اقلام حرة
الاتجاه العربي الإسلامي: (ثقافتنا عربية إسلامية عريقة) بقلم الاديب الشاعر. حسن منصور
أـ الاتجاه العربي الإسلامي: (ثقافتنا عربية إسلامية عريقة):
================================
بعد أن أوضحنا الاتجاهات الأربعة السابقة أصبح من السهل علينا أن نختصر الكلام ولا نعيد ما سبق إيضاحه، فنقول: إن الشواهد كلها ـ العقلية والواقعية ـ تدل على أن الموضوع الثقافي له هوية واحدة لا يمكن أن يستوي وجوده إلا بها، وهي الهوية العربية الإسلامية، وهذه الهوية تشبه الإنسان الحي الذي يقف على رجليه الاثنتين بقوة ويسير دون أي تعثر أو اهتزاز أو تلكؤ. فثقافتنا عربية الوجه إسلامية القلب، أو هي عربية الشكل والمظهر، إسلامية المضمون والجوهر. وهذه حقيقة لا تحتاج إلى إعادة الكلام عن أي شيء بعد أن سوّدنا كل هذه الصفحات السابقة بتحليلات واقعية وموضوعية سواء في هذا الكتاب أو في غيره. وهذه الهوية ـ كما قدمنا ـ لا تقوم إلا على قائمتين معاً، ولا تستوي إلا بوجودهما معاً، كما لا يستطيع الإنسان الوقوف والسير إلا بقائمتيه، وهذا يظهر لنا عبث القول بأن هناك ثقافة عربية خارج نطاق الإسلام، أو ثقافة عربية إقليمية خارج نطاق الثقافة العربية الإسلامية الشاملة، يشهد بذلك هذا التواصل بين الشعوب العربية في كل أقطارها سواء بواسطة وسائل الاتصالات الحديثة المتطورة التي جعلت التفاهم بين أرجاء الوطن العربي ميسوراً وأكثر وضوحاً، أو بواسطة التواصل الديموغرافي والمادي كالقيام برحلات وتنقلات وزيارات وأعمال مشتركة ومصاهرات متبادلة وغير ذلك من الأمور الحياتية. وهذا كله يؤكد أن المجتمع العربي الواحد قادر على حماية ثقافته الأصيلة، وتزداد قدرته على هذه الحماية كلما ازداد وعيه وتقدمه ثقافياً وعلمياً في المقبل من الأيام، مهما تكالبت عليه ذئاب الاستعمار والذئاب الداخلية التي لا يهمها إلا مصالحها وامتيازاتها وأمجادها الشخصية. كما أن هذا الواقع يؤكد أن اللغة العربية ـ وعاء الثقافة وأداتها ـ لن تموت ما دام هناك ألسنة تنطق بها وأقلام تكتبها، وما دام كتاب الله بيننا يتلوه صباحَ مساءَ ملايينُ المسلمين في كل أنحاء المعمورة.
وإذا كانت الطبيعة الصحراوية القاسية لم تمنع الاتصال الدائم بين كل رجاء الوطن العربي بما فيه من سكان، ولا منعت ذلك الاتصال التضاريس الوعرة منذ آلاف السنين؛ فهل يمكن أن يتصور أحد أن هناك أي شك في الهوية الثقافية لهذا الوطن، أو هل يستطيع أحد كائنا من كان أن يغرس ثقافات دخيلة تلغي ثقافته الأصيلة القائمة على (العروبة والإسلام) معاً في تمازج وتآلف يشبه تآلف الجسد والروح، خصوصاً في ظل ثورة المعلومات والاتصالات الحديثة التي سهلت تلاقي وتفاهم كل أطياف المجتمع العربي الكبير من المحيط إلى الخليج؟
—————————————————————–
[مقتطف من كتابي: (التّيه الثقافي العربي ـ تحليل للخطاب الثقافي المعاصر) ، ط1، ص230 ـ دار أمواج للطباعة والنشر والتوزيع ـ عمان 2015م]. وهو الكتاب الحادي عشر من سلسلة الحضارة والفكر.