مقالات

مزولتان في باحات قبة الصخرة المشرفة../د.محمد عقل

المِزْولة هي الساعة الشمسية التي يُعيّن بها الوقت بظل شاخص من حديد مثبت عليها. والجمع مزاول ومزولات. سميت المزولة بهذا الاسم لدلالتها على وقت زوال الشمس عند انتصاف النهار. وتسمى كذلك بالرخاميات، لأنها تخط في الغالب على الرخام لمتانته. وتعمل الساعات المزولية بامتداد وانقباض ظل الشمس وتحدد الوقت بتغير اتجاه ظل شاخص عمودي على وجهها.

كان الفراعنة أول من اخترعوا المسلة لتحديد الوقت بحسب الظل الساقط على الأرض. كما عرف البابليون واليونانيون المزولة، فلما جاء الاسلام استعمل العرب المزولة لتحديد وقت صلاتي الظهر والعصر. في القرن التاسع للميلاد كانت مزولة في جامع سامراء الذي بناه الخليفة العباسي المتوكل على الله. كما انتشرت المزاول في المغرب والأندلس، واسطنبول ولا يزال بعضها قائمًا حتى يومنا هذا.

في سنة 1690 زار الشيخ عبد الغني النابلسي القدس، وشاهد مزولة مبنية بحجارة في باحة قبة الصخرة وعن ذلك يقول: “وفي صحن جامع الصخرة من جهة الغرب قبالة الطومار مزولة مبنية بالأحجار. وفيها بلاطة كبيرة منصوب عليها لوح من حديد يعرف بظله مقدار الماضي والباقي من ساعات النهار”.(راجع كتاب الحضرة الأنسية في الرحلة القدسية، مصر، 1902، ص 30). يبدو أن هذه المزولة قد أُزيلت من مكانها عند تبليط صحن جامع قبة الصخرة.

في يومنا هذا بقيت في الحرم مزولتان:

الأولى تقع جنوب قبة الصخرة أعلى البائكة الجنوبية. بناها المهندس رشدي الإمام سنة 1927، وكان رشدي عضوًا في المجلس الإسلامي الأعلى. وبحسبها حدد موعد صلاة الظهر. والبائكة الجنوبية مكونة من أعمدة وأقواس تفضي إلى درجات للوصول إلى المسجد الأقصى.

أما الثانية فتقع على ضلع قبة الصخرة من الزاوية الجنوبية . وبحسبها حدد موعد صلاة العصر. بناها الشيخ محمد طاهر عبد القادر رشيد أبو السعود. كان أبو السعود مفتي المذهب الحنفي في القدس. درس في الأزهر وزار اسطنبول. اهتم بعلم الفلك والتوقيت وألف كتابًا في علم الفلك يشتمل على أوقات العبادات وبيان التقويمات، طبع في اسطنبول سنة 1320هجرية/1902-1903. توفي سنة 1921، وعليه فإن بناء المزولة قد تم قبل هذا التاريخ، واسمه مذكور في ذيل سطرين نقشا تحت المزولة. يجب أن نشير إلى أن هذا التذيل ليس طغراء للسلطان محمود الثاني بن عبد الحميد الأول الذي اعتلى العرش سنة 1808من كما يظن بعضهم . فالطغراء عادة تظهر في أعلى الكتابة لا في أسفلها. وإليكم نص السطرين المذكورين:

“جماد تعرف العقلاء وقت العبادة كل حين، في ظلالي

تفيّأ سُجَّدًا من غيره سيبني لقاطعها قصرا ذا غرف الجمالي”

“أبو السعود محمد طاهر…”

ولا تزال المزولتان تزينان الحرم حتى يومنا هذا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق