اقلام حرة
صراع الجبابرة في القدس
بقلم: تمارا حداد.
تُعتبر مدينة القدس بؤرة الصراع القديم الحديث للعديد من الدول ويُجسد البعد الديني والسياسي من أهم الأبعاد التي تلازم السياسات الداخلية والخارجية لها مهما كانت معتقداتها حول القدس، حيث ساهم ازدياد وتيرة الاقتحامات الاسرائيلية نحو القدس والمقدسات زيادة الاهتمام بمدينة القدس وظهر الاهتمام بها جلياً عبر زيادة الطلب على شركات النقل والسفر لأكثر من دولة التي تتلقى هذه الأيام الكثير من طلبات زيارة القدس.
فالقدس بعد اعتراف ترامب كعاصمة لاسرائيل أصبحت مجدداً ضمن أولويات السياسة الخارجية للدول لأكثر من سبب أهمها تمرير سياسة داخلية لذات البلدان بالتحديد أن عدد من الدول استطاع رؤسائها الوصول إلى كرسي الرئاسة باستغلال عنوان القدس ضمن سياق الدعاية الانتخابية، أما على صعيد السياسة الخارجية فهي مفتاح للضغط أيضا ًلصالح تمرير سياستها الداخلية، لذا القدس أصبحت موقعاً لصراع الجبابرة والتنافس أو التعاون أو تركيز السيطرة لتحقيق سيادة وبُعد ديني.
تركيا:
إذا مررت بين أزقة القدس القديمة ستلاحظ أكثر من علم فيها سترى العلم التركي والعديد من الجمعيات التي تهتم بما يحدث بالقدس وأفراداً لاستقطاب المقدسيين سواء من خلال تقديم المال أو مساهمات عبر المشاريع الإنسانية والاغاثية، فالخصوصية التي تتعامل تركيا مع مدينة القدس مردها الثقل التاريخي والديني، والاهتمام التركي حول القدس لن يتطور إلى الدور السياسي أو العسكري بالتحديد بعد المصالحة الأخيرة بين تركيا والاحتلال، قد يكون يوماً من الأيام عدة محاولات من تركيا لتتعدى نطاق مسؤولية الأردن الدينية أو السياسة ولكن هذا الأمر بعد التوجه نحو إعادة الصراع في الشمال السوري وإعادة تموضع اللاجئين لتلك المنطقة اصبح خارج نطاق التفكير التركي، بالتالي من المستبعد أن تُغير تركيا استراتيجيتها في التعامل مع القدس في المدى المنظور حيث ستُبدي تعاوناً مع الأردن وليس تنافس أو على الاقل إبقاء التنافس بارد الوتيرة كي لا يؤثر على مصالحتها الأخيرة مع اسرائيل.
الأردن:
تُعتبر القدس نبض الأردنيين وهي قضيتهم الأولى حيث يسعى الملك عبد الله إلى مواصلة التأكيد على الوصاية الأردنية على القدس والمقدسات وترسيخ الواجب التاريخي والابتعاد عن تسييس القدس والاستئثار بها وخرق ” الستاتيكو” القائم فيها وحمايتها من أي تهديد لتاريخها ووجودها ودثر لمقدساتها وحضارتها، ويسعى الأردن دوماً إلى إبعاد أي محاولة لسحب البساط من تحته فيما يتعلق بالقدس وأي محاولة لقتل قرارات الشرعية الدولية بحقها بالتحديد فيما يتعلق بالوصاية الأردنية رغم المحاولات العديدة من عدة دول لسحب الوصاية.
السعودية:
تعتبر القدس بالنسبة للسعودية ذات أهمية وخصوصية بالتحديد البعد الديني بعد المسجد الحرام والمسجد النبوي، صحيح أن عدداً من الأصوات الاسرائيلية طالبت باستبدال الوصاية الهاشمية على المقدسات الاسلامية والمسيحية في القدس ومنح السعودية مكانة خاصة للأماكن المقدسة في القدس وهذا ما صرح به اسحاق هيرتسوغ، لكن السعودية صرحت في أكثر من موقف أنها مع حق الفلسطينيين في تقرير مصيرهم ومع إرساء حل الدولتين وأنها لن تطبع إلا بإرساء الحقوق السياسية للشعب الفلسطيني وهذا يعني ضمنياً أنها تعترف بوضع القدس الحالي كوضع تاريخي وقانوني وهو يعني التأكيد على الوصاية الأردنية يبقى كما هو إلى حين إيجاد الحل النهائي للقضية الفلسطينية.
اسرائيل:
تحظى القدس بدور بالغ الأهمية على المستوى الفكري والسياسي والديني لدى قادة الحرك الصهيونية منذ نشأة اسرائيل، وكان الاستيطان من أهم المنطلقات الفكرية وأبرز التطلعات الاستراتيجية للسيطرة على شطري القدس، وفي عالم السياسة من يسيطر على العاصمة يسيطر على الدولة بشكل كامل لذلك العقلية الصهيونية كان أبرز تفكيرها السيطرة على القدس بشكل كامل دون تنازل وهذا ما نشهده اليوم من اقتحامات متكررة يومية وتسيير مسيرات الاعلام والصلاوات المستمرة الى حين استكمال البعد اليهودي الأخير وهو بناء الهيكل.
إضافة إلى التنظير الفكري لدى النخبة السياسية والمثقفة عند اليهود حول مدينة القدس استخدمت الدين اليهودي أيضاً للسيطرة عليها ووظفت الدين لصالح أهدافها ومشاريعها التوسعية والتسلطية فاستغلت التعاليم التوراتية التي تشير إلى صهيون، والأرض المقدسة، وهيكل الرب.. وغيرها من أجل السيطرة على المدينة، وكذلك من أجل إقناع اليهود أنفسهم بالقدوم إلى الأرض المقدسة.
فاستخدمت الاستيطان الوسيلة والهدف لقيام “دولة إسرائيل”، خاصة في مدينة القدس التي ينادون بها لتكون العاصمة الأبدية لدولتهم. وارتباط مفهوم الاستيطان بالفكر الصهيوني (إن الحقيقة هي لا صهيونية بدون استيطان، ولا دولة يهودية بدون إخلاء العرب ومصادرة الأراضي وتسييجها)، وأن أخطر الإجراءات الإسرائيلية على مدينة القدس هو إصدار قانون من الكنيست الإسرائيلي (البرلمان) بأن القدس هي عاصمة دولة إسرائيل، وهي المقر الرئيسي للكنيست والحكومة والمحكمة العليا، وقد أكد الكنيست القرار نفسه في العام 1990، مؤكداً أن القدس لن تكون موضوعاً للتفاوض.
ونتيجة للسياسات الإسرائيلية من سنّ قوانين ومصادرة الأراضي وبناء المستوطنات في مدينة القدس، رسمت إسرائيل معالم جديدة للمدينة لصناعة وضع جيوسياسي جديد لها يصعب على السياسي أو الجغرافي إعادة تقسيمها مرة أخرى، فقامت ببناء الحي اليهودي في القدس الشرقية، وكذلك سلسلة من المستوطنات لتحيط بمدينة القدس من جميع الاتجاهات، وتعمل إسرائيل وفق سياسة ازدواجية المعايير، فمن جانب تعمل على طمس المعالم العربية وطرد السكان الأصليين، ومن جانب آخر تزرع مستوطنات ومستوطنين يهود.
ايران:
منذ اندلاع ثورة الخميني وحتى الآن تحدث الكثير من الندوات السياسية في ايران وخارجها حول القدس وخصص الخميني الجمعة الاخيرة من شهر رمضان لترسيخ يوم القدس العالمي، وتعتبر القدس بالنسبة لإيران أحد الملفات المهمة لها بالتحديد في السياسة الخارجية، وتدعم ايران حركات المقاومة وتُعزز تواجدها في القدس من خلال مدها بالمال والسلاح بالتحديد في شمال فلسطين وقطاع غزة.
وهناك دولاً أخرى تسعى لترسيخ وجودها في القدس ولم يتوقف الصراع بين الدول بل على وجود الحركات الاسلامية ابرزها حركة الاخوان المسلمين بكافة مسمايتها، ولكن مهما كان الصراع حول القدس فالصراع الحالي هوتنفيذ الخطة الاحتلالية هي التي تجعل القدس تمر في أخطر مراحلها، والموقف الاسرائيلي من الناحية الدينية لا يزال على ما هو عليه لا يريد أن يجعل من قضية القدس قضية مدولة على مستوى العالم بحجة بأن الأماكن المقدسة لا تحتاج إلى نظام دولي خاص ولا يزال الاسرائيليون يبررون في مناقشاتهم بأن مكة وروما غير موضوعة تحت الوصاية الدولية.
خلاصة، تسعى اسرائيل إلى تهويد المسجد الأقصى كهدف أساسي للمتطرفين من اليهود، تقوم اسرائيل على استمرار التغيير الديمغرافي للمدينة المقدسة لتهويد القدس وطمس الهوية العربية عن سكانها الاصليين، الأمر الذي بحاجة الى حماية المقدسيين بكل الوسائل والطرق، ومن المهم قراءة الأفكار والمخططات الإسرائيلية والتعامل معها كأمر واقع لا بد من التصرف معه قبل البدء بتنفيذها على أرض الواقع. والتاكيد ان (الوصاية على المقدسات في القدس) تخص الأردن وهي مسؤولية أدبية لا تستوجب المزاحمة ولا تنطوي على دور سياسي وهو أمر يتوقع الأردن من الجميع احترامه وتقديره ودعمه.