مقالات

فهمان يرى الشيطان باستخدام الفيزياء النوويةج4 / بقلم إبراهيم أمين مؤمن-مصر

وأخبره كاجيتا بطريقة عملها، وأعطاه ثلاثمجموعات من ذرات الرابيديوم واحتفظبالمجموعتين الأخريين دون علم الرئيس.

خرج كاجيتا من القصر بعد أن صرفه الرئيسعلى أن يلتقيه في اليوم التالي.

تمتم كاجيتا وهو في طريقه للخروج: معالرئيس خمس قنابل، بينهما اثنان لن يعملا(يقولها وهو يقذف بالمجموعتين المصرورتينإلى أعلى بيده اليمنى ثم يتلقفها بها مرةأخرى).              

                                                ***

لم يهدأ فريق كاجيتا منذ أن فارقوا أرضالوادي الجديد، وفور أن وطأت أقدامهم أرضاليابان ذهب كل واحد منهم إلى أهلهوقلوبهم تتأجج نارا وحسرة على تلك القنابلالتي صنعوها بأيديهم ولم تكن بحوزتهم.

وبدل من إطفاء لهيب الوحشة التي غمرتأرواحهمبفراقهم للأهل والأحباببالاستئناس بالأهل والأحباب هجروهموانعزلوا تماما عنهم لأن قنابل الثقوبالسوداء التي شاركوا في صنعها قد أخذتبلب قلوبهم، ولقد حركت قدراتها الرهيبةمشاعرَهم فتولد من رحمها أجنة العظمةالتي بدأت تنمو وتنمو طوال الليل حتىتمنى كل واحد منهم أن يمتلكها ليدعو إلىنفسه إلها.

ورغم تلك المشاعر المتأججة التي استعمرتأرواحهم إلا أن الأمر لا يخلو لبعض من ملامةالنفس، فهم يعلمون ما لا يخفى على أحد منشعب اليابان منزلة المعلم الذي بات عندبعض طوائفهمإن لم يكن جلهمفي منزلةإله. وفي نهاية الصراع الدائر على حلبةأنفسهم فتك الشر بلوم النفس فأجهز عليها.

أما ناكامورا فقد أكل الحقد قلبه، واشتعلقلبه غيظا وحسرة ألا يمتلك تلك القنابل.

قضى ليلته عاضا في أنامله، ويكز علىأسنانه بين الفينة والأخرى ويزوم ويزمجركالرعد. ولقد توغل الغضب في أوصالهوتدفق الدم إلى رأسه حتى تحول إلى جمرةمن نار لو سلطت على شيء لأكلت منهاليابس قبل الأخضر.

ولقد أكره نفسه كي تلتزم السكينة وتتلبسبالحكمة والتعقل حتى يجد طريقة تمكنه منالحصول على القنابل.

وبعد تدبر تراءى له إنه لم يكن أمامه سوىوسيلتين، الأولى الذهاب إلى الوادي الجديدوالنزول بالمختبر وصنعها بيد أنه قال: ربمالا أستطيع صنعها؛ ثم لابد من تصريح منرئيس دولتي لأدخل المصادم، وهذا مستحيل.

إذن فلا يوجد سوى الوسيلة الأخرى. وقد عزمعلى تنفيذها. وهي قتل كاجيتا.

وظل يضرب كلتا يديه بعضهما ببعض، وهويزفر متوجعا، وينظر من النافذة لعل خيوطالفجر تبكر هذا اليوم ويتنفس الصبح، بيدأن حرقة الانتظار حولت تلك الخيوط إلىسياط من نار تجلد ظهره، وتنفس الصبحالمنتظر تحول إلى لفح من جحيم الآخرة.

وفور أن تنفس الصبح خرج من منزلهواستقل سيارته وهاتف زملاءه.

اجتمع بهم بعد بضع ساعات وفاتحهم فيالأمر، فانقسموا إلى فريقين، الأول يرىسرقتها فحسب والثاني يفضل قتله ليفسحلهم المجال في السيطرة على الكون.

واستقروا على قتله، بل قتل فهمان وجاك أيضا لأن أولئك الثلاثة سيمثلون لهم مصدر تهديد إن بقوا على  قيد الحياة.

                                 ***                      

توجه كاجيتا نحو قصر الرئاسة فيالساعات الأولى من الصباح.

فلما دخل عليه بادره الرئيس بقوله: «ياكاجيتا، متى نبدأ تنفيذ الخطة بالضبط؟»

أجابه: «سيادة الرئيس، ثمة مسائل تقنيةتخصكم، فعليك الانتهاء منها أولا قبلالشروع في خطة الهلاك

قال الرئيس مستاء: «كيف؟»

قال كاجيتا: «وضع القنابل ليس بالأمرالهين، فلابد من تسلل الرجال الثلاثة ليرموابالقنابل الثلاثة بالقرب من الأماكن التيتتجمع فيها سفنهم

قال الرئيس: «إذن سأحتاج إلى وزير دفاعيليكلف خبيرا في فنون القتال البحرية بمهمةإلقاء القنابل بالقرب من سفنهم

وهاتف الرئيس بالفعل الوزير، فجاءوبصحبته الخبير على الفور، وبعد أن علمالخبير تقنية عمل تلك القنابل حدد كيفيةوضعها بجانب تلك الأساطيل الثلاثة.

ومما قال: «سنأتي بثلاثة صياديين

دهش الرئيس وسأله: «كيف ذلك؟»

أجابه: «لم أقصد صياديين بالفعل، وإنما رجالنا سيمتهنون مهنة الصيد حتى ينتهوا من مهمتهم. سنغلف تلك القنابل بطعام لاتأكله الأسماك ثم نضعها في شص (أداةصلبة معكوفة تعلق فيها السنارة) صيدالسمك ويلقونها في السواحل، ويتركونالعنان للخيط ليقترب من تلك السفن،ويتابعون عن بعد ثم ينصرفون في الوقتالمناسب

بعد أن حدد كاجيتا الوقت المناسب له قال: «خطة لا بأس بها

قال الرئيس: «أيها المحترف، ابدأ التنفيذ

ولما انصرفا (الوزير والخبير) قال كاجيتا: «لابأس بوسيلة الخبير، فهي سوف تمكننا مننقل نحو ربع مليون فرد، وهم أفراد طواقمالسفن.»                

قاطعه الرئيس دهشا وقال متمتما: «نقل،نقل! ألن يهلكوا؟»

أجابه كاجيتا: «للأسف مصيرهم مجهول،فمصير اليابان في عام 1945 معلوم، أمامصير أمريكا بعد بلعهم بقنابل الثقوبالسوداء فمجهول

قال الرئيس غاضبا دهشا: «يا كاجيتا، كثرةمفاجآتك التي تقذفني بها الواحدة تلوالأخرى سوف تصيبني بالجنون، كيف يكونمصيرهم مجهول؟»

قال متوجعا بعد أن زفر زفرة ضيق طويلة: «للأسف، قد يحيون في بُعد آخر ويصبحونملوكا في بُعدهم

رفع الرئيس يده إليه لا يلوي على شيءسوى العجز عن الكلام، وتمتم ببضع كلماتغير مفهومة، وغمغم بصوت مسموع، وأخيراسكت ثم قذفه بقوله وهو يشير بأنامل يدهاليمنى إشارة انصراف: «كاجيتا، لا أريد أنأعرف شيئا عن تلك القنابل الملعونة، فقط نفذخطتك

قال كاجيتا: «ثمة تعديل طفيف في الخطة،سوف ننقل أساطيل ثلاثة، ونعدم الرابعالمتمركز في بلدنا بالرصاص لأننا لننستطيع استخدام القنابل على أراضيناحتى لا يصاب أي مواطن ياباني بسوء

قال الرئيس وهو يقهقه: «أي رصاص يا كاجيتا! سوف نضربهم بالطوربيدات

«حسنا، سوف أجلس في معملي، وانتظرإشارة انتهاء مهمة الرجال الثلاثة، فور أنتأتيني الإشارة سوف أفعّل عمل القنابل

– «سأخبرك فور انتهاء عملهم واجتماعيبحكومتي، هيا امض إلى مختبرك

بسط كاجيتا يده ولم يتكلم.

قال الرئيس دهشا: «ماذا تريد؟»

أريد القنبلتين

قال الرئيس وهو لا يعي ما يقول: «سأحتفظأنا بها، وآمرك أيضا بألا تنزل بالواديالجديد إلا بأذني

فانصرف كاجيتا غاضبا.                    

                      ***

فور رحيل كاجيتا أرسل إلى الحكومة وعقدمعهم جلسة سرية للغاية.

وأخبرهم بما يريد.

لم يمانع أو يتردد منهم أحد بل باركوا خطتهودعوا لكاجيتا بالتوفيق.

ولم يمانعوا في اختيار الثلاثة أساطيل التيانتقاهم رئيس الوزراء سابقا وهم: أسطولمدينة سان دييغو، والأسطول الرابع فيمدينة جاكسونفيل فلوريدا، والعاشر بولايةماريلان بأمريكا. كما لم يمانعوا أيضا فيمحاصرة الأسطول الرابع المتمركز علىسواحل كاناغاوا اليابانيّة ومن ثم رميهمبمجموعة من الطوربيدات التي سوف تنطلقمن السفن المقاتلة اليابانية المتاخمة لهم.

وثمة معضلة لابد من إيجاد حل لها، وهيتداخل بعض القوات اليابانية مع الأساطيلالبحرية الأمريكية لأنهما يحاربان معاكتحالف ضد الجانب الشرقي بقيادة الروسوالصين.  

وقد اتفقوا أيضا من أجل حل هذه المعضلةوهو الإعلان عن انسحاب اليابان من الحربالدائرة متعللين بأن رامسفيلد رفض عرضاسخيا من الروس دون مبرر، ومن ثم فإنرفضه قد يودي بالعالم على حافة الهلاك.

واستكمالا للخطة قرروا قتل جاك وفهمانمعا، لذلك حددوا فرقة مقاتلة من فرقالساموراي لإرسالهم إلى الوادي الجديدلقتلهما هناك، فوجود جاك مع فهمان فيالمختبر FFC-2 غير خاف على أحد.

وبتلك الخطة المحكمة تحكم العالم كما تنهي على آخر أمل لأي دولة تشاركها حكمها إذا ماتمكنت من صنع قنابل الثقوب السوداء أوالحصول عليها بأي طريقة ما.

                               ***

وتم لهم ما أرادوا، حيث انسحبت القواتاليابانية المشاركة في الحرب العالمية ولاسيماالبحرية منها، وكان الرجال الثلاثة في هذاالوقت على أهبة الاستعداد حيث الأساطيلمنشغلة بأمر انفصال الأساطيل اليابانيةعنها؛ وألقوا السنارات الثلاث بنفس الطريقةالتي حددها لهم المتخصص في فنون القتالالبحرية.

وسبحت السنارات الثلاث في اتجاه السفن،تلك السفن التي تسبح في سواحل المحيطالأطلسي والهادي وعليها مدمرات وطراداتوطوربيدات فضلا عن حاملات الطائرات التيتحلق فوقها مباشرة لتمدها بما تريد وتكونلها بمنزلة غطاء جوي لحمايتها، كما أنهامأهولة بطواقم يبلغ قوام أفرادها 250 ألففرد.

                                      ***

ودخل كاجيتا المعمل ونصب ذرات الرابيديومالثلاث بطريقة تمكنه من ضربها جيدا. وقال: الآن أفعل ما أشاء دون أن يصل إليّ أحد لأنهلا يمكن تتبع مصدر الضرب.

وظل ينظر إليها نظرة الضبع الجائع لإحدىفرائسه، كل أوصاله ترتعد، وعيناه ترميانبشرر كأنه يتأجج من لهيب الجحيم.

بعد بضع لحظات أمسك هاتفه، ونصبه تلقاءوجهه، وظل يحدق به لأكثر من عشر ساعات،وهو واقف لم يجلس قط، وأخيرا همس: هيا،اتصل أيها الداعر الماجن.

وفور أن انتهى من قوله رأى اسم رئيسالوزراء على هاتفه، وطرق جرس الهاتفأذنيه كأجمل لحن في الوجود.

وما لبث أن رمى الهاتف كأنه قطعة من جمربعد أن فتح الاتصال، وأمسك جهاز الليزربكلتا يديه يضرب في ذرات الرابيديوم رغم أنه لم يسمع قول الرئيس.

أما الهاتف فملقى على الأرض تسمع منهقول رئيس الوزراء وهو يردد قوله: كاجينانفذ، كاجيتا ألم تسمعني! نفذ.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق