مكتبة الأدب العربي و العالمي

الحمار الذي كسر العصا

نزهة أبو غوش

كان الفلاح طوال حياته يستخدم جزرةً مربوطة بعصا ليحث حماره على الركض. كان الحمار يركض بإصرار، يلهث خلف الجزرة، مؤمنًا بأنه سيصل إليها يومًا ما. وهكذا، ظل يعمل بلا توقف، يحلم بلحظة المكافأة.
لكن ذات يوم، قرر الفلاح تجربة شيء جديد. استبدل الجزرة بالبصل، لكن الحمار توقف فجأة، شهق بأنفه، وذرف دموعًا. سار ببطء، مثقلًا بالحزن، لكنه لم يعد يركض. الفلاح لم يفهم ما حدث، لكنه قرر تجربة شيء آخر.
هذه المرة، علق أمامه تفاحة حمراء لامعة، متأكدًا أنها ستدفعه للركض مجددًا. لكنه فوجئ بأن الحمار لم يتحرك. لم ينظر حتى إلى التفاحة. وقف بثبات، ثم، ولأول مرة، رفع رأسه عاليًا، نظر إلى الفلاح بعينين حادتين، كأنه يقول: “لقد فهمت لعبتك!”
ثم، أمام دهشة الفلاح، ضرب العصا برأسه، فكسرها وأسقط التفاحة أرضًا. لم يهرب، لم يبحث عن جزرة أخرى، بل وقف في مكانه، حرًا.
نظر إليه الفلاح مذهولًا، لكنه ضحك بسخرية وقال:
“حسنًا، لن تركض بعد الآن… لكنك ستجوع! لا طعام لك إلا ما أقدمه لك!”
ابتسم الحمار، للمرة الأولى في حياته شعر أنه ليس بحاجة إلى الجزرة، ولا إلى الفلاح. رفع رأسه عاليًا وسار ببطء، مبتعدًا عن الحقل.
وفي طريقه، مرّ على زريبة مليئة بالحمير الأخرى، جميعها تركض خلف جزراتها الخاصة. بعضها يلهث، بعضها ينهك، وبعضها نفق قبل أن يصل إليها. توقف الحمار، ونهق بصوتٍ عالٍ وقال لهم:
“استيقظوا! الجزرة ليست سوى وهم! لن تصلوا إليها أبدًا!”
توقفت بعض الحمير عن الركض، نظرت إليه بدهشة. همس بعضها:
“لكنه مجنون… لو لم نركض، فماذا نفعل بحياتنا؟”
لكن حمارًا صغيرًا، بالكاد بدأ رحلته خلف الجزرة، اقترب وقال بصوت مرتجف:
“ماذا لو كان على حق؟ ماذا لو كنا نركض وراء السراب؟”
بدأت الهمسات تنتشر بين الحمير، وشيئًا فشيئًا، بدأ بعضهم في التوقف عن الركض، ينظرون إلى عصيهم، يتساءلون لأول مرة: “هل نكسرها؟”
في هذه اللحظة، أدرك الفلاح خطر ما يحدث. ركض نحو الزريبة صارخًا:
“لا تستمعوا إليه! إنه مجرد حمار كسول! من يركض سيحصل على جزرة أكبر!”
عاد بعض الحمير للركض، خائفين من الجوع، لكن آخرين بدأوا يقتربون من الحمار الذي تحرر. نظروا إلى العصا في أعناقهم، ثم، واحدًا تلو الآخر، بدأوا بكسرها.
عندما رأى الفلاح ما يحدث، بدأ يرتجف. لم يكن خائفًا من الحمار الأول… بل كان خائفًا من الفكرة التي زرعها.
أما الحمار، فقد ابتسم. لم يعد وحيدًا. لم يعد عبدًا. ولم يعد يركض خلف وهم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق