الرئيسيةمقالات

هل ما ترتديه مهم؟

منى جويد الغصين

أتذكر أنني حضرت إحتفالاً رسميًا في لندن ذات مرة وكنت مرتدية بدلة “ Terry Mogle“؛ تنورة قصيرة وسترة ضيقة لها فتحات قطرية علي الجانبين تظهر جسدي في منطقة الخصر. لا أستطيع أن أتذكر الاحتفال على وجه التحديد، ولكن تم التقاط صورتي لإحدى الصحف. بعد بضعة أيام تلقيت مكالمة غاضبة للغاية من صديق وصحفي مشهور الذي ألقي عليّ محاضرة يلومني على عدم ملائمة ملابسي، منبهًا علي ضرورة إدراك من أنا وأن ملابسي كان لها تأثير سلبي على سمعتي. استطرد في الحديث ومن باب الإحترام ونظرًا لكوني أصغر سنًا، اعتذرت واعترفت أنه بالطبع على حق ووعدت بأن أكون أكثر حرصًا على ما أرتديه.

بعد بضعة أسابيع، دُعيت إلى إحتفال كبير آخر في فندق “فورسيزونز” بلندن وإدراكاً مني بالمحاضرة التي تلقيتها سابقًا تخص مظهري، اخترت ثوبًا أسودًا بسيطًا للغاية ربما تكون معظم النساء المهتمة بأحدث الصيحات قد أدركت أنه على الرغم من مظهره البسيط بشكل خادع، كانت تحمل علامة تجارية راقية باهظة الثمن. لقد سررت جدًا بما اعتقدت أنه خيار موفق؛ فالثوب أنيق ومحتشم. لكن لا لا كنت مخطئة تمامًا. إندفع أحد المنظمين الذي أعجب به بشدة نحوي، وعلامة الصدمة والرعب على وجهه، وأخذني إلى جنب وعبر عن انزعاجه تجاه ثوبي. في البداية لم أستطع بصراحة فهم سبب غضبه، حيث أنه كان منفعلاً للغاية. إتضح أن خياري كان خاطئًا تمامًا لأنه رأي أنني كإحدى الضيوف المهمين كان علىّ ارتداء ثياب أكثر مبهرجة ومزخرفة تُظهر ثمنها الباهظ والمكانة بشكل صريح.

بالنسبة لي كانت الإعتراضات على ثيابي في هاتين المناسبتين لأسباب مختلفة. في الموقف الأول إعتبره المحاضر أنها  “عيب” أما الثاني إعتبر الثوب غير “فخم” بما يكفي لإبراز مكانتي العالية. بشكل أو بآخر كل وجهة نظر كانت صالحة لكنها تثير تساؤلًا: لماذا يجب أن تحدد ثيابنا هويتنا أو تمثل أهمية كبيرة؟

هل المظاهر ضرورية؟ هل ما نرتديه مهم؟ كإمرأة، إذا ارتديت ثوبًا مقورًا فما هي الرسالة التي أوجهها؟ هل إرتداء قطعة علوية شفافة يوحي بأن أخلاقياتي مثيرة للجدل؟ هل إعتبار ثيابي غير محتشمة هو دعوة إلى مضايقات غير مرحب بها؟ بالنسبة لي يمكن الرد على هذه الأسئلة ببساطة. إن ملابسي ليست مقياسًا لأخلاقياتي وليست مبررًا لوجهات نظر غير مقبولة.

كإمرأة، أشعر أنني يجب أن أتحكم في جسدي وأن أرتدي ما أريد دون إعتبار ملابسي معيارًا لأخلاقياتي. من الواضح أنني لن أرتدي ” البيكيني” عند الذهاب لتناول العشاء في المطعم كما لن أرتدي ملابس أو جينز فضفاضة عند حضور اجتماع عمل. ولكن هناك اختلاف بسيط؛ في حين أن ” البيكيني” قد يكون غير مناسب لماذا يجب أن يشير ارتدائي لبنطلون جينز إلى كوني غير محترفة؟

كمراهقة إعتدت على ذلك إلى حد كبير، ربما مثل المئات من المراهقين الآخرين، حينما كان أبائي وخالاتي وأعمامي يتدخلون فيما أرتديه، وما اذا كانت الثياب ملائمة للمناسبة، عمومًا لأنها كانت إما عادية جدًا أو حسب رأيهم “مكشوفة جدًا” أو “قصيرة جدًا” لم أفكر أو أهتم أبدًا بالأمر كثيرًا وكنت أغير بخنوع إلى ما تعتبره العائلة مناسبة.

مع ذلك فإن القضية الحقيقية هنا والسؤال المهم تكمن في: هل ما نرتديه مقياس هويتنا وما نمثلها؟ هل من الصواب أن تكوّن افتراضات على أساس ما يرتديه شخص ما؟ سيكون ردي الغريزي “بالتأكيد لا” لكن هذا ردٌ سطحي للغاية بلا معنى. مع ذلك هذا يقودني إلى مشكلتي المُحيِرة ومجموعة من المعايير المزدوجة حيث أنني أحكم على أساس المظاهر. قد لا تكون عن وعي أو دراسة لكنها حقيقة. ففي العالم الإبداعي للأزياء والترفيه والموسيقى يُعد “المظهر” جزءًا من الشخصية والسمة والصورة ونحن نقبلها كجزء من هذا العالم، فيتم وضع المشاهير في قالب معين بشكل صارم وتصبح طريقة ظهورهم أمام الجمهور هي مفتاح صورتهم الكلية حيث تلعب الملابس دورًا فعّالًا وأنا أدرك ذلك.

