مقالات
رؤية مقالة الألفية الثانية ( 2000 مقالة: من شغفٍ لا ينطفئ، وحبرٍ لم يجف، وكلماتٍ كتَبتْني كما كتبتها)

الحمد لله وكفى وسلام على عباده الذين اصطفى وبعد:
– عند العتبة الألفين، لا أكتب لأحتفل برقمٍ مستدير، بل لأشهد على طريقٍ طويل، كانت الكلمة فيه زادي، والنية فيه دليلي، والتوكل على الله ظهري الذي لم يخذلني يومًا.
– ألفا مقالة منشورة حتى اليوم، كتبتها دون انقطاع، إلا في أربعة أيام فقط… كانت أيامي مع الفقد، حين ودّعت والدي رحمه الله. يومها، خذلتني العبارة، وخانني الحبر، وبقي الصمت أصدق من كل بيان.
– لكن هذه الألفين ليست كل الحكاية، ولا حتى نصفها.
فأنا لا أكتبها اليوم إلا وقد سُبقت بمئات المقالات الأخرى التي وُلدت في سلاسل عميقة، نُشرت في صحيفة “الميثاق” التي توقّفت لاحقًا عن الصدور، لكنها لم تتوقف في قلبي وعقلي ودفاتري.
– كتبت عن العنف المستشري في الداخل الفلسطيني سلسلةً من 119 مقالة، لا يقلّ أيٌّ منها عن 900 كلمة، محاولًا أن أضيء شمعة في ليلٍ ثقيل.
– وكتبت عن الأسرة، بناءً وتماسكًا وتربية، سلسلةً من 111 مقالة، بذات النفس والحجم.
– ثم أخذتُ رسالة الدكتوراه التي أنجزتها في تخصصي الأصلي (فلسفة التربية الإسلامية)، وكان عنوانها:
“ظاهرة العنف لدى شباب فلسطينيي الداخل، ودور التربية الإسلامية والمؤسسات الاجتماعية في مواجهتها”، فحوّلتها إلى سلسلة مكوّنة من 44 مقالة، نشرتها بنفس النّفَس والتفصيل، لا لتُقرأ كبحث أكاديمي جامد، بل لتكون جسرًا بين العلم والمجتمع، وبين النظرية والتأثير الميداني.
– جميع هذه المقالات كانت تنبض بالحياة، ولو لم تُعدّ ضمن الألفين المنشورة يوميًّا.
فما الألفان إذًا؟
إنها شهادة التزام… شهادة على أنني لم أتخلّ عن قلمي، ولم أبع يومًا للكسل عذرًا، ولا للظرف قيدًا، ولا للمزاج بوّابة.
– كتبت في العقيدة لا لتقريريها فحسب، بل لاستنطاقها في وجدان الجيل.
– وكتبت في الشريعة، والتفسير، والسيرة، وسِيَر الصحابة والعلماء والمذاهب، ومررت على التربية، والأسرة، والسلوك، والفكر، والسياسة، والتاريخ، وتلخيص الكتب، والنقد البنّاء، وكل باب شعرت أن للناس فيه حاجة، وللكلمة فيه دور.
– ما اكتشفته على مدى هذه السنوات، أن الكلمة لا تُكتب وحدها. هي تكتبك أيضًا.
– كم مرّة جلست لأكتب وأنا مثقل، فخرجت من المقالة وكأنني توضأت.
-:وكم من موضوع استكبرتُه، فهداني الله إليه حين صدقت النية.
– وكم من قارئ لا أعرفه، بعث برسالة يقول فيها: “هذه المقالة جاءتني كجواب من السماء”، فقلت في نفسي: الحمد لله الذي يكتب بنا ما لا ندركه بأنفسنا.
وأعلم أن كثيرًا من القرّاء اعتادوا أن يبدأوا صباحهم بمقالة، مع فنجان قهوتهم أو وهم في طريقهم إلى أعمالهم.
– وبعضهم يتلقّاها في الهاتف، وبعضهم ينشرها في صفحته كما هي، وآخرون يعيدون نشرها دون اسمي، وكأنّها خرجت من أقلامهم، وليس في ذلك غضاضة، ما دام الخير ينتشر.
– وقد نُشرت هذه المقالات في مجلات إلكترونية عديدة، في الداخل والخارج، وبلغت إسبانيا حيث الجاليات الإسلامية، وتنشر يوميًّا في الدنمارك عبر مجلة: همسة سماء لتنمية الإرادة والطفل، وغيرها من المنصات والمواقع التي لم أطرق أبوابها، لكنها فتحت نوافذها للحرف الصادق.
– لكل هؤلاء، أقول:
ما دام في الناس من يقرؤون، وفي الكلمة من تُحيي، وفي النفس من يستجيب،
فالوعد أن أواصل، بإذن الله، وبصدق النية، وبقلب لا يرى في القلم سلعة، بل أمانة.
* أيها الأحبة…
لا أقف اليوم عند الرقم إلا لأقول:
إن الكلمة التي تُكتب لله، لا تموت،
والقلم الذي يصبر، يُثمر،
وأنتم، بقراءتكم، وصبركم، واقتراحاتكم، ونقدكم، كنتم الوقود الذي لم ينطفئ، فشكرًا من القلب.
وسأكمل الطريق بإذن الله، ما دام في القلب نبض، وفي العقل وعي، وفي الأمة أمل.
وأسأل الله أن يجعل كل حرفٍ صدقة، وكل مقالة شاهدًا لي لا عليّ، وكل سطر نورًا في ظلمة هذا الزمان.
وإن الطموح الذي يرافقني، والأمل الذي يسكنني، أن تتحول هذه المقالات ذات يوم إلى كتيّبات موضوعية، تُجمع فيها السلاسل، وتُرتّب فيها الرؤى، لتُصبح زادًا للمربّين، وللشباب، وللمهتمين بالفكر والنهضة والمجتمع، وتُسهم في إثراء المكتبة العربية والإسلامية بما كتبه قلمٌ وُلِد من بين الناس، ولأجل الناس.
ولكم مني التحية والمحبة والسلام.
* مقالة رقم: (2000)
* 27. ذو الحجة. 1446 هـ
* ألأثنين . 23.06.2025 م
باحترام: د. محمد طلال بدران (أبو صُهيب)