الرئيسيةشعر وشعراء

الصورة الشعرية في موسوعة “رومانسيات” لشاعر الأمة محمد ثابت

بقلم : د حسن الحضري

تُعَد موسوعة “رومانسيات” واحدة من أهم الموسوعات الشعرية التي أعدَّها الشاعر والأديب المصري محمد ثابت، وقد صدرت عن سلسلة كتاب “ملتقى الشعراء” التي صدرت عنها عدة موسوعات أخرى، وتضم هذه الموسوعة خمسين قصيدة لخمسين شاعرًا من مصر والبلدان العربية والإسلامية الشقيقة، ومن هؤلاء الشعراء مُعِد الموسوعة محمد ثابت، الذي ذيَّل الموسوعة بقصيدته.

وتنتمي قصائد هذه الموسوعة إلى مدارس شعرية متنوعة؛ فمنها الاتجاه المحافظ، ومنها المدارس التجديدية، وقد عبَّرت قصائد كل اتجاه عن خصائصه الفنية تعبيرًا قويًّا، أما عن الصورة الشعرية في قصائد هذه الموسوعة فهي متوائمة إلى حدٍّ كبير مع عنوان الموسوعة، كما نجد فيها تعبيرًا واضحًا عن التكوين الثقافي والوجداني لكل شاعر؛ فيفتتح كامل النورسي قصيدته بقوله: [البسيط]

قضَى المتيَّمُ بينَ الطلِّ والطَّلَلِ***بطَرفِ عينيكِ أم بالسُّودِ والأسَلِ

وفيها يقول:

كم من محبٍّ طواهُ الشوقُ في كمدٍ***قد ذابَ عشقًا بأرض البِيدِ والجبلِ

يرسم الشاعر صورة الحب العذري، مستحضرًا بعض المفردات القديمة، ومتمثِّلًا أجواء العصور التي شاع فيها هذا الحب العذري؛ في نهاية العصر الجاهلي ثم في العصر الأموي.

أما محمد دحروج فتغلب على قصيدته النزعة الدينية؛ نحو قوله: [الوافر]

وتَقتُلُنا على دربِ الأحبَّهْ***أمورٌ كلُّها للهِ قُرْبَهْ

سخرتُ من الحياةِ فما أبالي***وإنْ كانتْ خُطَى الأقدامِ غُربَهْ

وفيها يقول:

لأن الحبَّ في فكري ضميرٌ***يخاطِبُ في فضاءِ الكونِ رَبَّهْ

يتأثر محمد دحروج تأثُّرًا تلقائيٍّا لا اصطناع فيه، بنزعته الدِّينية والميل إلى الزهد في الحياة الدنيا؛ فَفِي مطلع قصيدته يتحدث عن القتل من هجر الأحبة وفراقهم، ثم يجعل ذلك قربةً في سبيل الله، ويؤكد دحروج رؤيته الخاصة للحب، فيشبِّهه بالضمير، ويجعله يخاطب الله تعالى.

أما خالد هلال أبو جبل فيقول: [مجزوء الوافر]

كتبتُ الشِّعرَ في بدرٍ***تجلَّى في نواحيها

إذا ما الشِّعرُ عانَدَني***ستُلهمُني قوافيها

وحَرفُ قصائدي منها***بها تزهو مَبانِيها

يشبِّه الشاعر محبوبته بالبدر في حال تجلِّيه، ثم يعود فيجعلها ملمهته التي تلهمه الشِّعر، مفتخرًا بأن ما تلهمه إيَّاه هو أفضل ما يقول من شعرٍ.

ويقول أحمد السيد: [المتقارب]

أسيرُ إلى وردَتَيْكِ انبِهارا***كنَبْضٍ يذوبُ سُدًى وانتحارا

وبعد أبياتٍ يتساءل:

أينكسرُ الحُلمُ في داخلي***سأخرجُهُ عنوةً واقتدارا

ثم يقول:

وأستصرخُ النَّبضَ في وحدتي***ويستبقُ البَوحُ يبدي انكسارا

فتغلب على قصيدته النزعة الرومانسية الفياضة التي يحشد لها مفردات المعاناة والانكسار والخوف من المجهول، متأثِّرًا في ذلك ببعض مدارس الشعر الحديثة.

وتقول دعاء رخا كاشفة أثر النزعة الدِّينية لديها: [الكامل]

حسبي ملائكة الوصالِ تنزَّلَت***وبإذنِ ربِّي أُرسِلَتْ بـ”تجلَّدي

تؤكد على صبرها وتجلُّدها وتجعله رسالتها التي تنتهجها في عالم الحب.

أما محمد رزق عبد الحليم فيخاف أن يؤذي محبوبته إذا جال في فكره شيء غير مباح: [الكامل]

ولتغفري ما قد يجولُ بخاطري***إنْ رُمتُ يومًا فيكِ بعضَ تطرُّفي

بينما نجد أسمهان اليعقوبي تلتمس لنفسها العذر إن باحت بشيءٍ في شعرها؛ لأن الشِّعر يحرك النفس: [البسيط]

صوتُ القوافي يُجِيزُ البَوحَ يعزِفُهُ***والماءُ قد ردَّدَ التَّرحيل متَّحدا

أما محمد حلمي حامد فيُبدي أسفه على الفراق المفاجئ الذي لم يكن في حسبانه: [الكامل]

لو كنتُ أعلمُ أنَّ آخِرَ عهدِكم***يومُ الرَّحيلِ فعلتُ ما لمْ أفعلِ

أو كنتُ أرهبُ وَشْكَ بينٍ عاجلٍ***لقنعتُ أو لسألتُ ما لمْ يُسألِ

وتأتي روز اليوسف شعبان لتؤكد حرصها على كتمان حبِّها وعشقها عن كل مخلوق: [الوافر]

سألتُ الرِّيحَ هل تُفشِينَ عشقي***إذا ما القلبُ ناءَ بهِ وباحا

وكنتُ إذا رأيتُ الرِّيحَ يومًا***تَوارَى العشقُ في قلبي وراحا

ألا يا عِشقُ رفقًا بي رُوَيدًا***لعلَّ القلبَ يحتملُ الجراحا

أما منية محمود فترى أن الحب لا يحتاج إلى كلام للتعبير عنه، وإذا جاء ذلك الكلام فلا بدَّ أن يتَّسم بالسَّكينة والوقار: [الوافر]

كلامُ الحبِّ يأتي دونَ نُطقٍ***نقاشٌ كلُّ ما فيه وَقارُ

وتؤكد نبيلة حماني على نقاء الهوى وإخلاص القلب للمحبوب: [المتقارب]

وتعلو بصدريَ دقَّاتُ قلبٍ***نقيِّ الهوى لا يرومُ سواكا

وتدعو نهى عمر حبيبها إلى الإقبال عليها: [البسيط]

دعْ عنكَ بُعدًا وما يُقصِيكَ عن فَنَنِي***وامخُرْ عبابَ فؤادٍ سامقِ الرَّهَفِ

أما عناية أخضر فتهتم بذكر آثار الحب وما آل إليه حالها بسببه: [الوافر]

تمزَّقَ في الحشا قلبي وذابا***وطابَ المُرُّ واللُّقيا سَرابا

هيامٌ راحَ يلهبُني حريقًا***بقلبٍ صار يستهوي العذابا

وكذلك تفعل غنية عبد الرحمن فتقول: [مجزوء الوافر]

ومِن قلبٍ إذا يهوى***يُذِيبُ المُرَّ في كأسي

وأكتمُ عشقيَ المجنو***نَ في قلبي وفي رأسي

وفي نهاية الموسوعة تأتي قصيدة محمد ثابت؛ التي يغلب عليها الجانب الرُّوحاني، فيبتدئها بقوله: [الوافر]

وكانَ لقاؤنا حُلمًا مُحالا***لقاء يملأ الدُّنيا جمالا

هي الرُّوحُ التي منها وفيها***يعيشُ القلبُ زهوًا واختيالا

وفيها يفخر بقدرته القتالية وتجاوز الصعوبات في ميدان الحب فيقول:

أقولُ لِمُقلتي والدَّمعُ ولَّى***بسيفِ الحبِّ أتقنتُ القتالا

ففزتُ بوصلِها مِن بعدِ هجرٍ***وكانَ الهجرُ ذلًّا واغتيالا

ولا تكاد تخلو قصيدة من قصائد هذه الموسوعة، من أسلوبٍ يتفرَّد به الشاعر، أو صورة شعرية يبتكرها، وهي في النهاية تعبِّر عن شاعريَّة حقيقية، وعن اتجاهات شعرية متنوعة، إضافة إلى ما هو أهم وهو الانعكاس الذاتي لشخصية كل شاعر.

سلسلة كتاب ملتقى الشعراء
كتاب دوري كل ثلاث شهور

رئيس التحرير  / شاعر الأمة محمد ثابت
مستشار التحرير  / د فاطمة أبو واصل إغبارية
مدير التحرير /  شاعرة النجوم  إلهام عفيفي

شاهد أيضاً

إغلاق
إغلاق