مقالات

أولياء عهد البيوت – صديق بن صالح فارسي

أولياء عهد البيوت. ٠٤/ ١٠
٠٣ / ٠٤ /١٤٣٧ هـ

المحور الثاني. الإحتساب.
ماذا نعني بالإحتساب.
شكى لي أحدهم أنه قد أزهق عمره في تربية إبنه وصرف عليه من الأموال مالا يعد ولا يحصى وعلمه على أعلى مستوى وأحضر له أكفأ المعلمين وأدخله في مختلف الفرص التدريبية والتعليمية وعندما بلغ مبلغ الشباب إشترى له أفخم السيارات وأخذه وبقية إخوته إلى دول العالم المختلفة بغرض السياحة وتنمية ثقافته وخبراته ولم يبخل عليه بشيء ولم يجعله في حاجة لأي شيء وعاش حيات مترفة سعيدة.

رغم أن دخل والده لم يكن مرتفعاً أو أنه من أرباب الدخل اللا محدود إلا أنه كان مهتماً بأبنائه عامة وبإبنه هذا خاصةً حتى أنه طالما إستلف وإستدان من مختلف الجهات والأصدقاء والأقرباء بل ربما تعرض للشبهات في مصادر الدخل التي يسعى لتوفيرها لأبنائه وما خفي كان أعظم.
كل ذلك كان يقدمه بنفس راضية وسماحة وسخاء أملاً ورغبةً في أن يكبر هؤلاء الأبناء ويقوموا بدورهم في الحياة بالإهتمام به وتقديم حق الرعاية له عند كبر سنه وإنقطاع عمله وأمله.

والآن وقد جاء وقت الحصاد فلم يجد من أبناءه والعياذ بالله تعالى إلا الصد وسوء الرد بل لا يكاد يراهم إلا في أوقات متباعدة محدودة وهم مشغولون بمالديهم من مشاغل الحياة جاعلين الوالدين آخر إهتماماتهم وربما إلى درجة الإهمال إلا من شيء من مظاهر المجاملات والبرستيجات المنمقة التي لا تعدوا أن تكون كلمات رنانة لا تصل إلى أعماق القلب والروح وهو أشد ما يحتاجه كبار السن وخاصة الوالدين
الذين هم أحوج ما يكونون إلى لمسة حنان وخفض للجنان وكلمة حب صادقة تطفيء لهيب الحب ونار الود التي في قلوبهم.
وتسقي عواطفهم الفياضة ببسمة وهمزة وضحكة صافية من قلوب أبناءهم خير لهم من الدنيا ومافيها.

ولربما سعى الكثيرين إلى إغداق الأموال على والديهم وتأمين الخدم والسيارات والمساكن الفارهة والكبيرة التي تزيد من وحشتهم وعزلتهم مع عدم تلمس حاجتهم الرئيسية التي هي الأغلى والأهم من كل ذلك.
ألا وهي الحب الصادق.

هناك قصة أخرى لأخت كريمة حكتها لنا وهي تحترق قهراً وحرقةً على حياتها التي قدمتها تضحية في الوقوف بجانب زوجها الذي كان شبه معدم ومع بدايات متعثرةً في حياته.
إلا أنها أعطته من مالها ووقتها وجهدها الكثير وتحلت بالصبر الجميل وتحملت معه الكثير من العناء والظروف القاسية في الحياة.

وأخيراً تنكر لها ولم تسلم من أذاه وتطاوله عليها لدرجة الضرب الغير شرعي والسب والإهانة رغم طول العشرة ووجود الأبناء.
فهو ينظر إليها كحجر عثرة أمام رغبته في اللهث وراء شهوته والإقتران بزوجات من الجيل الصاعد.

على أي حال أعرف أن كل ماسبق لم يثير أي إهتمام لدى من يقرأ هذه السطور.
والسبب أنها قصص كثيرة ومتكررة ونعيشها مع الكثير من الحالات التي حولنا في المجتمع العربي.
بل تكاد تكون شبه معتادة لكثرتها وللأسف الشديد لأنها مرض قد إستشرى في المجتمع العربي.
وهناك قصص كثيرة جداً لا تكاد تحصى ولربما أن كل منا يعرف قصة أو أكثر مشابهة لهذه القصص وغيرها مع إختلاف بعض الظروف والأحداث والأشخاص.

إلا أنها كلها تشترك في سبب واحد وهو التنكر للجميل وعدم الوفاء.

وتعالوا بِنَا على الجانب الآخر نجد النقيض من ذلك.
هناك أبناء عاشوا وتربوا في ظروف يسودها القهر والحرمان والفقر وربما تعرضوا لضغوط الحياة المختلفة من طلاق وفراق بين والديهم
أو التيتم بفقد أحد الوالدين أو مرض تشرد أو سجن أحد الوالدين أو إضطراب في وضع الأسرة لأي سبب من الأسباب.

إلا أنهم عندما كبروا في السن وبلغوا مبلغ الرجال أو إن كانوا من البنات عندما يصلون إلى سن النضج العقلي.
فإنهم غالباً ما يكونون على مستوى عالي جداً وكبير من الأخلاق والمثل والتحلي بالحكمة والقيام بواجباتهم الإجتماعية مع كل ذي صلة أو حق من الأهل والأقرباء وفي مقدمتهم الوالدين وذوي القربى.
وهذه حالات أيضاً كثيرة نراها في المجتمع وبين مع نعيش معهم وبينهم.

وكذلك من قصص وفاء الأزواج والزوجات الذين يتمسكون بالعهد ويحافظون على بعضهم رغم ما قد يعترض حياتهم من عقبات ومشكلات لا تخلوا منها الحياة يأي حال من الأحوال.

والسؤال الذي يطرح نفسه علينا. ؟
ماالذي جعل هؤلاء بارين وملتزمين رغم تعثر الحياة أمامهم وظروفهم القاسية.
وماالذي جعل هؤلاء عاقين وغير ملتزمين رغم توفر رغد العيش وسهولة الحياة.

الجواب.
هو أننا قد ننسى أو نتناسى أن نودع أعمالنا في بنك السماء ونحتسب الأجر عند الله تعالى.
ونعتمد على النفع الذي نرجوه من المخلوق سواءً كان إبناً أو بنتاً أو زوج أو زوجةً أو أخ أو أخت أو قريب أو بعيد أو رئيس أو ذو جاه أو مكانة.

مع أهمية أن نعطي كل ذي حق حقه من الإحترام والتقدير.
( لايشكر الله من لا يشكر الناس ) حديث صحيح.
ولكن يجب نحتسب العمل لوجه الله تعالى ونسأل الله تعالى القبول مهما كان ومع من يكون ونرجوا الأجر والثواب من الله تعالى.
فإن الله تعالى وحده القادر على أن يحفظ لك الأجر ويثيبك عليه سواءً ممن قدمت له العمل أو ممن هو خير منه أو قد يدخره لك سبحانه في أمور أخرى من أمور الدنيا أو الآخرة ولن يضيع لك مثقال ذرة من خير تعمله وتدخره عنده وتحتسبه على الله تعالى.
وهذا هو سر إختلاف النتائج فيما سبق من أمثله.

هل فكرت يوماً أن إبنك أو إبنتك أو أخوك أو أختك أو زوجك أو زوجتك قد أعددتهم لله تعالى وإنما تقوم بتربيتهم والصرف عليهم وتعليمهم ليكونوا من عُبَّاد الله الصالحين وليقيموا شعائر الله تعالى ويعبدوه ويقدموا للمجتمع الأعمال التي ترضي الله تعالى وعلى سنة رسول الله صَل الله عليه وسلم.

يجب علينا أن نجدد النية على هذا القصد ونسأل الله تعالى القبول.
ونتمثل دعوة المرأة الصالحة وكيف تقبل الله تعالى دعوتها وحفظ لها إبنتها وجعلها أماً لنبي من الأنبياء عليهم السلام.

إِذْ قَالَتِ امْرَأَةُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا
فِي بَطْنِي مُحَرَّراً فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (35)
image،
صديق بن صالح فارسي.

مقالات ذات صلة

إغلاق