قادة المعارضة البحرينية في الخارج، يطلقون النار على السياسات الطائشة للنظام البحريني في ندوة لندن “البحرين .. شعب وقضية” ,وآل خليفة يملكون ويحكمون ويحتكرون السلطات جميعا. بعد مضي أكثر من عام على كسر حاجز الخوف وقيام الانتفاضة الدستورية في البحرين، التي تفجرت بشكل شديد في بدايات العام 1994 نتيجة غياب الديمقراطية وحقوق الانسان وتفرد الحكم بجميع مفاصل قرارات الدولة والمجتمع وحرمان المواطنين البحرينيين من أبسط حقوق المواطنة المشروعة، تقدم رئيس تحرير جريدة (العرب) الصادرة في لندن، أحمد الصالحين الهوني (الذي كان يتبوء منصب وزير الاعلام في ليبيا في عهد الملك إدريس السنوسي) باقتراح وجيه للمعارضة البحرينية، بأن يعقد لها “ندوة سياسية” موسعة وجامعة، في مبنى جريدته في العاصمة البريطانية لندن، ويتحدث خلالها ممثلي فصائل الحركة الوطنية والاسلامية، وشخصيات وطنية ودينية مستقلة، ما يشاؤون عن الاوضاع المأزومة التي تعيشها البلاد، في ظل القبضة الامنية الفولاذية، التي أثارت صيحات غضب واستهجان السياسيين والاعلاميين الشرفاء في جميع أنحاء العالم، ووقفوا وقفة واحدة وشجاعة لدعم قضايا النضال في البحرين. رحبت جميع فصائل المعارضة في الخارج، وكذلك الشخصيات الوطنية والاسلامية المستقلة، بالاقتراح واعتبرت اقامة هذه الندوة بمثابة فرصة ذهبية سانحة لتجميع قوى المعارضة واستعراض ومناقشة جميع الاوضاع المأزومة التي تحدث على مستوى الساحة البحرينية. اقيمت الندوة، التي أدارها كل من الزميل علي الصراف، رئيس قسم الأخبار الدولية بالجريدة، والزميل مصطفى علام، في 24 كانون الثاني/ يناير 1995 تحت عنوان “البحرين .. شعب وقضية” وحضرها ممثلين عن مختلف أطياف المعارضة البحرينية في الخارج، وكذلك الشخصيات السياسية البحرينية المستقلة، وهم على التوالي: الدكتور منصور الجمري، ومحمد علي مهدي، عن (حركة أحرار البحرين الاسلامية) والشيخ عبدالحميد الرضي، وجواد عبدالوهاب، عن (الجبهة الاسلامية لتحرير البحرين) وهاني الريس، عن (لجنة التنسيق بين الجبهة الشعبية في البحرين وجبهة التحرير الوطني البحرينية) والسيد مرزوق العلوي، عن (منظمة الدفاع عن المعتقلين السياسيين في البحرين) وأحمد ضيف، عن (منظمة حقوق الانسان في البحرين) ومن الشخصيات المستقلة، الدكتور عبدالهادي خلف (نائب سابق في البرلمان البحريني المنحل) والشيخ حمزة الديري، والسيد حيدر الستري، وكان من المفترض أن يشارك في الندوة، كل من الأمين العام لحركة أحرار البحرين الاسلامية، الدكتور سعيد الشهابي، والشيخ علي سلمان، ولكن في ما يبدو أن كلاهما كان مرتبطا بمواعيد أخرى مهمة. تحدث الجميع بصورة متشعبة وموسعة وصريحة، من خلال طرح الاسئلة والاجوبة، وأجمعت الآراء على أنه ما لم يكن هناك حلول ومعالجات جوهرية وعملية للازمة السياسية والامنية القائمة في البلاد، وما لم يتوقف القمع المركز والمنهجي وحملات الاعتقال التعسفي خارج اطار القانون، ضد المحتجين السلميين، وما لم يكن هناك أحترام شامل للارادة الشعبية، فلن يكون هناك أمن واستقرار وتعايش سلمي في البحرين، وشددوا على أن الحل الوحيد الممكن للخروج من دوامة العنف والعنف المضاد، الذي يحيط بالساحة البحرينية، يعتمد في الأساس على أجراء حوار وطني مسؤول، ومصالحة وطنية قائمة على مبدأ التوافق والتسامح واحترام الرأي والرأي الآخر، ونبذ التشدد والعنف، واستقواء طرف على الآخر في مجرى الصراع السياسي. بدأت الندوة بكلمة ترحيبية، من أحمد صالحين الهوني، رئيس تحرير صحيفة “العرب” لجميع الحضور، وتحية تقدير خالصة لنضالات شعب البحرين، تلاها بالنيابة عنه نظرا لغيابه في الخارج، مقرر الندوة، الصحفي مصطفى علام، وجاء في طيات هذه الكلمة: أن جريدة “العرب” تحرص دائما على التضامن مع كافة القضايا القومية، وتفتح صفحاتها دائما للرأي والرأي الآخر معا، دون تحيز أو اتخاذ موقف مسبق من طرف أو أخر. وقال :”رغم تواجد العديد من الصحفيين الذين يمثلون كبريات الصحف ووكالات الانباء على أرض البحرين .. إلا أنه قد ندر ما نشر من أخبار عن هذه الجزيرة الجميلة .. وبدا وكأن كل شيء هاديء على الساحة البحرينية .. مما لا يثير فضول العاملين في بلاط صاحب الجلالة. وفجأة اشتعلت البحرين بالاحداث الساخنة .. مظاهرات عارمة تجتاح شوارعها .. وجنود مدججون بالسلاح يخرجون من ثكناتهم لمواجهة المتظاهرين المسالمين … وقنابل مسيلة للدموع ورصاص مطاطي .. و .. رصاص حي يطلق على أبناء الشعب الذي كان دوما مسالما” . وأضاف: منذ كانون الاول/ ديسمبر 1994 ووكالات الانباء والصحف تجد كل يوم ما تنشره من أخبار حول تطورات حركة الاحتجاج المطلبي الشعبي في البحرين. ولأن الكثير من الاسئلة وعلامات الاستفهام، وأحيانا الاتهامات، قد اثارتها هذه الاحداث، أرادت جريدة “العرب” الا تكتفي فقط بنشر الاخبار عما يجري على أرض البحرين، وانما تتعرف على اسباب وخلفيات هذه الاحداث، والاحتمالات المستقبلية التي قد تواجه الشارع البحريني. ولهذا جاء تنظيم “العرب” لندوة موسعة شارك فيها ممثلون عن جميع فصائل المعارضة البحرينية، وأيضا اثنان من اللذين ابعدتهما السلطات البحرينية عن البلاد بدعوى قيامهما بتحريض المواطنين على التظاهر . وإذا كانت ندوة “العرب” التي نظمت تحت عنوان “البحرين .. شعب وقضية” قد اقتصرت المشاركة فيها على ممثلي المعارضة، وغاب عنها الصوت أو الرأي الآخر الممثل في حكومة البحرين، فان هذا لم يكن موقف متحيز من جانب “العرب” ضد الحكومة، ولكن العكس هو الصحيح، حيث ارتأت تلك الحكومة عدم التعامل إلا مع الصحف “الاخرى” التي تفرد لها الساحة وحدها دون مشاركة من أي طرف معارض . وأعرب الهوني في هذه الكلمة، عن ثقته في توافق المطالب الوطنية للشعب البحريني مع مطالب كافة الشعوب العربية المتطلعة إلى الحرية السياسية والعدالة الاجتماعية والديمقراطية وحقوق الانسان. ورد المشاركون في الندوة على كلمة الهوني بالتحية والتقدير لموقف جريدة “العرب” المشرف في دعم قضايا النضال في البحرين . عائلة تملك وتحكم في نفس الوقت: بدأت الاسئلة تتدفق من “العرب” والتي (كانت في الحقيقة، قد وزعت بشكل غير منصف بين المشاركين، حيث سمح مقرر الندوة مصطفى علام للبعض في الاسترسال في الحديث بشكل موسع، في نفس الوقت الذي لم يعطي فيه البعض الآخر سوى مساحة ضيقة للغاية في الرد على الاسئلة). وكان السؤال الاول: “العرب”:كيف ترون الخارطة السياسية للنظام الحاكم في البحرين .. توجهاتها السياسية والاجتماعية، وعلاقته بالشعب والمعارضة؟ الشيخ عبدالحميد الرضي: لا يمكن أن نسمي الوضع القائم في البحرين نظاما، لانه نوع من الشذوذ في الحكم، فهو ليس ملكية لان العائلة لا تملك فقط ولكنها تحكم أيضا، بل وتحتكر جميع السلطات، التنفيذية والتشريعية والقضائية،وتكفي الاشارة إلى أن القضاء في البحرين تابع لوزارة الداخلية وليس جهازا مستقلا بذاته. وجميع القوانين تصدر بمرسوم اميري، وهي تستهدف خدمة مصالح العائلة الحاكمة بالدرجة الاولى، وحقوق الانسان يتم انتهاكها كل يوم، ويوضع كل معارض خلف القضبان أو يبعد خارج البلاد. ويوجد هناك حوالي عشرين ألف مواطن بحريني محرومون من حق الجنسية، ومن حق امتلاك البيوت السكنية أو الحصول على التعليم العالي. اضافة إلى كل ذلك فكل الوزارات الهامة في البلد يقوم عليها وزير من أبناء العائلة الحاكمة . الدكتور عبد الهادي خلف: الصراع بين السلطة والمعارضة في البحرين، هو صراع في حقيقته على مساحة الحرية التي تطلبها المعارضة لذاتها، ومساحة السلطة التي تسعى العائلة الحاكمة للمحافظة عليها، ومابين الطرفين معركة مستمرة منذ بدأت عائلة آل خليفة ممارسة حكمها على البلاد في أوائل هذا القرن. وقبل ظهور النفط، وفي ظل الاقتصاد البسيط القائم على قطاع البحر والزراعة، كانت هناك عزلة تامة بين الطائفة السنية والطائفة الشيعية في البحرين، ومن خلال ممارسات سياسية واقتصادية محددة اقامت السلطة تحالفات ضمن الطائفة السنية تلتفت حول العائلة الحاكمة وتعمل ضد بقية الناس. ومنذ الاربعينيات، ومع انهيار النظام الاقتصادي القيم، ودخول انماط حديثة للاقتصاد، تبلورت علاقات اجتماعية جديدة، مما خلق تفاهم وتعاون بين الفئات الشيعية المستضعفة والفئات المستضعفة من السنة، وكان نتاج هذا الاضطرابات التي وقعت في شركة النفط مع نشوئها، هذه الاضطرابات التي فتحت عيون الناس على أن الصراع ليس طائفيا وانما له ابعاد اخرى، وان قمع عائلة آل خليفة للناس ليس له علاقة بالدين أو الطائفية وانما له علاقة بالمحافظة على السلطة مهما كانت التكاليف ومهما كانت اشكال واساليب التحالفات التي يدخلون فيها. وفي مواجهة هذا الادراك الشعبي، بلورت السلطة تحت رعاية المندوب البريطاني المستشار بلجريف، سياسة تفتيت ارهاصات الوحدة الوطنية الوليدة بين السنة والشيعة فاقامت الدولة الحديثة باجهزتها المختلفة ضمن اسس واضحة لتأكيد وتعزيز الانفصام الطائفي، حيث اصبحت اشكال التمييز الطائفي لها طابعها المؤسس والموجه. ومع الخمسينات استطاعت الحركة الوطنية أن تبلور سياسة مضادة تعتمد على توحيد النخب السياسية بين الطائفتين فيما سمي بهيئة الاتحاد الوطني، ومن خلال الممارسات السياسية لقيادات هذه الهيئة، تأكد أن الشعب البحريني مثله مثل أي شعب آخر، قد يكون له انتماءاته الدينية المختلفة، ولكن له مصالحة الوطنية المشتركة في رفض الظلم والتطلع إلى الحرية والديمقراطية، وقد زكى هذه المصالح بالدم المشترك بين أبناء الطائفتين. وتدخل البريطانيين بالقوة لقمع هذه الحركة، وابعدوا قياداتها الوطنية إلى الخارج، فتحولت الحركة الوطنية إلى حركة سياسية تعمل تحت الارض، واستمر النظام القائم في محاولة اضفاء الصفة الطائفية على الحركة. الدكتور منصور الجمري: النظام السياسي القائم حاليا في البحرين يعتمد يرتكز على أربعة خطوط أو محاور، الاول هو خط رئيس الوزراء وهو الخط الاقوى، والثاني هو خط ولي العهد حمد بن عيسى، والثالث خط وزير الخارجية محمد بن مبارك، والرابع خط الامير عيسى بن سلمان، وهو الذي يجمع في يده جميع الخطوط الاخرى، وكل من هذه الخطوط السياسية له رؤيته وطريقه الخاصة في التعامل مع امور الدولة. وقد استطاع الامير بحنكته السياسية اقناع الشيعة من خلال لقائه الشهير مع السيد محسن الحكيم (المرجع الأعلى للشيعة قبل الاستفتاء الذي أجرته الامم المتحدة لتحديد هوية البحرين، أن تكون تابعة لايران، أو تصبح دولة عربية مستقلة، وأعطى الشيعة أصواتهم للدولة المستقلة ورفضوا التبعية لايران، واقتنعوا بنسيان تجرمة الماضي الاليمة مع السلطة، تلك التجربة التي ميزتها كل صنوف التمييز الطائفي ضدهم ولكن شهر العسل لم يدم طويلا بين السلطة والطائفة الشيعية، ومثل حل البرلمان المنتخب واعلان حالة الطوارىء في العام 1975 حيث حاولت السلطة تكريس وتعزيز سياسة التمييز الطائفي، من أجل تفريغ الحركة الشعبية من محتواها الوطني ووصمها بالطائفية. محمد علي مهدي: النظام القائم في البحرين هو نموذج للملكية المطلقة القديمة، والذي لا يعطي المواطن أي حق في المشاركة في السلطة إلا باذن والقدر الذي يسمح به الحاكم، والمشكلة السياسية أن الثروة النفطية جعلت الدول الكبرى تدعم تماما هذا النوع من السلطة لتأمين مصالحها على حساب القضايا الاخرى. الحلقة القادمة: من سياق الندوة .. شرعية النظام في البحرين .. وتوجهات المعارضة البحرينية. هاني الريس 3 اذار/ مارس 2021