مقالات

رجل السياسة –

همسة سماء ألثقافه–قصة: نبيــل عــودة-image
  

طلب استاذ علم النفس من طلابه ان يحضر كل منهم عملاً حول فهمهم لشخصية الشباب الناشئين وخياراتهم المستقبلية، وكيف يستطيعون عبر امتحان معين، يحضرونه ويمتحنون به الشاب ان يعرفوا خيارات المستقبل لكل شاب.
وأوضح انهم الآن في مرحلة متقدمة من فهم أدوار الإنسان في الحياة وما يؤثر عليها، وانه يريد ان يختبرهم في قدرتهم على معرفة خيارات ابنائهم في المستقبل مثلا.
عمل الطلاب، قرأوا المراجع، استشاروا طلاباً عبروا نفس الامتحان وحضّر كل طالب ملفاً تحليلياً كبيراً عن نفسية الشاب وما الذي يتحكم بخياراته، واعتمدوا على تشكيلة واسعة من الأبحاث النفسية، ومن المدارس المختلفة في علم النفس والتربية.
في اليوم الموعود سلموا دوسيات العمل للمحاضر. كانت كلها دوسيات ضخمة ومطبوعة ومرتبة بشكل جيد. الا دوسية واحدة لا يوجد فيها غير ورقة واحدة مكتوبة بخط اليد قدمها طالب اسمه سمير..
– فقط هذا ما أعددته؟
تساءل الطلاب بسخرية. رد سمير باستهزاء وعدم اهتمام:
– وهل من الضرورة لملفات ضخمة، لن يقرأها استاذ علم النفس؟
– ولكننا قمنا بتحليل علمي؟ … رد الطلاب.
– اصطلاحاتكم مضحكة.. “تحليل علمي”، و “دراسة علمية”، هل نشتغل في مختبر ام في عالم البشر المفتوح والمليء بالتراكيب المتناقضة؟
– نحن طلاب علم.
– العلم بدون فهم اساليب تطبيقة، يصبح سحابة دخان.
كان أستاذهم ينصت للحوار وهو يبتسم. ثم قال:
– طلابي الأعزاء.. نحن ندرس العلوم لفهم أكثر التطبيقات ملاءمةً لعالم الإنسان، وليس لنحفظ نظريات فقط ونكرر أبحاثاً ولا نعرف استعمالها ولا كيف يمكن تطبيقها في نشاطنا العملي. ما قصدته ليس ان تستعرضوا النظريات التي نتعلمها، بل ان أرى قدرتكم على جعل النظريات آليات تستعملونها في نشاطكم العلاجي.
وأضاف بعد ان تأمّل الدوسيهات الضخمة:
– تخيلوا ان مريضاً دخل لعيادتكم يعاني من مشكلة نفسية، هل ستحضرون دوسية ضخمة لتحليل شخصيته واستعراض نظريات علم النفس عبر التاريخ؟ ام ستكونون مؤهلين لفهم ما يعاني منه وتسجيل ملاحظات تفي بالغرض العلاجي؟
أصيب الطلاب بالصمت الكامل، واختفت ابتساماتهم. سال أحد الطلاب:
– أذن هل تقول ان ما حضرناه كان عملاً بلا فائدة؟
– نسختم ما جاء في الكتب، هذا مؤكد، وآمل ان بعضكم وضع فكرة عملية. القصد من التمرين الذي طلبته، ان تتوصلوا، بناء على ما درسناه حتى اليوم الى فكرة يساعد تطبيقها في معرفة ما قد يختار الشاب في المستقبل؟
– وهل ورقة زميلنا سمير تعرض خطة؟
– لا أعرف.. سأراجع دوسياتكم. في الدرس القادم سنكون أكثر نوراً بما أعددتموه.
بعد أسبوع دخل أستاذ علم النفس وبيده دوسية واحدة. سأل أحد الطلاب أستاذهم:
– لم تحضر دوسياتنا.
– نفعتني لمدفأة الحطب. كان الطقس بارداً كما تعلمون، واضطررت لاستعمال الدوسيات بسبب نقص الحطب.
كانت السخرية والمرارة واضحة في كلماته. وأضاف:
– فقط دوسية سمير أنقذت نفسها من الحرق.
كانت الإشارة واضحة: “فشلتم في الامتحان”.
ولكن ما الذي يجعل دوسية سمير بصفحتها الواحدة اليتيمة أفضل من آلاف الصفحات.. سهروا الليالي يراجعون وينقلون ويطبعون وينقحون..؟!.
كانت دوسية سمير تشد أنظارهم بنوع من الاستفزاز.
توجه المحاضر لسمير:
– اريد ان أنوه بأن سمير لم يقدم أي تحليل، بل قدم فكرة حول كيفية فحص شاب لمعرفة ما قد يختار مستقبلاً. وطبيب النفس لا يكتب تحليلاً بل يطور أساليب عملية لمعرفة ما يعاني مرضاه وكيفية علاجهم، ولا تهمني الفكرة هنا بقدر ما أثارني التفكير بطريقة معينة. المادة العلمية ضرورية لتصبحوا على معرفة علمية ومؤهلين في تطبيقها وتطوير خبراتكم وليس في إعادة تسجيلها، ونسخها من الكتب.
– سمير تفضل واشرح للصف فكرتك التي صغتها بالصفحة اليتيمة.
تقدم سمير لمقدمة الصف، وقف وجال نظره بزملائه الطلاب. وقال:
– قلت في ورقتي انه لمعرفة ما يختار الشاب من مهنة في المستقبل، نقوم بتجربة بسيطة. نطلب من والده ان يضع في غرفته، أثناء غياب ابنه عن البيت، كتاب دين، ورقة مالية من فئة المائة دولار، منظاراً فضائياً، زجاجة ويسكي ومجلة جنس… ويراقب الأب ماذا يختار ابنه.
اذا اختار كتاب الدين سيكون في المستقبل رجل دين.
اذا اختار المائة دولار سيكون رجل أعمال.
اذا اختار المنظار الفضائي سيكون رجل علم.
اذا اختار زجاجة الويسكي، سيكون سكيراً لا فائدة منه.
واذا اختار مجلة الجنس سيكون رجلاً حياته مليئةٌ بالخطايا ومطاردة النساء.
وصمت سمير. سأل استاذ علم النفس:
– يظل ينقص اختبارك أجوبة كثيرة.
– ما هي؟
تساءل سمير.
– اذا اختار الشاب شيئين مثلاً؟
أجاب سمير :
– الأمر واضح اذا اختار كتاب الدين والمائة دولار تعني انه سيجعل الدين تجارته المربحة.
واذا اختار الدولارات ومجلة الجنس سيكون راعي دعارة..
واذا اختار الويسكي وكتاب الدين سيكون ملحداً بهيئة رجل دين. واذا اختار المنظار وكتاب الدين سيصاب بانفصام في شخصيته.
– ولكن لم تقل لنا ماذا سيكون اذا اختار الأشياء الخمسة؟
ضحك سمير وأجاب:
– اذا اختار كتاب الدين والمائة دولار والمنظار وزجاجة الويسكي ومجلة الجنس، فهو بالتأكيد سيكون رجــــــــــل سياســـــــــــــــــــة!مم

مقالات ذات صلة

إغلاق