جميع مكونات الشعب بالحكم ما هو الا مشروع لتنفيذ اجندة خارجية ..

ان التخلص من ثقافة الكراهية لا يتحقق الا بالعودة الى تبني دستور جديد يرقى لتحقيق مصلحة العراق .. والتخلي عن الدستور الحالي الذي وضع مصلحة الكتل السياسية التي تمارس الحكم حاليا بشتى مسمياتها ( طائفية او عرفية او اثنية ) ..وان الدستور الذي يجب ان يكون بديلا يجب ان يحفظ حقوق مكونات العراق وينظم العلاقات بين المواطنين .. كما يضمن حرصا ومسؤولية في تبني استحقاق الوطن من حب مواطنيه واحزابه ورجاله الذين يتولون قيادة البلد .. بعد ان يتم محاسبة الفاسدين واعادة الاموال المسروقة والمستحوذ عليها ..

وما تداولته وسائل الاعلام من قيام رئيس التحالف الوطني عمار الحكيم من تحركات على رموز المعارضة يجب ان ياخذ بالاعتبار ان يكون تحركه للمعارضة العراقية باشخاصها الحقيقيين وليس بالاشخاص التي تغذيها دول الجوار بالمال لتجعلها بالصورة التي تؤهلها للمشاركة في الحكم فان ذلك يعني ان تكون التبعية للغير مستمرة …

المصدر : الصدى نت

مقالات ذات صلة

إغلاق