شكلت النتائج التي حصل عليها مرشحو الإخوان المسلمين في انتخابات البرلمان الـ19، التي جرت في 10 تشرين الثاني (نوفمير) الجاري، صدمة ليس للمتابعين والمهتمين بالشأن الأردني فقط، بل للقواعد المؤيدة للجماعة في الأردن وخارجه، هذه الصدمة التي تمثلت بفقدان الجماعة 7 من مقاعدها، وتراجعها إلى 9 مقاعد فقط، حصلت عليها بعد ترشيح أكثر من 80 مرشحاً ما بين أعضاء بالجماعة وحلفاء، توزعوا على غالبية الدوائر الانتخابية في المحافظات.
شكلت نتائج مرشحي الإخوان في انتخابات البرلمان الأردني مؤخراً صدمة لمؤيديهم وللمتابعين على السواء
لقد كان لافتاً تمسّك الخطاب الإخواني، الموجّه لقواعد الإخوان المسلمين وللرأي العام الأردني، بمفردات قاموس حمل مضامين تبريرية لتفسير أسباب الخسارة الإخوانية ذات الوقع الذي يرتقي لمستوى الضربة والهزة العنيفة في الجسم الإخواني، والتي سيكون لها ارتداداتها داخل الجسم الإخواني وما حوله، بما في ذلك الحياة الحزبية في الأردن ومستويات التفاعل والتعاطي مع الطيف السياسي الأردني.
الخطاب الإخواني حشد كل ما يمكن أن يكون أسباباً تقف وراء الفشل من وجهة نظره، باستثناء اتهامات للحكومة بـ”بالتزوير”، تلك المفردة التي غابت عن قواميس كافة القوى: العشائرية والحزبية والمستقلة التي خاضت الانتخابات، فقد ذهب الخطاب الإخواني إلى الظروف الاقتصادية الضاغطة وانعكاسات جائحة كورونا بوصفها مرجعيات أسهمت في إضعاف المشاركة بالانتخابات، بالإضافة إلى أسباب أخرى، من بينها قانون الانتخابات “الأعوج”، كما وصفه مدير الانتخابات الإخوانية، والمال “الأسود” الذي يشار إليه للدلالة على عمليات شراء أصوات الناخبين، تردد أنّ بعض المرشحين من أصحاب الأموال مارسوها في بعض الدوائر الانتخابية.
برر الإخوان إخفاقهم بالظروف الاقتصادية وانعكاسات جائحة كورونا وقانون الانتخابات “الأعوج” وعمليات شراء الأصوات
لا يأتي الخطاب الإخواني وعلى خلفيات مرجعيات وسياقات تاريخية للاعتراف بالأسباب الحقيقية التي أوصلت الإخوان إلى هذه النتيجة، بل يذهب إلى القول إنّ الإخوان “فوجئوا ببعض النتائج في دوائر عمان والزرقاء”، رغم أنّ النتائج بالنهاية كانت “طيبة ومرضية”، ويتناسى الإخوان أنّ الظروف الاقتصادية وتداعيات جائحة كورونا لا تخص الإخوان وحدهم، ولا يشيرون إلى أخطاء في تقدير قوتهم والتحولات التي أصابت قواعدهم في إطار تحولات أصابت المجتمع الأردني، وعنوانها تراجع تأثير الإيديولوجيا، وأنّ الخطابية بالأفكار الكبرى لم تعد معياراً في التصويت لهذا المرشح أو ذاك.
محدّد آخر تقصّد الإخوان تغييبه في مقارباتهم لتفسير أسباب التراجع الإخواني، وهو أنّ هذه النتيجة جاءت محطة جديدة في مسلسل التراجعات الإخوانية خلال الأعوام الـ4 الماضية، عكستها تراجعات إخوانية في النقابات المهنية، والاتحادات الطلابية، وغيرها من الهيئات التمثيلية، تزامنت مع انشقاقات داخل الجسم الإخواني أفضت إلى وجود 5 تنظيمات إخوانية تتنازع فيما بينها لافتة الحركة الإسلامية، تلك الانشقاقات التي جاءت على خلفية تصلب التيار التقليدي في الجماعة ورفضه أيّ مقاربات إصلاحية، وإصراره على استمرار ربط الجماعة بالتنظيم الدولي للإخوان المسلمين.
تناسى الإخوان أنّ الظروف الاقتصادية وتداعيات جائحة كورونا لا تخصهم وحدهم
نتيجة الإخوان في انتخابات المجلس الـ19، جاءت إجابة واضحة من القواعد الإخوانية على أداء الكتلة البرلمانية للإخوان في المجلس السابق “كتلة الإصلاح”، التي مارست سياسة مزدوجة بخطاب اعتراضي على بعض القرارات، وخاصة المرتبطة بقضايا خارج الوطن، بالتزامن مع تمرير قرارات حكومية لا تحظى بشعبية في تعديلات على الضرائب وتخفيض الرواتب والدخول، في إطار سياسات إخوانية كان واضحاً أنّ عنوانها مساومة الحكومة لتحقيق مكاسب إخوانية ذات ارتباط بمصالح لقيادات ورموز الجماعة، ولا علاقة لها بالهمّ العام، بما فيه هموم القواعد والكتلة الناخبة للإخوان.
وفي الوقت الذي استجابت فيه كافة القوى، من عشائرية وبيروقراطية لمتطلبات التغيير بخوض الانتخابات بأسماء ووجوه جديدة، وهو ما أفضى إلى نجاح حوالي 100 نائب جديد يصلون للمجلس النيابي لأول مرّة، خاض الإخوان المسلمون الانتخابات بوجوه تقليدية يخوض بعضها الانتخابات منذ 3 عقود، وهو ما يفسّر خروج أسماء إخوانية وازنة “تاريخياً”، وعدم قدرتها على الاحتفاظ بمقاعدها”: موسى الوحش، عبد الله العكالية، ديمة طهبوب”، وفي معاقل افترض مخطّطو الانتخابات الإخوانية أنها مضمونة.
ثمة رهانات على إمكانية فتح ملفات المحاسبة عن هذه النتيجة من داخل الجسم الإخواني في مراتبه القيادية
هناك رهانات على إمكانية أن تُفتح ملفات المحاسبة عن هذه النتيجة من داخل الجسم الإخواني في مراتبه القيادية، وعلى أسس موضوعية جوهرها المفاتحة والمكاشفة ووضع كافة التساؤلات فوق الطاولة وليس تحتها، فهناك أخطاء وخطايا يرتكبها الشيوخ، وربما لم يعد ينفع معها الخطابات الاتهامية والإصرار على أنّ سبب الفشل جاء من خارج الجماعة، وعلى قاعدة أنها مستهدفة، أو داخلية مرتبطة بكورونا والظروف الاقتصادية، فالاستهداف وكورونا وتداعيات الأزمة الاقتصادية لم تتوقف عند جدران الإخوان السميكة وحدهم.