مقالات
رؤية هذه السلسلة يكتبها د. محمد طلال بدران – مدير دار الإفتاء والبحوث الإسلامية – السلسلة مكوّنة من إثنتي عشرة مقالة “الأزمات النفسية في العصر الحديث” (12)
* كيف يساعد القرآن في بناء الصحة النفسية
![](https://hamsaat.co/wp-content/uploads/2025/01/IMG_5923.jpeg)
الحمد لله وكفى وسلام على عباده الذين اصطفى وبعد:؟
هذه المقالة الأخيرة في هذه السلسلة التي تكوّنت من إثنتا عشرة مقالة وكانت تحت عنوان: (الأزمات النفسية في العصر الحديث) وأسأل الله تعالى أن تكون خاتمة مسكٍ لهذه السلسلة كونها تتعلّق بكتاب الله تعالى الذي تبدوا على الدوام عجائبه التي لا تنتهي ولا تنقضي وتعالوا بنا نبدأ مقالتنا فنقول:
الحياة مليئة بالتحديات التي تُرهق النفس وتؤثر في توازنها، ويبحث الإنسان دائمًا عن مصادر للطمأنينة والسكينة، ولأن الإسلام دين الفِطرة، فقد جاء القرآن الكريم ليكون شفاءً ورحمةً للمؤمنين، لا في أمور العقيدة والتشريع فحسب، بل أيضًا في بناء صحة نفسية متينة قادرة على مواجهة الأزمات.
1- القرآن مصدر للطمأنينة
يقرر القرآن الكريم بوضوح أن ذكر الله هو مفتاح السكينة النفسية، حيث يقول تعالى: ﴿أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ﴾ (الرعد: 28). هذه الطمأنينة ليست مجرد راحة لحظية، بل هي استقرار داخلي يمنح الإنسان القدرة على مواجهة القلق والمخاوف، حين يتأمل المسلم في آيات الله، يدرك أن الدنيا دار ابتلاء، فيخفف من وقع الصدمات، ويتولد لديه إحساس بأن كل ما يحدث له مقدّر بحكمة إلهية.
2- اليقين والتوكل كعلاج للقلق
القلق من المستقبل والهمّ من المجهول يشكلان عبئًا نفسيًا على الإنسان، ولكن القرآن يدعو إلى التوكل على الله، وهو توكل مبني على الأخذ بالأسباب مع التسليم لله، كما في قوله: ﴿وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ﴾ (الطلاق: 3). فالشخص الذي يوقن بأن أموره بيد الله، لن يرهقه القلق على الرزق أو المستقبل، لأن قلبه معلق بعناية الله التي لا تتخلى عن عباده.
3- الصبر والصمود أمام الأزمات
من أعظم ما يقدمه القرآن في مجال الصحة النفسية هو غرس قيمة الصبر، فهو ليس مجرد تحمل للمشاق، بل هو موقف نفسي عميق يُعين الإنسان على الاستمرار رغم المِحن، يقول تعالى: ﴿وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ﴾ (البقرة: 155)، ويعِدُهم بالأجر العظيم، وذلك لأن الصبر يمنح الإنسان القدرة على التكيّف مع الظروف الصعبة، ويخفف من أثر الصَّدمات، مما يجعله أكثر توازنًا نفسيًا.
4- القرآن يعيد تشكيل التفكير السلبي
كثيرٌ من الاضطرابات النفسية تبدأ من الأفكار السلبية التي ينسجها الإنسان حول ذاته والعالم، لكن القرآن يعيد تشكيل هذه الأفكار، فيدعو الإنسان إلى التفكير الإيجابي وعدم الاستسلام لليأس، كما في قوله تعالى: ﴿لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ﴾ (الزمر: 53). هذا الخطاب القرآني يفتح أمام الإنسان أبواب الرجاء، ويبعده عن فخ التشاؤم والاكتئاب.
5- بناء الهوية والثقة بالنفس
يشعر الإنسان أحيانًا بالضياع والتّشتت حين يفتقد لهوية واضحة، لكن القرآن يرسّخ في النفس معاني العزة والكرامة، كما في قوله تعالى: ﴿وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ﴾ (المنافقون: 8). عندما يدرك الإنسان أنه مكرّم عند الله، وأنه خليفة في الأرض، يتولد لديه إحساس بالقيمة الذاتية، فينعكس ذلك إيجابًا على ثقته بنفسه.
6- العفو والتسامح كوسيلة للتحرر النفسي
الحقد والكراهية من أكثر ما يرهق النفس، بينما يدعو القرآن إلى الصفح والعفو، كما في قوله تعالى: ﴿وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ﴾ (النور: 22). التسامح ليس ضعفًا، بل هو تحرير للنفس من أثقال الغضب، مما يعزز السلام الداخلي.
7- العلاقة مع الله كمصدر قوة
أعظم ما يقدمه القرآن للنفس البشرية هو إعادة ربطها بالله، فمن كان في معيّة الله لن يشعر بالوِحدة، ومن كان متصلاً بخالقه لن تهزه تقلبات الحياة، يقول الله تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ﴾ (البقرة: 153)، وهذه المعية الإلهية تمد الإنسان بطاقة روحية تجعله أقوى في مواجهة تحديات الحياة.
* وفي الختام
فإن القرآن ليس مجرد كتاب ديني، بل هو منهاج شامل يلامس كل جوانب الحياة، ومنها الصحة النفسية، فمِن التوكل على الله إلى الصبر، ومن الطمأنينة إلى العفو، يقدم القرآن حلولًا عملية تعزز التوازن النفسي، فيكون الإنسان أكثر سكينة وسعادة، وأقرب إلى تحقيق الاستقرار الداخلي الذي ينعكس على حياته بأسرها.
* نلتقي غدًا بمشسئة الله مع سلسلة جديدة
* طاب صباحكم، ونهاركم، وجميع أوقاتكم، ونسأله تعالى أن يحفظ مجتمعنا، وأن يُبرِم لهذه الأمة إبرام رشد.
* مقالة رقم: (1866)
09. شعبان . 1446هـ
السبت .08.02.2025 م
باحترام:
د. محمد طلال بدران (أبو صُهيب)