مكتبة الأدب العربي و العالمي
الشيطانه_والطبيب الجزء الاول
وصل جاك (الطبيب النفسي) الى العنوان المحدّد الذي أعطاه ايّاه صديقه الصحفي الذي طلب منه القدوم الى هناك لرؤية فتاةٍ تعاني من عقليّة أهل قريتها المُتخلّفة (لكنه لم يوضّح له مشكلتها معهم)
ورغم اتصالات جاك المتكرّرة الا ان جوّال صديقه ظلّ مُغلقاً بعد تخلّفه عن الموعد المتفق بينهما ! لذا قرّر الطبيب الدخول الى القرية وحده لمعاينة حالة الفتاة النفسية التي ستكون (على حسب اقوال صديقه) مادةً دسمة في كتابه الطبّي الذي يقوم بتأليفه هذه الأيام ..
وقد عبَرَ اولاً الغابة الكثيفة , الى ان وصل الى اكواخٍ خشبية .. لكن الأصوات كانت قادمة من بعيد , فتوجّه نحوها .. ليجد سكّان القرية مجتمعين في ساحةٍ تبدو وكأنها سوقهم الشعبي , وكانوا يقومون بتزينها تحضيراً لحفلٍ ما !
لكنهم صمتوا جميعاً فور رؤيتهم للشاب الغريب الذي اقتحم مكانهم السريّ دون استئذان ! لهذا لم يردّوا عليه السلام بل اكتفوا بالتحديق به بغضب لعدم احترامه خصوصيتهم ..
وما ان وقف الطبيب في منتصف الأسواق حتى شاهد المفاجأة التي كان أخبره عنها صديقه (الذي إختفى دون مبررّ !)
حيث وجد فتاةٌ (تبدو وكأنها في الثانية عشر من عمرها) تطلّ من نافذة بأعلى منزلٍ مهجور , وتنظر ناحية السوق الذي اكتظّ بأهل قريتها الذي لا يتجاوز عددهم المئة شخص ..
فتسمّرت عينا جاك على نظراتها الحزينة اتجاهه وكأنها تترجّاه ليفكّ عنها الرباط القماشي الذي التف حول جسمها بإحكام , وكأنها بقيت مُقيدة هناك لمدةٍ طويلة !
***
وهنا وصل رجلٌ يبدو وكأنه رئيس القرية , لأنهم أحنوا رؤوسهم احتراماً له عند اقترابه منّي .. وسألني مستفسراً :
– مالذي أتى بك الينا ايها الغريب ؟ وكيف عرفت بمكاننا ؟!
فردّدت على سؤاله بسؤال : ولما تحاولون الإختباء داخل الغابة ؟!
فأجابني أحد الرجال بنبرةٍ غاضبة : لكيّ نُبعد الطّفيليين امثالك عنّا !! فنحن تعاهدنا على العيش هنا دون وسائل التكنولوجيا المضرّة
وأكمل رئيسهم قائلاً : نعم ..لقد قرّرنا جميعنا ترك الحضارة وراءنا , ولهذا اخترنا هذا المكان البعيد عن أعين الجميع , وخاصة الصحافة
فأجبته : لكن صديقي الصحفي هو من أخبرني عن مكانكم هذا , وأكيد سينشر قريباً مقالاً ..
فقاطعني قائلاً بحزم : لقد حللّنا هذه المشكلة
فسألته بدهشة وقلق : ماذا تقصد ؟!
– دعك منه الآن , واخبرنا .. مالذي أتى بك الينا ؟
فأشرت الى الفتاة الصغيرة التي كانت تبكي بصمت وهي تحدّق بي بحزن .. وقلت لرئيسهم :
– لقد أتيت لأجلها
فشهقت إحدى النسوة المجتمعات حولي , قائلةً بفزع :
– أأتيت لتنقذ الشيطانة ؟!
وقد ضايقني كلامها جداً , فقلت بنبرة تهديد : شيطانة ! انها فتاةٌ صغيرة .. واريد ان اعرف الآن سبب عقابكم لها , والاّ سأبلّغ عنكم الشرطة !!
فضجّت الجموع الغاضبة , لكن رئيسهم استطاع تهدئتهم بإشارةٍ منه .. وقال لي : بل هي شيطانة بالفعل !! لأنها ابنة مشعوذة , ووالدها أحد الشياطين
وهنا لم استطع تمالك نفسي وضحكت ساخراً من سخافتهم , مما زاد من غضبهم .. وقلت لهم : ان كانت شيطانة كما تقولون , فلما لم يأتي ابليس ويحرقكم جميعاً وينقذها منكم ؟!!
فشدّني رئيسهم من قميصي بعنف , وقال لي بنظرةٍ أرعبتني :
– هذه الفتاة التي تراها هناك .. تبلغ من العمر 35 سنة .. فهي عاشت معنا لسنواتٍ عديدة , لكن شكلها لم يتغير ابداً !
وهنا فهمت كل المشكلة , فأنا بالنهاية دكتور .. وقلت لهم :
– لحظة لحظة ! الم تكونوا يوماً من سكّان المدينة , قبل ان تقرّروا العودة مئة سنة الى الوراء ؟
فقال رئيسهم : نعم , لقد تركنا مدينتنا منذ زمنٍ طويل
– اذاً الم تسمعوا يوماً بمرض يدعى ((الخللّ في هرمون النمو)) ؟
فقالت لي احدى النسوة : لكنها ليست قزمة
فقلت في نفسي : ((يا الهي ! ما كل هذا الغباء))
ثم بدأت بالشرح لهم :
– اسمعوني جيداً .. انا طبيبٌ نفسي , ودرست عن هذه الحالات النادرة ..والفتاة التي تخافون منها لا تشكو من ايّ خللٍ في عقلها , كل ما هنالك ان جسمها توقف عن النمو في عمر 12 سنة .. فهل يُعقل ان لا احد منكم قرأ او شاهد في التلفاز او الإنترنت عن هذا المرض ؟!
فأشاروا برؤسهم (بلا) .. فأخرجت جوالي كيّ أريهم بعض الأشخاص الذين عانوا من نفس مشكلتها حول العالم , لكنه لم يكن هناك انترنت في هذا المكان المعزول .. والأسوء انهم استنكروا إخراجي لجوالي امامهم , فهم يعتبرونه من المحرّمات في عقيدتهم المتخلّفة .. حين قال لي رئيسهم بنبرة تهديد :
– الأفضل ان تضعه في جيبك قبل ان أحطّمه لك !!
يتبع الجزء الثاني
قصص زمان من العالم الاخر