مكتبة الأدب العربي و العالمي

حكاية مال البخيل يأكله المرتاح (حلقة 5 والأخيرة )

في الصّباح نهض عبد الله باكرا ،وحمل الدّواء إلى الملك الذي كان واقفا أمام فراش ابنته المريضة ،فسقاها بضعة قطرات ،وبلم تمض سوى دقائق حتى فتحت عينيها ببطء ،وقالت :هل هذا أنت يا أبي ؟ جرى كلّ الناس إليها ،وهم لا يصدّقون أعينهم، وبعد ساعات تحسّنت صحّة الأميرة ،ونهضت على قدميها ،أمّا عبد الله فتعجّب ،ولم يفهم شيئا ،فالمؤكّد أنه ليس من شفى البنت . ولمّا شم القارورة :قال في نفسه : لا أعرف هذه العشبة ،ومنصور يجهل كل شيء عن النّبات ،وكذلك خديجة ،فمن وضعها إذن ؟
في المساء كان منصور واقفا أمام الناّفذة ،وينتظر الأخبار، فرأى عربة الوالي تقف أمام دار جاره ثم نزل عبد الله وبين يديه الحرس فخرج ،وسألهم عن ما يحدث، فقالوا له: لقد شفيت الأميرة ،وأبوها عيّن تاجر الأعشاب والي المدينة مكافئة له على براعته .فاحتار منصور ،ودخل داره، وبدأ يفكّر،ثم قال ربما صنعت دواء يشفي كل العلل دون أن أدري ،وأنا سأجرب حظي فليس ذلك العريان أحسن منّي ،وسأسترجع داري منه وأفتح دكّانا ينافسه في السّوق ،فلقد بدأت تجارة الأعشاب والعقاقير تعجبني ،وسيضطر إلى ترك هذه المهنة لي وحدي !!!
حين دخل عبد الله داره ،نظر يمينا وشمالا ،وهو يفكّر في من إستبدل الدّواء ثم جلس في حجرته ،وغضب لمّا شاهد جحر الفأر ،فقال :لقد أعاد ذلك اللعين ثقب الحائط ،وهذه المرّة سأقبض عليه ،وأعلّمه الأدب ،وبعدما حفر وجد قارورة الدّواء ، فتعجّب ،وقال : إذن هو ذلك الفأر الصّغير الذي وضع تلك العشبة الغريبة ،ولكن لماذا ؟ ولمّا شمّ الدّواء ،قال: الآن فهمت كلّ شيئ ،ثمّ صاح :أخرج أيّها الفأر ،فلقد أخطأنا في حقّك ،وسأهبك قطعة جبن كبيرة ،هيّا ،ولا تكن أحمق ،وبعد لحظات أطلّ الفأر برأسه من الحفرة ،وقال: حقا تعطيني ذلك !!! فخديجة لا تدعني آكل شيئا ،ردّ عبد الله : هذه المرّة ستطعمك بنفسها ،عندما تعلم أن لنا صديقا في الدّار!!! بعد قليل جاءت المرأة ،ووضعت أمامه صحفة مليئة بالشّحم والجبن ،فأكل ،وبدأ يحكي :في الماضي كان هذا المكان خربة مهجورة ،تعيش فيها عائلة من الجنّ فجاء زوجك ،وأحضر شيخا يقرأ القرآن فطردنا ،ومات أبواي فرجعت إلى هنا وكان ذلك الرجل بخيلا يحرمك من الطعام ،وأنا أيضا كنت جائعا ،فآكل فتات الخبز وقشور البصل .
ثمّ إلتفت إلى عبد الله ،وقال له : ،ولما مات ،دللتك على مكان الصّندوق، ،والبارحة غيّرت الدّواء المسموم ،والحمد لله شفيت إبنة الملك، وصرت والي المدينة ،ولو كنت مكانك لما فعلت الخير مع ذلك اللئيم جارك، قال عبد الله :الرسول أوصانا بسابع جار ،ولقد فعلت ما إعتقدت أنّه صالح فله زوجة وإبنة ،قالت خديجة للفأر حسنا : أعترف أنه لك فضل كبير علينا لكن إجعل لك حفرة في المطبخ و،ليست في حجرة نومي ،و لا تلمس إلا صحفتك!!! أجاب الفأر نعم سأفعل ذلك، المهمّ أن آكل وأشبع !!!
أمّا جاره فاكترى دكّانا، وأصبح يبيع فيه الأعشاب ،وكان بارعا في البيع والشراء ،أحد الأيام مرض الوزير ،فنصحه النّاس بعبد الله ،لكن جاءه منصور، وقال له : أنا من صنعت الدّواء ،الذي شفى الأميرة ،ونال ذلك المشعوذ المكافئة ،ثم سقاه من دوائه المسموم ،فمات لساعته ،وحين سمع الملك ،رماه في سجن ضيّق، وقال له لن ترى النور أبدا ،في الغد سمع كلّ الزقاق بما حدث،فذهب عبد الله لجارته ،وقال لها : المنزل أهبه لك ،وسأعطيك نفقة لك ولإبنتك ،كان الملك يتشاور مع خاصّته حول من سيعينه في الوزارة ،فبلغه المعروف الذي صنعه الوالي في امرأة جاره، فحكّ ذقنه ،وقال : أعرف من سأعيّن، قيل له ومن يا مولاي ؟ أجاب : عبد الله !!!

من قصص حكايا العآلم الآخر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق