شعر وشعراء

بدون الموسيقى والشعر، سنُصاب بالجنون بقلم الشاعر الدنماركي نيلس هاو


هناك أمر آخر مشترك بين الدانمركيين والعرب، ألا وهو الفكاهة، هناك إحساس رائع بالدعابة في الثقافة العربية. دعونا نضحك معاً ونتمتع بالحياة.  بعض الاختلافات مذهلة، قد يعتقد البعض أن الرجال العرب يخشون النساء؛ فالنساء يبقون في البيت بينما يستمتع الرجال مع بعضهم  في المقهى. وفي بعض البلدان العربية، لا يمكن للمرأة أن تتحرك بحرية دون أن يرافقها الرجل. يمكن للمرء أن يقترح أنه في دول  ينبغي عليهم إعطاء كل السلطة السياسية للمرأة. لمدة 100 عام، لقد حكم الرجال هذه البلدان لألف عام، والأمور تسير على نحو سيئ للغاية، وهناك فساد وفقر. وربما كان بوسع النساء أن يفعلن هذا على نحو أفضل بعض الشيء.

 

حاوره : حامد الصالحين الغيثي. ليبيا

 

سنة 1949 في شمال الدنمارك وعلى الساحل الغربي منه، مواجهاً للجزر البريطانية، وفي المناطق الريفية، حيث يعيش معظم الناس هناك على الزراعة، ولد الشاعر “نيلس هاو” وترعرع في هذه الأجواء التي كان لها الأثر في صياغة قيمه ومثله الحياتية، خاصة تلك التي تخص العمل والصدق فيه والجد والمثابرة في الحياة. ولكنه سرعان ما ضاق بمحدودية الريف الثقافية، وما إن أتم عامه السادس عشر حتى رحل، واتجه ليكتشف العالم.

نيلس هاو” شاعر وكاتب قصص قصيرة. سافر إلى عدد كبير من دول العالم في أوروبا وآسيا وأمريكا الشمالية وأمريكا الجنوبية. ترجمت أعماله إلى العديد من لغات العالم كالإنجليزية والإسبانية والبرتغالية والهولندية والبولندية والتركية والإيطالية، ومؤخراً إلى العربية، صدرت له خمسة دواوين شعرية وثلاث مجموعات قصصية.

في السادس من كانون الأول عام 2013، نشرت «الدستور» خمس قصائد للشاعر الدنماركي “نيلس هاو“، وقد صدرت للشاعر منذ تلك الفترة عدة دواوين وترجمت له عشرات القصائد الى العربية. كما أنه زار  بعض الدول العربية ولاقى ترحيباً كبيراً، والتقى إبّان تلك الزيارات بالشعراء العرب وتبادل معهم الآراء حول قضايا الشعر وهمومه.

بدأ “هاو” كتابة الشعر في سن المراهقة. فكتب قصائد قال عنها هو نفسه إنها كانت “شديدة الحساسية وغير مكتملة،” إذ لم تكن لديه تجربة كافية عن الحياة. استهلّ حياته الأدبية في عام “1981” بإصدار مجموعة قصصية بعنوان “الضعف ممنوع

وقد صدرت له بعدها عدة دواوين منها “جغرافية الروح” سنة “1984”  .. “سيارة الرّب الموريس الزرقاء” سنة “1993” .. ” حين أصير أعمى” سنة “1995“، .. ” نحن هنا” سنة “2006“، .. ” نساء كوبنهاجن” سنة “2013” .. كما صدرت له مجموعات من القصص القصيرة منها “اللحظة هي افتتاحية” سنة “1983” ..

صيف إيراني” سنة “1990“. كذلك نشرت قصائده في العديد من المجلات الأدبية  الشعرية والمواقع الأدبية.

شارك “هاو” في العديد من المهرجانات الشعرية في أنحاء العالم وفاز بجوائز أدبية متعددة في الدنمارك. كما فاز عام “2011” بـ “جائزة المهاجر العالمية للفكر والآداب والفنون” من ملبورن في استراليا، فرع القصة القصيرة، مناصفةً مع الكاتب المغربي محمد سعيد الريحاني.

ترجمت أشعاره إلى الإنجليزية، الإسبانية، البرتغالية، التركية، الألمانية، الإيطالية، المقدونية، العربية، الصينية، الصربية، والكرواتية.

يعيش “هاو” مع زوجته عازفة البيانو “كريستينا بيوركي” في إحدى ضواحي العاصمة الدنماركية كوبنهاجن.

يعتبر الشاعر وكاتب القصص الدنماركي “نيلس هاو” واحداً من الأصوات البارزة في المشهد الأدبي الإسكندنافي المعاصر. يميل شعر هاو إلى البساطة، ليس في الأفكار التي يطرحها والثيمات التي يتناولها فحسب، وإنما أيضاً في المفردات والصور والإيقاع. فهو يتناول قضايا الإنسان وهمومه وتفاعله مع الحياة المعاصرة دون أي تكلف أو تعقيد. كما أن الكثير من قصائده تسودها روح الدعابة والسخرية.

 

  • بداية مرحبا بك في مجلة الليبي والشكر الجزيل لحضورك معنا  

     

    شكراً لدعوتي ، إنه لمن دواعي سروري أن أتحدث معكم. تحياتي الحارة لقرائكم العرب.

  • الليبي: كيف تقدم نفسك للقراء العرب؟

    ببساطة أنا شاعر دنماركي من الشمال البارد. يجب أن تقدمني قصائدي. لدي كتابان باللغة العربية.

    “قصيدة ساخرة”

    يمكن للمرء أن يقضي حياة كاملة

    في رفقة الكلمات

    دون أن يجد

    الصحيحة منها

    مثل سمكة مسكينة

    ملفوفة بجريدة هنغارية:

    فهي أولاً ميتة

    و ثانياً لا تفهم الهنغارية.

  • الليبي: كغيرك من الشعراء، لابد أن تكون لديكبدايات على درب الأدب والكلمة الجميلة، متىوأين كانت أول تجربة شعرية لك؟ 

     

    لقد نشأت في قرية على الساحل الغربي الدنماركي، بعيداً عن العاصمة. كتبت قصيدتي الأولى في عيد ميلادي الثاني عشر لأنني كنت حراً وكان لدي وقت لأحلم. كان “بابلو نيرودا ” من أوائل الشعراء الذين اهتموا بي. عندما كنت في سن المراهقة شاهدت برنامجاً ” بورتوريه” معه على شاشة التلفزيون، وأصابني حلم جامح : أردت أن أكون شاعراً. من الغامض بعض الشيء كيف تحدث هذه الأشياء على مستوى اللاوعي، لكن قبل أن تصبح كاتباً، فأنت قارئ. في نفس الوقت تقريباً، قابلتدوستويفسكي في كتاب مدرسي، ببطء انفتح لي الكون الأدبي كفرصة رائعة، وبدأت في كتابة قصائدي الأولى المتعثرة.

  • الليبي: كيف هو تقييمك للتبادل الأدبي خصوصاً من خلال أعمال الترجمة؟

    أعتقد الكلمة السر هي الترجمة، ومن المهم توفر المترجمين الممتازين المدربين تدريباً جيداً. يجب أن يكون لدى جميع الدول مؤسسات لدعم التبادل الأدبي. كتابي العربي الأول  عندما أصير أعمى“ترجمه “جمال جمعة” ونُشر الكتاب في بيروت عن “دار العربية للعلوم” والتي يرأس مجلس إدارتها الأديب اللبناني “بسام شبارو“، وهو رجل رائع، وسعدت بأن لم يصبه مكروه في تفجيرات بيروت الأخيرة. سبق والتقينا في كوبنهاغن في معرض الكتاب، وكان معه كتابي بالنسخة العربية، لقد كانت في فرحة كبيرة لمقابلته، والكتاب في متناول اليد.

    أما بالنسبة لكتابي العربي الثاني “الروح ترقص في مهدها“، الصادر عن رابطة الكتاب الأردنيين، ترجمة: “نزار سرطاوي“. وهو شاعر ومترجم متميز في عمان، كنا أصدقاء لفترة من الزمن بالعالم الافتراضي “السوشيال ميديا” نتبادل القصائد والأفكار، والتقينا لأول مرة في العام الماضي في مهرجان الشعر في دبي، ذلك قبل أن تجتاحنا الكورونا وتغلق الحدود. وشارك الشاعر “نزار سرطاوي” مع زوجته “زلفة“، وهما ثنائي متناغم يعملان بلا كلل لجعل هذا العالم مكانا أفضل.

  • االليبي: هل ترى أن الأدب، وخاصة الشعرمازال قادراً على أن يكون جسرا ثقافيًا بين كلالثقافات العالمية؟

    في الوقت الحالي، إنهم منشغلون ببناء الجدران،  والحدود التي كانت مفتوحة في وقت ما، يسعون إلى أغلاقها. الحقيقة إن القلق يحاول السيطرة على الأمور. فنحن في احتياج إلى تلك الجسور. في أفريقيا وآسيا وفي قارات أخرى استمعت إلى شعراء يتلون الشعر بلغات لا أفهمها. ومع ذلك، فإن الاستماع هدية، الشعر هو لغة القلب، وبهذه الطريقة يصبح الشعر عاملاً قوياً في بناء الجسور.

  • الليبي: كيف يمكن للتبادل الثقافي أن يسهم في تغيير القوالب النمطية والتصورات المسبقة؟  

     

    إذا كنت تؤيد حرية التعبير ، فأنت توافق أيضاً على أنه حتى الأشخاص الذين لا تتفق معهم يمكنهم التحدث علانية. نفتقد اليوم شخصية مثل “إدوارد سعيد” ، بتحليلاته الأدبية قام بتفكيك الأحكام المسبقة الموجودة في أساطيرنا الثقافية. كان تفكيره الوحي. هناك حاجة إلى التسامح أكثر من أي وقت مضى.

    مرت عشر سنوات منذ أن سيطرت احتجاجات الربيع العربي على جزء كبير من الشرق الأوسط ، حيث قاتل الناس ضد الحكومات القمعية. عشر سنوات من التمرد وسياسات القوة العظمى والأحلام المحطمة. أين نحن اليوم؟

    يبدو أن القوى الاقتصادية والسياسية القوية تريد الحفاظ على الصراعات الثقافية. بينما الأغنياء يزدادون ثراءً والفقراء يزدادون فقراً. دعونا نلتقي ونفكك هذه الأفكار المسبقة النمطية.

  • الليبي : في زيارتك لمصر، برأيك، ما هي أوجه الاختلاف والتشابه بين الثقافة الدانماركية والعربية؟

    قلب الإنسان هو من يغني ببساطة، أريد أن أركز على أوجه التشابه، وما نشترك فيه. ما تحت وفوق الغطاء الثقافي، نحن بشر أولاً و أخيراً. الثقافة تعتبر أشياء ثانوية. نحن بشر، نفكر في الصواب والخطأ، ونبحث عن السعادة، إن الكون محفور بشوق لا ينضب، العرب لديهم إحساس رائع بالحياة الطيبة مع التركيز على الحب والصداقة والاحتفالات، الخبز والسلطة واللحم والشاي؛  ثم هناك حفلة.

    هناك أمر آخر مشترك بين الدانمركيين والعرب، ألا وهو الفكاهة، هناك إحساس رائع بالدعابة في الثقافة العربية. دعونا نضحك معاً ونتمتع بالحياة.

    بعض الاختلافات مذهلة، قد يعتقد البعض أن الرجال العرب يخشون النساء؛ فالنساء يبقون في البيت بينما يستمتع الرجال مع بعضهم  في المقهى. وفي بعض البلدان العربية، لا يمكن للمرأة أن تتحرك بحرية دون أن يرافقها الرجل. يمكن للمرء أن يقترح أنه في دول ينبغي عليهم إعطاء كل السلطة السياسية للمرأة. لمدة100 عام، لقد حكم الرجال هذه البلدان لألف عام، والأمور تسير على نحو سيئ للغاية، وهناك فساد وفقر. وربما كان بوسع النساء أن يفعلن هذا على نحو أفضل بعض الشيء.

  • الليبي: نود أن نعرف منكم ما تقييمك لتفاعل الجمهور العربي مع الثقافة؟

    تتمتع الدول العربية بمعدلات سكانية مرتفعة للشباب، الإبداع الرائع للشباب هو ثروة عظيمة في العالم العربي، ففي كل مكان يزدحم الأطفال والشباب، إن بهجة الشباب البدنية في الحياة هي مصدر إلهام للجميع.  ويساهم الشباب بأفكار جديدة وحلول جديدة، لذلك من المهم أن يكون هناك مدارس وجامعات جيدة مع حرية الوصول للجميع، فقراء أو أغنياء.

    هناك أمر آخر مهم، ألا وهو المرافق الرياضية، وجسدنا هو معبد الروح، ومن المهم الحفاظ على لياقة الجسم، فاز العالم العربي بنحو 16 ميدالية في دورة الألعاب الأوليمبية في ريو 2016، وهو رقم متواضع، جمعته 22 دولة عربية موزعة في مختلف أنحاء الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وكانت امرأتان من ثلاث نساء بين الحاصلات على الميداليات في مصر، كانت سارة أحمد أول مصرية تصعد على المنصة الأوليمبية في تاريخ الأمة أثناء دورة الألعاب، ولابد من القيام بالكثير من العمل حتى يتسنى للدول العربية أن تقدم أداءً أفضل، سيكون من المثير للاهتمام متابعة الألعاب الأوليمبية في طوكيو هذا الصيف.

  • يقول نيلس هاو، في احدى المقابلات  “لا يمكنإغفال تميز كتابات الأديب العملاق نجيبمحفوظ، والكاتب ذائع الصيت “علاءالأسواني”. أما من التراث العربي، فقد قرأتوتأثرت بأبي العلاء المعري، الكاتبوالفيلسوف الكبير، وأعتقد أن شعرأبيالعلاء لا يزال حيًا حتى لحظتنا هذهما هوالأثر الذي تركه هؤلاء في نفس “نيلس هاو”؟  

     

    الشيء هو، إن الثقافة العربية قديمة جداً؛ تحتوي اللغة العربية على عبارات ذات دلالات تعود إلى الحكماء القدماء، تذكرون كيف أن أعمال أرسطو وغيره من الفلاسفة اليونانيين نجت فقط بفضل المكتبات العربية عندما سقطت الإمبراطورية الرومانية إلى قطع، ودمرت الهمجية أوروبا، اليوم الشتات العربي منتشر في جميع أنحاء العالم، في جميع القارات هناك شعراء وكتاب عرب ممتازون؛ يعيش أدونيس في باريس ويكتب بشكل رائع، آمل أن تكتشف ذلك الأكاديمية في ستوكهولم عندما تمنح جائزة نوبل هذا العام، من الكتاب العرب تعلمت الصبر، دعونا ننتظر ونرى، ربما معجزة سوف تحدث غداً؛ وبينما ننتظر، يمكننا أن نحكي قصة أو نستمع إلى قصيدة، الأدب العربي يحمل محيطات من السحر والجمال.

  • الليبي : للقصيدة مكائدها ومآزقها وكمائنهاأيضًا، هل يستطيع الشاعر النجاة من هذهالمكائد والكمائن ؟ 

     

    لا أنا آسف أن أقول إن الشاعر ليس بمنأى عن أي شيء، تعرف تصريح الكاتب المسرحي النرويجي هنريك إبسن: “العيش هو الحرب مع المتصيدين، في قلب وعقل؛ ان الكتابة هي ان تمسك يوم القيامة على نفسك “.  

    وهذا الجانب مهم؛ من الضروري أن تشك نفسك باستمرار، للحفاظ على عدم الأمان، إذا كنت ترغب في مواجهة انعدام الأمن والقلق لدى الآخرين، فأنت بحاجة إلى البقاء على اتصال مع القلق الخاص بك، ونحن جميعاً نتوازن على حافة الهاوية.

     

  • الليبي: ما هي الرؤية التي يريد أي شاعر أو كاتب أن ينقلها للقارئ؟  

    نرى الشمس وتسمع الطيور، فنحن نعيش في عصر ذهبي، ولم تكن البشرية قط أكثر ثراءً على الصعيدين الاقتصادي والثقافي. نرسل صواريخ إلى القمر وإلى المريخ.  ويتعين علينا أن ننظم الحياة على كوكبنا حتى يتم توزيع السلع والثروات بشكل عادل؛ أقترح أن نبني هرماً جديداً للاحتفال بعصرنا.  هرم كبير كمظهر من مظاهر عصرنا؛ الأهرامات القديمة هي مقابر للفراعنة، ولابد أن يكون الهرم الجديد بمثابة الإشارة إلى الأمل، وهرم الأمل الذي بُني كهدية للأجيال القادمة. وهذا الكوكب لا يزال شاباً.

  • الموسيقى لها تأثير فعال على بلورة التركيبة الجمالية للنص الشعري.  هل كان لكريستينا بيوركو عازفة البيانو وزوجة “نيلس” أي تأثير على شعره؟  

    تلعب كريستينا دور لودفيج فان بيتهوفن هذا الموسم، ولحن معزوفتها الأخيرة كانت خليط من  جنون والبراءة بشكل فريد من نوعه، تفتح  “كريستينا” بعزفها  بعض النوافذ، كاتدرائيات بيتهوفن الصوتية تكشف عن بنية الكون، ويستكشف أعظم الأسرار، إن لعب “كريستينا” هو متعة وإلهام، فبدون الموسيقى والشعر سنصاب بالجنون. 

  • الليبي: في الختام يسعدنا أن نتقاسم معنا قصائدك؟ 

شكرًا لك، لقد كان من دواعي سروري التواصل معكم، ربما ينبغي أن ننتهي بقصيدة من كتابي الجديد “لحظات من السعادة“، والذي سينشر إن شاء الله في فانكوفر، كندا، في وقت لاحق من هذا العام. مجموعة شعرية عن جميع جوانب الحياة، الفرح، الرعب، النور، الظلام، السعادة، اليأس. هذا الربيع نتوق جميعًا إلى لحظات من السعادة، لنأمل أن تفتح الحدود قريبًا، ويمكن أن نلتقي مجددًا، ربما في ليبيا أو كوبنهاغن أو الإسكندرية.

 

لنكف عن بث رائحة القلق

 

لمَ هذا التدافع في الباصات؟

أليست قسوة الشتاء كافية؟

ما مدى المعرفة بالخير وبالشر؟

لنكف عن بث

رائحة القلق..

فالكل يعمل جاهدًا

ليعيش

والذي يحمّل نفسه

عبء النهوض

كل صباح

يستحق بالتأكيد

كل الاحترام.

نيلس هاو

إصطياد السحالي في الظلام                                                                                  

خلال المجازر

نتمشى على طول البحيرات غافلين.

تحدثت أنت عن سيمونسكي,

و راقبتُ أنا غراب القيظ

يلتقط  فضلات الكلب.

كل واحد منا منغمس في نفسه

مطوقٌ بقوقعة جهلٍ

تقِي  أهوائنا.

يؤمن الهيوليون**

أن فراشة في جبال الهيمالايا

بخفقةٍ من جناحها

بوسعها التأثير على الطقس في القطب الجنوبي.

قد يكون هذا صحيحاً.

ولكن

حيث الدبابات تزحف

والأشلاء والدماء

تتقاطر من الأشجار

فليس ثمة ما يتأثر.

البحث عن الحقيقة

كاصطياد السحالي في الظلام.

العنب من جنوب أفريقيا,

الأرز من باكستان,

البلح ينمو في إيران.

نحن مع  فكرة الحدود المفتوحة

من أجل الفواكه والخضروات,

لكننا مهما نلف وندور

فالمؤخرة تظل في الخلف.

الموتي يدفنون عميقاً في طيَّات الصحف,

لهذا,دون أن نتأثر,

بوسعنا الجلوس

على مقعد في ضواحي الفردوس

حالمين بالفراشات.

© نيلس هاو Niels Hav    

نساء كوبنهاغن ـ نيلس هاو                                                                                


ها أنا أقع في الحبّ من جديد
خمس مرّات مع خمس نساء مختلفات
وأنا في طريقي بالباص رقم 40
الذاهب من جادّة “نيال” الى ضاحية “أوستربغو”.
كيف يتسنّى للمرء أن يسيطر على نفسه في ظروف كهذه؟
كانت إحداهن ترتدي معطف فروٍ، والأخرى جزمة مطّاطٍ حمراء.
الأولى تطالع صحيفة شعبيّة، الأخرى كانت تقرأ “هايدجر”.
والشوارع غارقة بالمطر.
عند جادّة “آما” صعدت أميرة مبتلّة بالأمطار،
كانت متّقدة وجامحة، فوقعتُ في غرامها كلّياً
لكنّها ترجّلت عند ميدان البوليس وحلّت مكانها
ملكتان بحجابين كاللّهيب،
ظلّتا تتحدّثان بصخب مع بعضهما بالباكستانيّة
طوال الطريق المفضي الى مستشفى البلديّة،
فيما كان الباص يغلي شِعراً.
كانتا أختين بذات الجمال،
لذا ضاع قلبي بينهما
فخطّطت فوراً لحياة جديدة
في قرية قرب “راوالبندي”،
حيث الأطفال يكبرون
في رائحة الكركدية،
فيما أمّهاتهم اليائسات يغنّين أغاني تقطع القلب
عند حلول الغسق
الذي يغطي سهول باكستان اللا متناهية.
لكنهما لم ترياني!
وتلك التي في معطف الفرو بكت خلف قفّازيها
حين ترجّلت في جادّة “فاريماج”.
الفتاة التي كانت تقرأ “هايدجر” أطبقت كتابها فجأة
وتطلّعت نحوي مباشرة بابتسامةِ إزدراء،
وكأنّها لمحت نكرةً ما
في ذروة إنحطاطه. وهكذا انفطر قلبي
للمرّة الخامسة حين نهضتْ وغادرت الباص
مع بقية الأخريات.
يالقساوة الحياة!
واصلت مشواري موقفي باص قبل أن أستسلم.
وهكذا تنتهي الأمور دائماً: أقف وحيداً على جانب الرصيف،
أدخّن سيجارةً، منتشياً وتعيساً قليل

© نيلس هاو

زيارة من أبي

نيلس هاو

جاء والدي المتوفى في زيارة

وجلس على كرسيه ثانية، الكرسي الذي حصلت عليه.

“حسناً، يا نيلس!”، قال.

كان أسمر وقوياً، شعره يتلألأ مثل طلاء أسود.

كان سابقاً ينقل شواهد قبور الآخرين هنا وهناك بقضيب فولاذي وعربة يد، كنت أساعده.

وهو الآن ينقل شاهدته الخاصة

بنفسه. “كيف حالك؟”، قال لي.

أخبرته بكل شيء، مشاريعي، جميع محاولاتي الفاشلة.

على لوحة الإعلانات ثمة سبع عشرة فاتورة معلّقة.

إرمها بعيداً، ستعود إليك مجدداً بالتأكيد!”، قالها مبتسماً.

“لسنين عديدة كنت شديداً على نفسي”،

قال مسترسلاً، “أضطجع يقظان وأتفكر

كيف أكون إنساناً لائقاً،

فذلك أمر مهم!”.

قدمت له سيجارة،

لكنه كان قد أقلع عن التدخين الآن.

الشمس في الخارج تشعل النار في جميع السقوف والمداخن،

جامعو القمامة يصخبون ويصيحون على بعضهم

في الجادة تحت. نهض أبي من مكانه

ومضى نحو النافذة وحدّق إليهم في الأسفل.

“إنهم مشغولون”، قال أبي، “هكذا ينبغي أن تكون،

إفعل شيئاً!“.

                                                                                                                © نيلس هاو

الحبّ يُعمي

الحبّ يُعمي – وفي كل يوم، حين يمرّ الأعمى من هنا

وهو يدرج بعصاه

تتوقف حركة المواصلات كلياً ربع ثانية

فيما ملائكة الرب تصعد وتهبط

وطبيب العيون يغلق عيادته

الحب يُعمي

لكن الجنس لا يضير: بصري لا عيب فيه

يمكنني رؤية كل شيء

لهذا السبب قصائدي الغرامية فاشلة جداً

بعينين مغلقتين أهمس في التلفون

وعند المحطة يقف الأعمى

مثل رسول إنجيليِّ

ويدندن تحت المطر:

معاق من الحب

العشاق الجدد يقبلون أنامل بعضهم

أعرف ذلك جيداً».

                                                                                                                © نيلس هاو

يجب عليك أن تقوله بنفسك

ذلك،

الذي لا يقول شيئاً

يتخيل

أن الصمت الذي يحيط بصمته

يقول كل شيء  

ولكن هذا الصمت يتحدث بصوته  

هذه هي المشكلة

الأهم هو ما يحدث داخل منطقة الصمت

ولكن لا أحد يستطيع التحكم بهذا

هناك ملائكة و.. تتحدث في الجوقة

إذا أردت شيئاً قالت

يجب عليك أن تقوله بنفسك

                                                                                                               © نيلس هاو

      الرُّوحُ ترقصُ في مهدها

إذا صَحَّ أنَّ الرُّوحَ تُولَدُ عَجوزًا

وتَغدو، مع مَرِّ الحياة، أكثرَ شبابًا

فأنا وأنتِ أكبرُ، وأصغرُ،

واحدُنا من الآخَر؛

ومِثلُ هذا الاندِماج خَطِر.

لِنَكُنْ صادِقَيْن:

نحن نعيشُ، كلَّ يومٍ، مع القَدَر،

كما أولئك الَّذين يَعيشون في الدِّلتا،

مع المَدِّ والجَزر:

إنَّهم يَتآخَوْن مع القمر؛

ونحن نَعيشُ فيه.

القلبُ يَنبُضُ في حُرِّيَّة،

والرُّوحُ تَرقُصُ في مَهدها.

© نيلس هاو

قام بترجمته جمال جمعة

نيلس هاو

                                                             

خمس قصائد للشاعر الدنماركي نيلس هاو

ترجمة نزار سرطاوي

1–  الصمت
إنّه لأمرٌ مُحيِّر: في شبابنا
نستطيع أن نتبادلَ الخبراتِ والهزائمَ
والانتصاراتِ بكل التقدير.
يمكننا من خلال الحديث أن نتواصل معاً؛
جميعُ الخياراتِ تظلّ مؤَقّتة
وليس لها عواقبُ وخيمة.

فيما بعدُ يصبح ذلك ضرباً من المستحيل.
يمكن لكلمةٍ واحدةٍ أن تصنع مسافةً لا يمكن تجسيرها.
يصبح الناس أعداءَ ألدّاءَ بسبب ملاحظةٍ عابرة…
الكراهيةُ تتأجج بين الأصدقاء القدامى.
التسامحُ أمرٌ مستحيل. انتهى!
مع التقدم في السن تَكتسِب الكلماتُ
ثِقَلاً لا فائدة ترجى منه! علاقتي بك وصلت إلى نهايتها!
يا لهذا العجزِ المتوحش.

الرغبةُ في الإيذاء، في القتل
تشبه في غموضها كراهيةَ المرءِ لنفسه.

ما لا نستطيع قوله
ينبغي لنا أن نصمت عنه.
لكن أعْيُنَنا تتحدث
مباشرةً من خلال الكراهية
والشعور بالوحدة.

2–  المهمّة
ليس من التميز في شيء أن نصحوَ ليلاً وقد امتلأت عقولنا
بتكهناتٍ مجنونة،
معظمُ الناس لا بد لهم من مواجهة وحش. بعضهم يُضطرون
إلى تناول الأدوية كي يحتملوا الألم،
كي يتقبلوا الخسارة أو يتخلصّوا من حالة الاكتئاب.
إنهم يشعرون أنهم منبوذون تماماً وأنهم يقفون وحدهم
في مواجهة الغيلان – هكذا هو الموقف.
الشيطان يتجوّل مثلَ أسدٍ هائج.

هتاك آخرون يتقبّلون أيّ مخدر في السوق يُباع
بالتجزئة: التبغ، القهوة، والكحول، العربدات في الأطعمة
أو في الزهد. بعضهم ينجحون في الاستغراق
في العمل، أو في شيء آخر رائع هم به مولوعون.
فنحن نبني إمبراطورياتٍ صغيرةً على أمل أن تكون
بمثابةِ مصابيحَ لأرواحنا الهائمةِ يومَ
نترك أجسادَنا ونعبرُ إلى الخلود.

كلٌّ منّا يودّ أن يترك  أثره – تعبيراً عن الامتنان
لأنه قد سُمح لنا بأن نخطوَ على الأرض ونستمتعَ
بجمالها؛ سُمح لنا أن نحبَّ ونكره
إلى الحد الطبيعي في جسدٍ له عنوان عادي.

المهمةُ بالنسبة لنا هي أن نتمكن من فهم تجاربنا المشتركة؛
الرعبِ والبؤسِ اللذَيْنِ يحيطان بنا، يتشبثان

بملابسنا ويتسربان إلى كل ناحية في أجسادنا.
أن نلاحظ ما يدور من حولنا، أن ُنسَمّيَ الأشياء
بأسمائها إن كان ذلك ممكناً.

3–  مشاكل في القلب
تحدثنا حول مشاكلِ القلب
وحوادثِ الموتِ المفاجئ؛
ذُكِرتْ نوادر
عن رقائقِ البطاطس، والنبيذِ والسجائر.
أكلنا وشربنا. كانت لمستنا خفيفة
لأنّ أيّاً منا لم يساوره أدنى شك
في أنّنا نحن أيضاّ سوف نجد أنفسنا ذات يوم وقد استلقى
الواحد منّا على الرصيف أو على أرض غرفةٍ ما
وقد مثلت أمام عينيه أقدامٌ وأرجلُ كراسي،
بينما يعمد شخصٌ إلى قطع أزرار القميص
عن ملابسنا بجنون
ويصيح طالباً النجدة.

لا عيبَ
في أن نموتَ على الأرض،
طالما ان ذلك لا يحدثُ
عن قصد.

4–  قل شيئاً
إنّ مَن
لا يقولُ شيئا
يتصور أن
الصمتَ
الذي يلفُّ صمتَه
يقول كلّ شيء.

لكن ذلك الصمتَ
يتحدثُ بصوته الخاصِّ به
تلك هي المشكلة.

الشيءُ الأكثرُ أهميةً يحدث
في المنطقة الصامتة
ولكن ليس بوسع أحدٍ التحكمُ بذلك.
هناك يتحدث الملائكةُ والشياطينُ معاً في جوقة واحدة.
إذا كنت تريد أن يُقال شيءٌ
فعليك أن تقوله بنفسك.

5–  على الشرفة
كبارُ السنّ الذين سيقضون نحبَهم قريباً
يصبحون شفّافين في المقاعدِ القابلةِ للطيّ
لكنهم ما زالوا يستمعون إلى حركة السير.

لم أعدْ أذهبُ إلى أيّ مكان،
لا داعي لتذكيري بذلك. الجلدُ يعتريه الجفاف
شيءٌ ما يُلِحّ في الداخل ويريد أن يخرج.

يتوقفُ القلب / ينبض / يتوقف
مثل شيءٍ مستعملٍ أصابه العطب
في الواقع أنهم قد وصلوا الآن.

موتاهم واقفون ينادون
في ظلّ شجرةِ الخوخِ الأرجواني: لقد اختفى
اسمى من دليل الهاتف.

أو بدلاً عن ذلك، يصادرون الصباح
بالأحلام والحنين
لكنهم ما يفتأون يستمعون إلى حركة السير.

كبارُ السنّ الذين سيقضون نحبَهم قريباً
يصبحون شفّافين في المقاعد
ثمّة من وضعهم هاهنا.

*نيلس هاو شاعر وقاص دنماركي من مواليد عام 1949. سافر إلى عدد كبير من دول العالم في اوروبا وآسيا وأمريكا الشمالية وأمريكا الجنوبية للمشاركة في مهرجانات شعرية. ترجمت أعماله إلى أكثر من ثماني لغات. يعيش هاو في العاصمة الدنماركية كوبنهاجن مع زوجته الرسامة كريستينا بيوركي

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق