مكتبة الأدب العربي و العالمي

حكاية السلطان وغصن الرمان/ كمين في الطريق إلى المعبد

كانت السّلطانة صفية راكبة وسط هودج ،وبجانبها السّاحرة على بغلتها ،وهما تسيران وسط الجيش ،وحولهما العبيد يحملون خيمة كبيرة ،وصنوف الأطعمة والأشربة ،وفجأة جاء فارس يجري ،وعلى وجهه الخوف ،وطلب رؤية السلطانة، فسألته العجوز عن ما حدث ،و سبب إرتعاده ،أجابه ا: لقد حلّ بنا بلاء عظيم ،ولم يبق من طليعة الجيش إلا بضعة أنفار، أما الباقين فقد أصبحوا جلودا جافة لا حياة فيها !!! لمّا سمعت صفيّة ذلك أوقفت الهودج وأطلّت برأسها ،وسألته: ويحك، ماذا تقول؟ فطليعتنا فيها ثلاثمائة فارس من أشجع رجالنا ،فكيف يموتون كلهم دون حرب ولا قتال ؟أجاب الفارس :دعيني أشرب ،وسأحكي لك كل شيئ ،أعطاه أحد العبيد قربة ،فبلّل الرّجل شفتيه بقليل من الماء ثم قال :لقدكنّا نسير في طريقنا ،وفجأة لمحنا كثيرا من قطع الذهب الكبيرة والصغيرة على الأرض،،فتسابقنا لالتقاطها،لكن ما يكاد أحدنا يلمسها حتى يشحب لونه و ،ولشدّة طمع رجالنا فلم يهتمّوا بما يحصل لرفاقهم ،وواصلوا التنافس فيما بينهم على الذّهب الذي يخطف بريقه الأبصار ،ولم يعد اي منهم يطيع قادته .

وحين أيقنوا في النهاية أنّ الذهب مسحور، بدأوا في الإبتعاد، وقد أصابهم الذّعر الشّديد، لكنهم إكتشفوا أن تلك العلة معدية، وصاروا يخشون الإقتراب من بعضهم ،وخلعوا دروعهم ورموا أسلحتهم ،وهربوا في كلّ ناحية، وكأنّ ذلك لم يكفينا، فظهر لنا قوم غامضون وراء الأشجار والصّخور ،ورمونا بقصبة فيها سهام صغيرة لا تخطأ أبد هدفها ،وهم يتحرّكون بخفّة ، ولا نعرف هل هم بشر أم حيونات على هيئة بشر !!! لمّا سمعته السّاحرة، أمرته أن لا يتحرّك ،ثم إقتربت منه وتشمّمته ،ثم قالتّ حسنا ليس بك شيئ، إسترح قليلا ،وأرنا المكان الذي رأيت فيه هذه الأشياء الذهبية ،فطول حياتي لم أسمع بها ،وما قيل عن قوى خفيّة تحرس المعبد هو صحيح ،وكنت أعتقد أنها هراء، أجاب الفارس : لقد شاهدت بعينيّ ماذا حصل ،وهو مخيف،فلم أر شيئا أفتك من تلك الأشياء ،وقد يكون كلّ هذا البرّ ملعونا تسكنه المردة والشياطين ،علينا الإبتعاد من هنا، وإلا سنلحق برفاقنا .
أمرت نسيمة العبيد بأن يقيدوه ،ويكمّموا فمه لكي لا يتكلم ،وينشر الخوف في باقي الجيش ،سمعت السلطانة صفية كلّ ما جرى ،ورأت الخوف على وجه الرّجل ،فقالت للساحرة :إسمعي، لا نعرف ماذا ينتظرنا في هذا المكان الموحش ولا شيئ يستحقّ هلاك فرساني !!! رمقتها الساحرة بنظرة حادّة ،وقالت لها : تذكّري المعروف الذي أسديته لك ،و لولا ي لما صرت سيدة هذه المملكة ،إياك نسيان ذلك ،هل فهمت ؟ أحسّت صفيّة أنّها في ورطة فهي من قتلت زوجها السّلطان بالسّم ،وكذبت على الرّعية بأنها رزقت مولودا ذكرا ،وهي أيضا من حاولت قتله بتفّاحة مسحورة ،فجرائمها كثيرة ،ولو تكلمت العجوز لانقلبت عليها الحاشية والأمراء ،وضربوا عنقها،وهي تحتفظ أيضا بابنتها في مغارة ،لتهدّدها بها ،ولم تجد بدّا من مسايرتها حتى تجد فرصة للتخلص منها بطعنة في ظهرها .
وكانت العجوز أيضا تفكر في نفس الشيئ ،فبعد حصولها على كتاب ، ستصنع مرهما من زهرة الجنة ليرجع لها شبابها ،ثم تقتل صفيّة ،وتأخذ مكانها ،ومن سيجرأ على عصيانها ،لما ترى الحاشية الجنّ والشياطين الذين يأتمرون بأمرها ،عند ذلك ستحقّق حلمها ،وتحضر أمّها وأخوتها من العالم الآخر ،فطول حياتها عاشت وحيدة في الغابة ،ومنبوذة لكن الآن سينتهي كل شيئ ،ولا أحد يقدر أن يفرّقهم عن بعضهم ،وستجعل من السّحر شيئا متاحا دون قيود ،وتكون المملكة ملاذا آمنا لكل السحرة المضطهدين ،إستيقظت العجوز من أحلامها على همهمة الفارس الذي سدّت فمنه ،وهو يشير بعينيه إلى الأشجار التي أمامه ،فنزلت عن بغلتها ،وهي تحاذر أين تضع قدميها ومشت قليلا ،فرأت شيئا يلمع من بعيد ،فاقتربت منه ،ثم إلتقطت عودا ولمسته فنهضت الحشرة من سباتها ،وهربت ،قالت الساحرة :هذا حقا مدهش ، ثم واصلت التّقدم ،ورأت الفرسان على الأرض ،وقد تآكل لحمهم وجفّت جلودهم ،قالت في نفسها : لا أعرف من أحضر هذه الدّويبة إلى هنا ،لكنّه بارع جدّا ،وهناك الكثير لأتعلّمه عن السّحر …

يتبع الحلقة 9

قصص حكايا العالم الاخر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق