التركمان في فلسطين “عرب التركمان”(أ.د.حنا عيسى)
(في الوقت الحاضر يتركز وجود عشائر وعائلات التركمان في محافظة جنين، وقراها، حيث يزيد عددهم عن 12 ألف نسمة في مدينة جنين، ومخيمها فقط، ويقدر عدد التركمان اليوم بأكثر من 35 ألف نسمة، موزعين على بعض المحافظات الفلسطينية، وتحديدا جنين، ونابلس، وطولكرم، وقطاع غزة، حيث يعرفون هناك “بعشائر الشجاعية” التركمان )
التركمان هم شعب تركي يعيش في تركيا وتوركمانستان وأذربيجان وكازاخستان وأوزبكستان وقيرغيزستان وجزء من الصين يعرف بتركستان الشرقية وجزء من أفغانستان وفي شمال شرق إيران وشمال العراق وفي أنحاء متفرقة من سوريا ولبنان وفلسطين. ويَتكلّم التركمان بشكل عام اللغةَ التركمانيةَ، وهي إحدى لهجات اللغة التركية التي تبلورت كلغة مستقلة، وكان تعبير التركمان قد استخدم تاريخيا كمرادف لتعبير “الغز” وهي قبائل سكنت خلال عهود أواسط آسيا ، ولعل هذا التعبير شاع وتعمم عندما بلغت لسلاجقة الأوائل مبلغ القوة والسيادة. كانت الحروب والفتوحات سببا رئيسا لهجرة التركمان مواطنهم الأصلية في أواسط آسيا وتدفقهم للاقامة في البلدان والأقاليم المجاورة كالعراق وبلاد الشام وغيرها.
التركمان في فلسطين ((عرب التركمان)) ينتمون إلى قبيلة تحمل هذا الاسم، ويعود زمن مجيئهم إلى فلسطين إلى العام 497 هجرية، 1103 ميلادية خلال الحروب الصليبية ،حيث شارك التركمان في الدفاع عن بلاد الشام أثناء تلك الحروب، ويعتبر القادة مظفر الدين كوجك (كوكبورو) أحد قادة صلاح الدين وزوج شقيقته، وهو أمير دولة الأتابكة في أربيل، والقائد يوسف زين الدين أمير أتابكة الموصل في شمال العراق، هم أسباب قدوم التركمان إلى فلسطين من خلال مشاركتهم لصلاح الدين الايوبي في معركة حطين، والقبائل التركمانية في مرج بن عامر، كانت سبعا، وهي قبيلة بني سعيدان، قبيلة بني علقمة، قبيلة بني عزاء، قبيلة الضبايا، قبيلة الشقيرات، قبيلة الطواطحة، وقبيلة النغنغية، وكل قبيله تنقسم إلى سبع عشائر على الاقل اي لا يقل عن 49 عشيره كبيره. وانخرط التركمان في فلسطين وجميعهم من المسلمين في الحياة الوطنية، ولا سيما في موضوع مواجهة مشروع الاستعمار الاستيطاني، كما أنهم شاركوا في المواجهة الفلسطينية مع الانتداب البريطاني. وتسجل أحداث ثورة فلسطين الكبرى 1936 ـ 1939 مشاركة التركمان بالثورة، وقد كانت قرية “المنسي“ إحدى مراكز الثورة في اللواء الشمالي من فلسطين،وفي حرب 1948 اجتاحت القوات الصهيونية قرى التركمان في فلسطين، ودمرتها بعد قتال عنيف بين المهاجمين وأهالي القرى. وقد سقطت ” المنسي ” بعد معارك حدثت ما بين 9 و13 نيسان / أبريل 1948، وتزامن سقوطها مع أغلب القرى المجاورة، وتم تهجير أهاليها،وقد اتجه بعض تركمان فلسطين ممن نزحوا عنها عام 1948 إلى منطقة الجولان في سوريا.
حتى أواخر العهد العثماني كان التركمان يحافظون على لغتهم التركية ويستخدمونها في حياتهم اليومية فيما بينهم، ولكن مع مرور الزمن اكتسب التركمان في فلسطين اللغة والعادات والتقاليد العربية، ومنذ بدايات القرن العشرين أخذوا يستخدمون اللغة العربية وكادت اللغة التركية تتلاشى من التداول، خاصة بين الأجيال الجديدة. وانخرط التركمان، في فلسطين وفي الشتات، كلياً في المجتمع الفلسطيني، وذابوا في البوتقة الفلسطينية، وعلى حد تعبيرهم فهم “لا يعرفون لهم وطناً إلا فلسطين“. ويشارك التركمان كغيرهم من أبناء الشعب الفلسطيني في الحياة العامة وفي الكفاح الوطني الفلسطيني قديما وحديثا، ففي سياق الدفاع عن أراضيهم كانت لهم مشاركة فاعلة في مواجهة الانتداب البريطاني والأطماع الصهيونية في أرض فلسطين، كما يسجل للتركمان الفلسطينيين مشاركة غالبيتهم في النضال الوطني من خلال صفوف فصائل العمل الوطني، فضلا عن مساهمتهم الملموسة في مسيرة البناء. والتركمان الفلسطينيين يمتازون بتوقهم للتعليم وإخلاصهم في الحياة المهنية حيث تجد بينهم الكثير من الأطباء والمهندسين والإعلاميين الناجحين.