مقالات

الحاج محمود صالح محمد حسن حثناوي”أبو بشار” تهجيرٌ لا يُنْسى… ولن يدوم

كتب عزت ابو الرب

الحثناوي..1/6/1930م.
الحاج محمود صالح محمد حسن حثناوي”أبو بشار”
تهجيرٌ لا يُنْسى… ولن يدوم
زرعين… جنين… زرعين
الجزء الأول:
زرعين: لؤلؤة مرج ابن عامر…
أراضٍ شاسعةٌ، خمريٌ لون ترابها، تمتدُ سهولها وجبالها في كل اتجاه، تتعانق مع قرى الجوار على أطراف المرج. في رحاب تلك الأرض ولدت، فلم تفارقني منذ أبصرت عيناي النور في 1/6/1930م. نحن في رحلة سفر، ذهاباً وإياباً، سنعود إلى حيثُ آبائنا وأجدادنا رقدوا، فلن يفلَّ عزائمَنا طولُ انتظار.

كان والدي أحد رجالات الثورة وقادتها، يترأس ما لا يقل عن مئة مسلح، يجتمعون في دار لنا على أطراف البلد، يوزعون المهام، وينطلقون ليلا ؛ لمهاجمة معسكرات الإنتداب البريطاني، والعصابات اليهودية، والمستوطنات الصهيونية، ومخازن السلاح والتموين الإنكليزية، ويرصدون السكك الحديدية، والطرق البرية، يستهدفون قطارات النقل وشاحنات الانتداب البريطاني.
وفي عام 1936م استشهد أبي في قرية “الفولة” خلال اشتباك في مستوطنة شرق العفولة، فحمله رفيقه داود الحوراني إلى زرعين، وخبأه في مغارة. وفي الصباح تتبع الإنكليز الأثر حتى وصلوا إليه، وكان قد استشهد.
مات أبي عن ستة أولاد: (علي، حسن، أحمد، محمود، محمد، وعائشة)، وأكبرنا علي وعمره 12عاما, أصغرنا عائشة، وهي في “اللفة/ اللفاع”، وأنا ابن ستة أعوام. وبعد بضع سنوات ماتت أمي.
بدأت تعليمي في الكتاتيب إلى جانب20-40 طفلاً ، على يد الشيخ محمد أبو شريف في الجامع، و كان الشيخ يحصل على قوت يومه من أهالي الأطفال؛ فيسأل مَنْ أمه خبزت اليوم جراديش، أو جراديش ببصل، وهكذا. وفي نهاية الأسبوع يأتي له كل طفل ببيضة ورغيف، أو بيضتين.
بدأ مشوارنا التعليمي الرسمي مع المعلم محمد فهمي المنصور من جنين، و جاء بعده المعلم أحمد زيد.
وفي عام 1936م دخلت الصف الأول في مدرسة زرعين، وأنهيت دراستي باحتفال تَخَرُّج من الصف الرابع عام 1940م.
بدأت العمل وعمري(11)عاما برعاية عجّال البلد، فجمعت ما يزيد عن(200) عجل، أخرج بها مع الفجر إلى المراعي، وأعود بها حين تشتد الحرارة، وتنتشر حشرة(الكوكوب) التي تسطو على العجول وتلسعها، فتهرب العجول صفاً واحدا من المرعى إلى بيوت أصحابها في البلد. كنت أتقاضى قرشاً واحداً عن كل عجل في اليوم، أو وجبة حليب أم العجل المسائية مرة واحدة أسبوعيا. وفي عام 1943م انتقلت للرعي لدار أبي زَهْو في العفولة بِ: (24) جنيه فلسطيني.
رحلت مع إخوتي إلى حيفا عام 1944م، كان عمري آنذاك(13-14)عاما، اتخذنا من حي الحليصة سكنا مؤقتاً لنا. عملت في فرن بنصف دينار يوميا؛ أنقل على رأسي الخبز في مفارش إلى البسطات في ساحة الجريني، وعلى بسطةٍ لصاحب الفرن أبيع الخبز أمام دكان المغربي. تعرفت على السوق، فتركت العمل في الفرن. أخذت أبيع الفول والترمس في الشتاء، فأشتري الرطل بـ(15)قرشاً، وأبيعه يومياً بـ:(3-4) دنانير. وفي الصيف تحولت إلى بَيْعِ الأسكمو بصحبة فتى من المرصص اسمه محمد.
كان في حيفا معملان للأسكمو: أحدهما ليهودي، حبته عريضة نسبياً، ومصنوعة من الحليب والشوكولاطة. والآخر لمحمد اللبناني من الفواكه المشكّلة، مبروم الحبة، وهو صاحب المطعم البيروتي الشهير الذي كان يبيع صحن الحمص بخمسة قروش، وعند الآخرين بقرش واحد.
لم تكن أسكمو البيروتي التي نبيعها بمستوى جودة الأخرى، فاقترحت على صاحب المعمل أن نبيع الحبة بتعريفة وليس بقرش، وتخفيضاً للتكاليف سأقوم أنا وزميلي بتغليفها وتعبئتها وبيعها، وسترى النتيجة. وافق للتجربة، فاشتريت صندوقاً كبيراً يتسع لـ(400-500) حبة، وإلى الحارات وأبواب المدارس في حيفا، وبصوت واحد أنا وزميلي، نغني ونصفق: اسكيمو أسكيمو **إلحقْ إلحقْ أسكيمو
**عنا عنا أسكيمو
يلا يلا بتعريفة*
**عنا الحبة بتعريفة*
**معنا الحبة بتعريفة.
فبعنا في يومنا الأول 2000-3000حبة. فأراد أن يأخذ النصف، فقلت له: لا، لك 20% ولنا30%. فنحن من يغلف ويعد ويتعب ويبيع، ويأتيك الربح صافياً، فوافق، وبقينا على هذا الحال حتى عام 1948م.
وفي المساء نعود -نحن الإخوة- من أعمالنا، فنلتقي في الخشة التي نسكن بها في حارة الغزازوة، شارع الناصرة. وقد وضعنا لأنفسنا نظاما ماليا فالتزمنا به، فجمعنا خلال تلك السنوات من1944- 1948 م ما يقارب خمسة آلاف دينار.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق