مقالات
النِّفاقُ وَشَرُّهُ: أ. د. لطفي منصور
النِّفاقُ إِخْفاءُ الْكُفْرِ وَإظْهارُ الْإسْلامِ، وَحُكْمُهُ الْقَتْلُ، لِأَنَّهُ مِنْ حَطَبِ جَهَنَّمَ. وَهَذا شَرُّهُ. وَهُناكَ نِفاقٌ لِلْمُحافَظَةِ عّلى عَقِيدَةِ الْإسْلامِ وَإظْهارِ الدِّينِ السّائِدِ، كَما كانَ يَحْدُثُ في بِلادِ الْأَنْدَلُسِ بَعْدَ زَوالِ حُكْمِ الْمُسْلِمِينَ فيها مَعَ سُقُوطِ غَرْناطَةَ سنَةَ 1492م.
وَهُناكَ نِفاقُ ذِي الْوَجْهَيْنِ ، يَكونُ بِوَجْهٍ ثُمَّ يُخْفيهِ وَيُظْهِرُ الْوَجْهَ لِيُرْضِيَ الْبِيئَةَ الَّتي يَنْزِلُ داخِلَها.
أمّا الزَّنْدَقَةُ فَهِيَ إظْهارُ الْإسْلامِ وَإبْطانُ الْمَجُوسِيَّةِ أَوِ الْكُفْرِ وَالْإلْحاد، وهمْ أَتْباعُ ماني الْفارسيِ الَّذي قالَ بِوُجُودِ قُوَّتَيٍنِ النُّورِ والظَّلامِ.
أُشْتُقَّتْ كَلِمَةُ نِفاقٍ مِنَ النَّفَقِ أَوِ الْأَنْفاقِ الَّتي يَحْفِرُها الضَّبُّ في الْأَرْضِ لِيَحْتَمِيَ بِها.
الضَّبُّ وَجَمْعُهُ ضِبابٌ حَيَوانٌ زاحِفٌ مِنْ فَصيلَةِ الزَّواحِفِ وَالسَّحالِي، كانَ قِسْمٌ مِنَ الْعَرَبِ يَصْطادُهُ لِلشِّواءِ. يَضَعُون لَهُ طُعْمًا في فَخٍّ في مَدْخَلِ أَحَدِ الْأَنْفاقِ ، فَإذا لَمْ يَقَعْ في الْفَخِّ قالُوا: نافَقَ الضَّبُّ أيْ سارَ إلى نَفَقٍ آخَرَ.
وَقَدْ زَعَمَ بَعْضُ الْعُلَماءِ الْغَرْبِيِّينَ أَنَّ اشْتِقاقَ كَلِمَةِ نِفاقٍ مَأْخُوذٌ مِنَ النَّفَقَةِ الّتِي كانَ يَدْفَعُها النَّبِيُّ لِلْمُنافِقِينَ لِيَبْقَوْا عَلَى الْإسْلامِ، وَلا يُظْهِرُوا الشًِّرْكَ.
كَذَبُوا وَخَلَطُوا بَيْنَ الْمُنافِقِينَ وَبَيْنَ الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ. وَهَؤُلاءِ نَفَرٌ مِنْ فُقَراءِ الْمُسْلِمِينَ الَّذِينَ كانُوا يَخْشَوْنَ أَنْ يَحْمِلَهُمُ الْعَوْزُ وَفَراغُ ذاتِ الْيَدِ إلى اللُّجُوءِ إلى الْكَفَرَةِ لِسَدِّ رَمَقِ عِيالِهِمْ، فَكانَ النَّبِيُّ يَتَأَلَّفُهُمْ لِيُحافِظُوا عَلَى إيمانِهِمْ.
وَاخْتَلَفَ الْفُقَهاءُ في جّوازِ أَكْلِ لَحْمِ الضَّبِّ. فَقَدْ وَرَدَ في السُّنَّةِ الشَّريفَةِ أَنَّ الضَّبَّ قُدِّمَ مِنْ بَيْنِ الطَّعامِ عَلَى مائِدَةِ رَسُولِ اللَّهِ، فَلَمْ يَأْكُلْ مِنْهُ شَيْئًا وَسَكَتَ عَنْهُ.
لَقَدْ وَرَ دَ لَفْظُ الْمُنافِقِينَ في الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ في مَواضِعَ كَثِيرَةٍ مِنَ الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ. فَفي سُورَةِ النِّساءِ (آية ١٤٥: إنَّ الْمُنافِقِينَ في الدَّرَكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرا)
اُنْظُرُوا شِدَّةَ الْعَذابِ الَّذي يَنْتَظِرُهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ، وَهُمْ في أَشَدِّ الْحَريقِ لا يَجِدُونَ لَهُمْ شَفِيعًا، وَلا قَرينًا يَنْصُرُهُمْ.
وَرَأْسُ الْمُنافِقِينَ في الْمَدِينَةِ في عَهْدِ الرَّسُولِ الْخَزْرَجِيُّ عَبْدُ اللَّهِ بنُ أَبِي سَلُولٍ ، كانَ يَحْسُدُ النَّبِيَّ عَلَيْهِ السَّلامُ، وَيَطْمَعُ في تَتْويجِهِ مَلِكًا عَلَى يَثْرِبَ. فَقُبَيْلَ وَقْعَةِ بَدْرٍ انْسَلَخَ بِثُلُثِ الْمُقاتِلِينَ، مِنْ أَتْباعِهِ وَكَرَّ راجِعًا إلى الْمَدِينَةِ غَدْرًا بِالنَّبِيِّ وَالْمُهاجِرِينَ، وصاحَ: ما لَنا وَلهَؤُلاءِ يَقْتُلُونَنا وَنَقْتُلُهُمْ؟ وَأَشارَ إلى الْمُشْرِكِينَ.
وَلَمّا ماتَ ابْنُ أَبِي سَلُولٍ جاءَ ابْنُهُ عَبْدُ اللَّهِ (عَلَى اسْمِ أَبِيهِ)
الصَّحابِيُّ الْجَلِيلُ وَطَلَبَ مِنَ النَّبِيَّ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَى أَبِيهِ، فَلَبَّى الطَّلَبَ بِالرَّغْمِ مِنِ احْتِجاجِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. ثُمَّ نَزَلَتِ الْآيَةُ الْكَرِيمَةُ (وَلا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ ماتَ أَبَدًا، وَلا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ .. الْآيَةَ) فَحُرِّمَتِ الصَّلاةُ عَلَى الْمُنافِقِينَ.
الَّذي يَهُمُّنا في التَّواصُلِ الِاجْتِماعِيِّ ذُو الْوَجْهَيْنِ . وَجْهٌ
مَكْشُوفٌ لَكَ يَفْتَرُّ عَنِ ابْتِسامَةٍ صَفْراءَ مُوحِشَةٍ، وَوَجْهٌ مَخْفِيٌّ كَوَجْهِ الْجانِ وَهُوَ الْحَيَّةُ الْخَبيثَةُ، لَوْ رَأَيْتَهُ لَوَلَّيْتَ مِنْهُ رُعْبا.
فَهُوَ يَنْطَوِي عَلَى حِقْدٍ وَحَسَدٍ وَضَغِيِنَةٍ تُفَتِّتُ الْقَلْبَ.
لِلْمُنافِقِ عَلاماتٌ، عَلَّمَها لَنا رَسُولُنا الْكَرِيمُ في حَدِيثِهِ الشَّريفِ:
“آياتُ الْمُنافِقِ أَرْبَعَةٌ:
– إذا حَدَّثَ كَذَبَ.
– وَإذا وَعَدَ أَخْلَفَ.
– وَإذا اؤْتُمِنَ خانَ.
– وَإذا خاصَمَ فَجَرَ.
فَمَنْ كانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنْ هَذِهِ الْأَرْبَعَةِ فَهُوَ مُنافِقٌ فَاحْذَرْهُ.