ولكن هل يجب أن يكون ما نرتديه مؤشراً على من تكون؟

 لماذا أتحدث عن هذا؟ لقد سُئلت من قبل رئيس حزب العمل جيريمي كوربين عن رأيي فيه كرئيس وزراء محتمل للمملكة المتحدة، وبتجاهل سياساته صُدِمت بإجابتي له عندما أجبت بدون تردد أن “مظهره غير مناسب للمنصب”. وهنا الكلمة المؤثرة هي “المظهر” وليست “السياسات”. هذا جعلني أتوقف وأتساءل عن قيمي الخاصة عن موضوع المظاهر. لم يوحي كوربين بمظهره الرث بالثقة على عكس الرئيس السابق باراك أوباما الذي كان يستعرض الأناقة والسلطة معًا. لم يكن استنتاجي مبنياً على كفاءة أو سياسات أو أخلاقيات عمل بل على أمر ظاهري. كان الرئيس أوباما مناسبًا للمنصب من حيث المظهر الذي يوحي بالمنصب الرئاسي بشكل سلس وطبيعي. مع ذلك، أثناء قيامي بالدراسات من أجل تحرير هذا المقال لفت انتباهي أن الرئيس السابق كان يرتدي دائمًا الملابس المناسبة لتوصيل رسالة خفية. على سبيل المثال عندما كان يخاطب العمال الأمريكيين لم يكن يرتدي أي سترة بشكل عام وكان يشمر أكمام قميصه ويوجه رسالته بشكل غير رسمي؛ “أنا واحد منكم”، “أنا مدرك بدور حياة العامل الجاد”.

وبالمثل، استخدمت أميرة ويلز الراحلة ديانا، الملابس لتوجيه رسائل وبيانات واضحة للغاية. من يستطيع أن ينسى ثوب كريستينا ستامبوليان الأسود القصير الذي ارتدته مع الأحذية ذات الكعب العالي للغاية في عشية اعتراف الأمير تشارلز على شاشة التلفزيون بعلاقته مع كاميلا باركر بولز. كانت تعلن على الملأ “أنا امرأة قوية وجميلة” “انظروا إلى ما تخلى عنه” وأصبح يُعرف باسم ثوب “الثأر” ونُشر على صفحات الصحف الأولى.

 في الآونة الأخيرة تسببت السيدة الأولى ميلانيا ترامب في إحداث ضجة على “تويتر” ثم وسائل الإعلام بسبب الثوب الذي كانت ترتديه لإحياء ذكرى ضحايا الحادي عشر من سبتمبر. إن خياطة على الجزء الخلفي من معطفها كانت تصور أحد البرجين التوأمين عند تحطم الطائرة فيه وادعى الناس أن ذلك يعكس استهانة. سبق أن تعرضت لانتقادات شديدة لارتدائها سترة توحي بـ “لا أبالي بالفعل” أثناء زيارة لأطفال مهاجرين محتجزين الذين انفصلوا عن عائلاتهم على الحدود الأمريكية المكسيكية. وأنكرت المفهوم من هذه الرسالة ولكن فيما بعد في مقابلة مع قناة ABC News مع توم ياماس اعترفت بأنها كانت توجه رسالتها إلى “الناس ووسائل الإعلام اليسارية الذين ينتقدونني”. “أريد أن أظهر لهم أنني لا أهتم، يمكنكم أن تنتقدون كما تريدون لكن ذلك لن يمنعني من القيام بما أشعر أنه الصواب” وتابعت “أُفضل أن تركزوا على ما أقوم به وعلى مبادراتي بدلاً من التركيز على ملابسي.”

 في عالم مثالي فهي على حق لكن الواقع القاسي هو أننا جميعًا شعوريًا أم لاشعوريًا نُجري تقييمات عندما نلتقي بأشخاص. ربما لا ينبغي ذلك لكننا نقوم بذلك. على مر التاريخ كان للملوك الحاكمين في جميع أنحاء العالم ملابس فخمة وآداب ملبس صارمة للدلالة على وجه التحديد على قوتهم وثروتهم ومكانتهم. اليزابيث الأولي ملكة إنجلترا منعت أي شخص من ارتداء اللون الأرجواني باستثناء أفراد العائلة المالكة وأقرت أباطرة الصين من أسرة تانج أن اللون الأصفر كان لونًا حصريًا لأفراد العائلة المالكة.

 في نهاية المطاف إن الملابس تُنقل رسالة وتحكي قصة من نكون. كانت الأميرة ديانا خبيرة في ذلك وأتقنت في فن التواصل من خلال ملابسها. لدي رجال السياسة اليوم، فيما عدا جيرمين كوربين حسب اعتقادي، مصممون محترفون يختارون البدلات وأربطة العنق والقمصان حسب الألوان التي تتناسب مع أي ظهور تلفزيوني معين أو اجتماعات مع الجمهور لتعكس الرسالة والهوية. إنها استراتيجية دقيقة للغاية.

بقدر ما أود أن أقول أن المظاهر وما نرتديه لا يجب أن تكون أساس الحكم، فإن الواقع القاسي هو أن ما نرتديه يعكس من نكون والرسالة التي نقوم بتوصيلها إلى العالم الخارجي.

المصدر : دار الحياة / لندن

كـاتبة فلسطــينية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق