مكتبة الأدب العربي و العالمي

حكاية #بائعة_اللبن الجزء الثاني

بعد هذه الحادثة بإسبوع تم طردي من المحاضرة ، الأستاذ لم يتحمّل قدومي متأخرة كل يوم ووصفني بعدم الجدّية، طبعا لم أشأ إخباره أنّ الفقر هو السّبب خرجت من المحاضرة باكية ،وقرّرت أن أترك الجامعة بلا عودة، فعبد الفتاح له الحقّ فقدري أن أكون بائعة لبن !!! وفي اليوم التالي كنت جالسة في السّوق وأنا مشغولة برصف الزّجاجات والجبن ،فجأة وقف قدّامي رجل وطلب مني سلّة من الجبن البلدي ،ولمّا رفعت رأسي وجدت ذلك الأستاذ البغيض الذي طردني يقف أمام وجهي، ولما رآني صاح بدهشة :هي أنت تلك الطالبة التي تتأخر عن الّدرس ؟ حاولت إخفاء رأسي بوشاحي، فقد كان موقفا محرجا ،لكنّه قال :ليس في العمل ما يخجل ،وأنا آسف جدّا عن ما حصل،أرجو أن تقبلي إعتذاري ،لا بأس في التأخر قليلا ،وسأعطيك نسخة من أوراقي ،و راجعيها لمّا تعودين إلى المنزل ،ثم أخرج من محفظته ورقة مالية من فئة كبيرة ،ولمّا هممت بارجاع الباقي، وجدته قد إنصرف ومن بعيد وقف ثم رفع لي يده .
بقيت مدهوشة لبعض الوقت ،وأحسست بأنّ الثّقة ترجع إلى نفسي ،ثم وقفت وصرت أصيح على البضاعة ،وأمدح فيها ،وبدأ الناس يقتربون ،ويشترون مني،ولم يمض وقت طويل حتى بعت كل شيئ ،وبثمن جيد ،ثم ذهبت إلى محلّ لبيع الملابس المستعملة ،واشتريت فستانا كأنه جديد وحذاءا،وعدت إلى الدّار ،والدّنيا لا تسعني من الفرح. في الغد قرّرت العودة إلى الجامعة ،ولم يغب عن بالي إبتسامة ذلك الأستاذ لمّا ودعني، وفي الصّباح الباكر ذهبت إلى السّوق وكنت متحمسة فبعت بضاعتي بسرعة وتركت زجاجة لبن وقطعة جبن كبيرة .ولمّا وصلت للجامعة مشيت للحمّام ووضعت ملابسي الجديدة ،ومكياج خفيف ،ثم دخلت قاعة الدّرس فرمقني الأستاذ باستغراب ،ويظهر أنه لم يتوقّع أن يراني بهذه الشّياكة ،وبعد نهاية الدّرس حزمت أمري ،وذهبت إليه ،ثم قدّمت له كيس اللبن والجبن الذي يحبه، وقلت له :أنا أعرف أنك تحب الطعام البلدي ،وكل يوم سأقرأ حسابك !!! إبتسم ،ثم سألني ما رأيك أن أدعوك لفنجان شاي في الكازينو الذي أمام الجامعة .كانت هذه أوّل مرّة أدخل فيها لمكان فخم كهذا ،ثم أخبرني أنّه تزوّج مرّة ،وطلّق ،فهو إبن الرّيف ،وظلّ يحنّ إلى أصله ،ورغم أنه يكسب جيّدا إلا أنّه لم يتغيّر ،أما إبنة عمّه التي تزوّجها ،فصارت تحتقر الرّيف والفلاّحين ،وتتبع احدث صيحات الموضة ،وبمرر الأيام إتّسع الخلاف بيننا ،ولم يكن من حل إلا الطلاق ،ولم أتأسّف عن ذلك .
ثمّ أخذ رشفة من الشّاي ،وطلب منّي أن أخبره عن نفسي ،فبدأت أتكلّم ودموعي تنهمر على خدّاي ،فمدّ لي منديلا ،وقال لي: لا تقلقي سآتي بممرّضة تهتمّ بأمّك، وسأعالجها على نفقتي ،فسألته :ولماذا تفعل ذلك ؟ أجابني :أنت طالبة متفوّقة ،وأريدك أن تركّزي على دراستك ،يكفيك التّعب في السّوق !!! ثم أخرج من جيبه مفتاحا ،وقال :هذا مفتاح مكتبي ،ويمكن أن تراجعي فه دروسك ،وتغيّري ملابسك ،كان الأستاذ عند وعده ،وجاءت الممرّضة لأمي ،وأخصائي في العلاج الطبيعي، وتحسن حالها ،ونسيت الصّدمة التي أصابتها لموت أبي .وتطورت  علاقتي مع الأستاذ ،وإسمه جلال الشرقاوي ،وذات يوم أخبرني بأنه معجب بكفاءتي ،وقدرتي على العمل وأدخلني معه إلى الحزب الذي كان عضوا فيه ،لكنّي رغم كلّ ذلك لم أتوقّف عن عملي في السّوق ،مرّت السنة بسرعة وحان موعد الإمتحان ،وكنت مصرّة لأنجح ،وأصير محامية ،ولم يقصّر جلال في إسداء نصائحه ،ويوم الإعلان عن النتائج جاءني ،وعلى شفتيه إبتسامة عريضة وقال : مبروك على الليسانس يا ستّي !!! لمّا سمعت أمي بنجاحي ،فرحت بشكل لا يوصف ،وفجأة حدث شيئ غريب ،فلقد حرّكت أمي ساقها اليمنى،أمّا أنا فبدأت أفرك عيني وأنا لست مصدّقة لما يحدث أمامي …

يتبع الحلقة 3 والأخيرة

من قصص الحياة حكايا العالم الاخر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق