ثقافه وفكر حر

مِنْ جَمالِ الْعَرَبِيَّةِ وَثَرائِها: أ. د. لطفي منصور

في اللُّغَةِ الْعَرَبِيَّةِ مَوْضُوعٌ اسْمُهُ الْمُثَلَّثُ اللُّغَوِيُّ. وَنَعْنِي بِهِ حَرَكَةً ثُلَاثِيَّةً تَعْتَرِي أَحَدَ حُروفِ الٍكَلِمَةِ، وَخاصَّةً الْأَوَّلَ مِنها. وَهُوَ قِسْمانِ : قِسْمٌ ذُو مَعْنًى واحِدٍ، وَقِسْمٌ تَخْتَلِفُ مَعانِيهِ.
وَأَشْهَرُ مَنْ أَلَّفَ فِيهِ أَبُو مُحَمَّد عَبْدُ اللَّهِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ السِّيدِ البَطَلْيُوسِي، نَسْبَةً إلى بَطَليوسَ مَدِينَةٍ تَقَعُ غَرْبِيَّ قُرْطُبَةَ في الْأَنْدَلُسِ. وَيُعْرَفُ اخْتِصارًا بِابْنِ السِّيدِ، والسِّيدُ الذِّئْبُ الضَّارِي.
أمْثِلَةٌ عَلَى مُثَلَّثِ الْمَعْنَى الْواحِدِ:
– يُقالُ: بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ أَجاجٌ، وَإِجاجٌ، وَأُجاجٌ. أَيْ سِتْرٌ.
وَأُضِيفُ ما نَسِيَهُ ابْنُ السِّيدِ مِنِ اخْتِلافِ الْمَعْنَى. فَمَعْنَى أُجاجٍ الشَّدِيدُ الْمُلُوحَةِ وَالْمَرارَةِ. كَما جاءَ في الْآيَةِ الْكَريمَةِ (الفُرْقان: ٥٣) “هذا عَذْبٌ فُراتٌ وَهَذا مِلٍحٌ أُجاجٌ”.
– يُقالُ: كانَ ذَلِكَ عَلَى أَسِّ الدَّهْرِ، وَإِسِّ الدَّهْرِ، وَأُسُّ الدَّهْرِ، وَزادَ أَبُو عُبَيْدَةَ(ت ٢١٠هج) وَاسْتُ الدَّهْرِ. اُسْتُ الْبِناءِ قاعِدَتُه. وهَمْزَتُهُ لِلْوَصْلِ
وَالْمَعْنَى في كُلِّها: عَلَى وَجْهِ الدَّهْرِ .
قالَ أَبُو نُخَيْلَةَ: مِنَ الْكامِل
ما زالَ مَجْنُونًا عَلَى اسْتِ الدَّهْرِ
في بَدَنٍ يَنْمِي وَعَقْلٍ يَجْرِي
(يَقُولُ: يَنْمُو جِسُمُهُ وَيَنْقُصُ عَقْلُهُ)
– شَرْبٌ، وَشِرْبٌ، وَشُرْبٌ، كَذا تُقْرَأُ الْآيَةُ الْكَريمَةُ (٥٥) مِنْ سُورَةِ الْواقِعَةِ (فَشارِبُونَ شُرْبَ الْهِيمِ) والْهِيمُ الْإبِلْ الْعِطاشُ جَمْعُ هَيْمَى. وَقِيلَ كَثِيبُ الرَّمْلِ الَّذِي لا يَرْوِيهِ ماءُ السَّماءِ.
– يُقالُ في الدُّعاءِ: رَأَفَ اللَّهُ بِكَ، وَرَئِفَ بِكَ، وَرَؤُفَ بِكَ، الْهَمْزَةُ مُثَلَّثَةُ الْحَرَكاتِ. وَهُوَ أَشَدُّ الرَّحْمَةِ.
– يُقالُ: الْوَجْدُ، وَالْوِجْدُ وَالْوُجْدُ بِمَعْنَى الْمَقْدِرَةِ.
– وَيُقالُ: رَغْمَ أَنْفِهِ، وَرُغْمَ أَنْفِهِ
وَرِغْمَ أَنْفِهِ. أَيْ قَسْرًا، مِنَ الرَّغامِ وَهُوَ التُّرابُ. كَأَنَّهُ دُسََ أَنْفُهُ في التُّرابِ لِيُذِلَّهُ غَصْبًا.
أَمْثِلَةٌ مِنَ الْقِسْمِ الثّانِي:
– الْأَلُّ وَالْإلُّ وَالْأُلُّ.
الْأَلُّ بِالْفَتْحِ : الصُّراخُ عِنْدَ الْمُصِيبَةِ. وَالْأَلُّ أَيْضًا جَمْعُ أَلَةٍ وَهِيَ الْحَرْبَةُ. وَكانَ يُقالُ لِشَهْرِ رَجَبٍ مُنْصِلُ الْأَلِّ وَالْأَسِنَّةِ، لِأَنَّهُمْ كانُوا يَنْزِعُونَ أَسِنَّةَ رِماحِهِمْ فِيهِ، وَلا يَغْزُونَ، فَهُوَ مِنَ الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ، مُشْتَقٌّ مِنَ التَّرْجِيبِ وَهُوَ التَّعْظِيمُ.
يَقُولُ الْأَعْشَى: مِنَ الطَّوِيل
تَدارَكَهُ في مُنْصِلِ الْأَلِّ بَعْدَما
مَضَى غَيْرَ دَأْداءٍ وَقَدْ كادَ يَعْطَبُ
(الدَّأْداءُ: آخِرُ لَيالي الشَّهْرِ وَهيَ السِّرارُ. يَقُولُ: أَدْرَكَهُ في اللَّيْلَةِ الْأَخيرَةِ مِنْ رَجَب، وكادَ يُهْلِكُهُ)
وَالْأَلُّ : صَفاءُ اللَّوْنِ وَبَرِيقُهُ. وَأَلَّ الْفَرَسُ أُذُنَيْهِ نَصَبَهُما، وَأَلَّ الصَّقْرُ: رَفَضَ أَنْ يَصِيدَ.
– الْأَمْرُ وَالْإمْرُ وَالْأُمْرُ:
الْأَمْرُ بِالْفَتْحِ : ضِدُّ النَّهْيِ، والْأَمْرُ: الشَّأْنُ، وَمِنْهُ الْآيَةُ الْكَريمَةُ (وَأَمْرُهُمُ شُورَى بَيْنَهُمْ).
وَأمَرَ الشَّيْءَ كَثَّرَهُ وَزادَهُ، وَمِثْلُهُ في الْقُرْآنُ (وَإِذا أَرَدْنَا أنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنا مُتْرَفيها) أيُ كَثَّرْنا مُتْرَفيها فَفَسَقُوا.
وَهَذا عِلْمٌ واسِعٌ في اللُّغَةِ الْعَرَبِيَّةِ أَرَدْتُ أنْ أُطْلِعَكُمْ عَلَيْهِ لِتَعْرِفُوا مَدَى دِقَّةِ لُغَتِنا وَاتِّساعِها وَجَمالِها.
لِلزِّيادَةِ يُنْظَرُ
– المثَلَّثُ: تَأْليفُ ابْنُ السِّيدِ الْبَطَلْيَوْسي الْأَنْدَلُسي.
– تَهْذيبُ إصْلاحِ الْمَنْطِقِ: تَأْليفُ الخَطيبِ التَّبْرِيزي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق