اقلام حرة
الحكم استخدم ميثاق العمل الوطني كسلاح مرحلي واستراتيجي براق للهروب من تاريخ السمعة السيئة التي التصقت به، ولتكريس وتعزيز نهج التفرد بالحكم وصنع القرار .
بعد أن سخرت مختلف وسائل الإعلام البحرينية والاجنبية المأجورة، نفسها للإشادة بما قيل انها ” نجاحات باهرة ومنقطعة النظير ” حققها ما سمي ب ” مشروع الاصلاح ” في البحرين، بعد فترة وجيزة من تنفيذ خططه وبرامجه على أرض الواقع، صور حاكم البحرين الجديد، حمد بن عيسى بن سلمان آل خليفة، لنفسه بانه أصبح درة تاج مرحلة الاصلاح في البحرين، وانه استطاع أن يحصل على صك المبايعة الشعبية، التي كانت قد صوتت بوعي أو بغير وعي لصالح مشروع الخدعة الجهنمي، الذي أخرجه من القمقم لكي يشق به طريق الهروب البعيد عن تاريخ السمعة السيئة التي التصقت بجميع أسلافه حكام البلاد الغزاة المحتلين، والذي قد شرع له فتح جميع الابواب على مصراعيها لكي يصبح فارس المرحلة الجديدة، وقائد مسيرة البناء والتغيير.
وبموجب ما قد تصوره عن هذه “المبايعة الشعبية” المزعومة، أصبح من حقه أن يرسم جميع الخطط والمشاريع ويتصرف كما يشاء ويرغب بجميع خيوط اللعبة السياسية ومراكز صنع القرار، وذلك استجابة للضرورات القصوى التي قد تحتاجها مراحل الانفتاح السياسي الجديدة على المجتمع، وفي غمار التحرك الذي ساد في تلك الفترة والتي وصفته مختلف وسائل الاعلام الرسمية والصحف المحلية الصفراء بـ “عهد الخير والعطاء والانفتاح ومنح المكرمات السامية والسخية” بدأ حاكم البلاد الجديد، ينشط وبشكل محموم على نشر رسائل الاستقرار والاطمئنان والسلم الاهلي وتماسك الجبهة الداخلية والوحدة الوطنية، وظل يقوم بجولات مكوكية منتظمة لمختلف مناطق البلاد لحشد التأييد لمشروع الميثاق، ويبادر بتوزيع العطاءات والمكرمات، على من يجد فيهم الرغبة والحمية والاندفاع لدعم مشروع مسيرته الاصلاحية، وكذلك تسويق المبادرات والقرارات والإجراءات التي لا يمكن أن تشكل خطرا حقيقيا على النظام، وحتى أختيار الأعياد الوطنية والغايات المرجوة منها، وذلك من دون العودة إلى مشاورة الآخرين، حتى ممن كانوا موضع الثقة لديه، وممن يستطيعون قراءة حاضر البلاد ومستقبلها، أو حتى تقبل فرص الاستماع والاستفادة من عقولهم ونصائحهم وتجاربهم الميدانية في مختلف مجالات السياسة والاقتصاد والمجتمع.
إنتهاك مواد الدستور ونصوص ميثاق العمل الوطني :
وفي ذلك الوقت بالذات، التي شهدت فيه ثورة الانفتاح على المجتمع، ونظمت خلاله حفلات وأعراس التغيير، حاول أمير البحرين الجديد، ومن بعده (الملك) حمد بن عيسى بن سلمان آل خليفة، أن يمسك بزمام الامور بشدة، ويخلق لنفسه هالة من العظمة والقدسية، وينصب نفسه عمليا ” قائدا وحيدا ” من دون أي منازع، والشخص الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، لقيادة المسيرة الاصلاحية والتغييريه، وتحديد توجهاتها وأهدافها ومراميها الضمنية والعلنية على حد سواء، وعندها فتح الابواب على مصراعيها لسيطرة التفرد الشخصي بصنع القرار، وتهميش جميع مراكز القوى التي يفترض أن بمقدورها أن تسحب من تحت أقدامه البساط، وظل يأخذ على عاتقه المسؤولية الشخصية لرسم سياسات الدولة الفتية وتوجهاتها وتكريسها لتحقيق جميع أهدافه الحاضرة والمستقبلية، ويعمل على اصدار القرارات والإجراءات والمراسيم الملكية وغيرها من صنوف هدايا “المكرمات الثمينة السامية” كيفما يشاء ويرغب.
ويعمل على توزيع الامتيازات والمكافات والمخصصات السخية على أساس الولاء الشديد له شخصيا ثم لعائلته الحاكمة، وكذلك أيضا على فئات وشرائح مجتمعية نوعية، ربطت مصيرها ومستقبلها السياسي والاقتصادي بمشروع النظام الجديد، مع الاهتمام البسيط بتوفير بعض القضايا الاجتماعية الخدمية الملحة، التي ظلت تعاني من الاهمال الشديد على امتداد عقود من الوقت، وذلك بصورة لم تخلو فيها خطوة واحدة من انتهاك دستور البلاد العقدي لعام 1973 وكذلك نصوص مشروع ميثاق العمل الوطني، الذي كان يفترض انه يمثل إولى خطوات عهد الانفتاح الجديد و” الايام الجميلة ” التي لم يأتي أوانها في هذا الوقت.
و كل هذا بالاضافة إلى كثرة الوعود والمواثيق والتعهدات، التي قطعها على نفسه وأمام الشعب بانه سيكون خادما أمينا على الدستور ومصالح البلاد العليا، و ” بأن معركة الوجود للديمقراطية والحكم الدستوري ” تتطلب في الظروف الحالية واللاحقة، تغييرات جوهرية واسعة وشاملة، في مختلف البنى المهترئة والضعيفة في هياكل النظام السياسي والاجتماعي والاقتصادي والامني، التي شهدتها سنوات الحقب الصعبة الماضية، وقد تحتاج إلى الصبر والمزيد من الوقت، واستنادا لجميع تلك الامور فانه لم يتردد حتى لحظة واحدة عن توجيه الدعوة تلو الاخرى إلى ضرورة تعاون ومشاركة جميع أبناء البحرين للوقوف معه في صف واحد من أجل إنجاح مشروع بناء الدولة الديمقراطية العصرية المنشودة، ومن دون ذلك بحسب رؤيته وتصوره، لايمكن لمشروع الدولة الحديثة أن ينمو ويزدهر، ولا يمكن أن تتحقق خطوات الاصلاح المطلوبة إلى الامام، سوى بواسطة العمل الوطني المشترك، وذلك تمشيا مع كل ما ورد في نص (المادة ” 1 “) من الفصل الثالث لمشروع ميثاق العمل الوطني، التي جاء فيها: “نظام الحكم في البحرين ديمقراطي، والشعب هو مصدر السلطات جميعاً”.
وكذلك الفقرة (2): مبدأ الفصل بين السلطات التي تنص على أن: “يعتمد نظام الحكم، تكريساً للمبدأ الديمقراطي المستقر، على الفصل بين السلطات الثلاث: التنفيذية والتشريعية والقضائية، مع التعاون بين هذه السلطات وفق أحكام الدستور”. ( ويأتي صاحب السمو أمير البلاد، على رأس السلطات الثلاثة ) .
والفقرة (3): سيادة القانون واستقلال القضاء، والتي تنص على أن: “سيادة القانون أساس الحكم في الدولة (المملكة) واستقلال القضاء وحصانته ضمانات أساسية لحماية الحقوق والحريات” .
والفقرة (4) من نفس المادة التي تؤكد على: حق الشعب في المشاركة في الشؤون العامة، والتي تنص على أن: “يتمتع جميع المواطنون بحق المشاركة في الشؤون العامة في البلاد، وعلى الأخص حق الانتخاب والترشيح طبقا لأحكام هذا القانون”.
هذه المرتكزات الأساسية كلها، التي تذرع بها حاكم البلاد الجديد، حمد بن عيسى بن سلمان آل خليفة، وأتخذها أساسا عمليا وأخلاقيا للنهوض بدولته ومملكته الدستورية، والتي أكدت عليها أيضا نصوص وبنود دستور البحرين التعاقدي لعام 1973، الذي تم اسقاطه والغائه عنوة بقرار بمرسوم ملكي في العام 2002، وكذلك نصوص ميثاق العمل الوطني، ودستور المنحة الجديد، إضافة الى كثرة الاقوال والتعهدات التي طرحت في مناسبة أو غير مناسبة على المجتمع، قد تم تجاوزها وانتهاكها مرارا وتكرارا من خلال قرارات وإجراءات ومراسيم ملكية ظلت تصدر من جانب واحد، وهو الأمير ” الملك ” الذي ظل يمسك بيده كافة الأمور ويتصرف بمصير حياة الدولة ومستقبلها بمعزل عن الآخرين، وهي تعتبر كلها خرقا صارخا لمفهوم المشاركة الشعبية العامة والتوجه الديمقراطي المنشود، وخرق واضح وصريح للبند الاول من المادة الاولى المكرسة في نصوص مشروع ميثاق العمل الوطني، والتي تؤكد على أن ” الشعب هو مصدر السلطات جميعا ” وهو الذي بيده تصنع جميع القرارات، وقد ظهر واضحا وصريحا من خلال كل تلك الممارسة الخاطئة والفردية، أن جميع ما كان ينمو تحت السلطة الظاهرة للامير ” الملك ” هو نظام من مصالح شخصية وفئوية ضيقة ومحدودة ومناقضة جدا لجميع التوجهات الديمقراطية والمساواتيه والمشاركة الشعبية في صنع قرارات الدولة والمجتمع، التي وردت في نصوص وبنود مشروع ميثاق العمل الوطني، وكذلك أيضا دستور المنحة .
ومن خلال ذلك كله، قد تبين وبشكل واضح ومكشوف، أن كل ما قد تم العمل به في مراحل نشوء الدولة الحديثة ومابعدها، من اجراءات وعوامل مؤثرة في القرار السياسي، هو أن الحكم أراد أن يستخدم مشروع ميثاق العمل الوطني كسلاح مرحلي واستراتيجي في نفس الوقت، للخروج من جميع المأزق السياسية والاجتماعية والاقتصادية والامنية الصارخ، التي تسبب بها على امتداد عقود وسنوات طويلة، ولاسيما السنوات التي حل فيه المجلس الوطني المنتخب بمرسوم بقرار أميري، وتعطيل أبرز المواد الحيوية من دستور البحرين العقدي لعام 1973 وفرض حالة الطوارىء غير المعلنة في البلاد، من خلال تفعيل كامل وشامل لمواد قانون أمن الدولة السيء الصيت، وكذلك اجراءات محاكم أمن الدولة، وتطبيق فرص الاحتكار الكامل والشامل لسياسات السلطة والحكم، وانه بعد هذا كله أصبح بإمكانه القول ومن دون تردد، أنه استطاع أن يوسس لبناء الدولة الديمقراطية العصرية، وجعل البلاد واحة مزدهرة لحقوق الانسان والتنمية والتطور، والتي ظلت هي احدى أبرز المطالب الشعبية، من خلال نضالاته وتضحياته التي استمرت على امتداد عقود مضت، والبدء في العمل على توسيع تدابير الحريات العامة، وأفساح المجال للتعددية السياسية والحزبية، وتنظيم الانتخابات العامة للمجالس البلدية والبرلمانات، إضافة إلى مجلس الشورى المعين بكامل أعضائه من قبل الحكم.
ولكن السؤال الكبير والذي ما يزال يطرح نفسه منذ ذلك الوقت وحتى اللحظة : ما الذي قد تحقق بالملموس على أرض الواقع من إنجازات ضخمة ومفيدة تصب في خدمة هذا الشعب برمته، وهو الذي لايزال في غالبيته الساحقة يكافح من أجل توفير لقمة العيش في دولة خليجية نفطية، ويناضل من أجل الحرية والكرامة الانسانية ؟ وثم ماهي الفائدة المعنوية والاقتصادية من كل هذه البهرجة السياسية والاعلامية الهائلة، التي قامت من أجلها الدنيا ولم تقعد، و ماهي القيمة المادية الحقيقية والجوهرية لكل هذا الانفتاح السياسي والاجتماعي والاقتصادي المزعوم، والاموال الطائلة التي صرفت من دون حسيب أو رقيب، ومن دون وجه حق على تغيير إسم الدولة إلى مملكة ؟
في وقت لاتزال فيه القيود القانونية والدستورية الجديدة، تحكم قبضتها بقوة رادعة ومخيفة، على جميع مفاصل الدولة والمجتمع، وتخنق أصوات الرأي العام البحريني وتمنعه عن طرح مسائل المكاشفة والمحاسبة، أو عن انتقاد جميع أو بعض الاخطاء الفاضحة والفاحشة التي ترتكب دائما على صعيد القضايا السياسية والاقتصادية والامنية وغيرها، وترسم بحكم قانون الجمعيات، أهداف وتوجهات وتطلعات الجمعيات السياسية ومنظمات المجتمع المدني ومؤسسات النفع العام، وبما في ذلك المجلس النيابي المنتخب انتخابا ” حرا مباشراً ” الذي ظل على الدوام يتلقى توصياته وأوامره من قبل الحكومة والحكم ويبصم عليها بالمكشوف في صورة مذلة ومهينة، وحرمان جميع تلك المؤسسات من حق التمتع بكافة الصلاحيات القانونية الحيوية المباشرة وغير المباشرة، التي ظلت مكرسة في نصوص وبنود ميثاق العمل الوطني، وكذلك في دستور المنحة الجديد، الذي قيل بأنه أستطاع أن يفتح عهدا جديدا في الثقة المتبادلة بين الحكم والمجتمع، وأنه يعتبر ” نمودجا ” من بين أبرز دساتير دول العالم التي ظلت تحرص على اطلاق الحريات العامة والديمقراطية والسلم الاهلي واحترام حقوق الانسان .
لا مكان للتعددية الحزبية وتداول السلطة في البحرين :
اليوم، وبعد مرور قرابة عقدين من الزمن على ما سمي ب ” مشروع الاصلاح ” وتحويل دولة المراقبة الامنية، إلى مملكة، والقول بنجاح ” نموذجها المتقدم والعصري “، لايزال المواطن البحريني يعاني الأمرين من شطف العيش وسلب الارادة العامة وحتى الخاصة، وخنق الحريات، حيث لا مكان هنا إلى سماع الاصوات الكثيرة المطالبة بالتغيير الحقيقي والجوهري، وحيث لا مكان للتعددية السياسية والحزبية لكي تتطور في مناخ الصراع السياسي السلمي، وحيث لا وجود بالمطلق لبرنامج إصلاح وطني جوهري وحقيقي، يشارك في صنعه المواطن البحريني بحرية مطلقة أو حتى شبه مطلقة، ويقوم على شمول الخيار الديمقراطي في مختلف مناحي الحياة العامة، فالحكم بات وحده فقط، هو من يمتلك ” بصورة قانونية ودستورية” منفردة، سلطة اتخاذ قرارات الدولة والمجتمع، على الرغم مما يقال عن وجود مواد ونصوص وقواعد دستورية مكرسة في الدستور وفي مشروع ميثاق العمل الوطني، تمنح الشعب حرية الخيار في النظام الذي يحكمه، وأن يكون مصدرا وحيدا للسلطات جميعا، وكذلك هو الحال بالنسبة للجمعيات السياسية والمنظمات المدنية والمجالس البلدية والبرلمان المنتخب، والقضاء العادل والمستقل والصحافة الحرة، حيث أن جميع مؤسسات المجتمع المدني المستقلة عن سياسات السلطة، ظلت على الدوام تعاني من الاضطهاد السياسي، ويجري التضييق بشكل تعسفي على كل توجهاتها ومشاريعها وخططها وبرامجها ” .
تكنولوجيا متطورة مستوردة من أميركا وبريطانيا لمراقبة المواطنين في البحرين :
وباستثناء كل ما حدث في فترة “تنظيف” المعتقلات والسجون من المعتقلين والموقوفين لأسباب سياسية وحقوقية، وتراجع حملات الاعتقال التعسفي خارج أطار القانون، التي ظلت سائدة في حقبة سنوات قانون ومحاكم أمن الدولة، وقرار عودة المبعدين والمنفيين بعد اعلان العفو العام الشامل وغير المشروط، فلا شيء بشكل ملموس قد تغير على أرض الواقع في البحرين، بل أن عقارب الساعة اعيدت مرة ثانية للوراء و أصبحت البلاد برمتها أسيرة في أيادي النظام السياسي، وأصبح كل شيء مباح وظاهر لدى مختلف الاجهزة الامنية ورجال جهاز المخابرات في عمليات مراقبة ومطاردة واعتقال كل من يشتبه في معارضته للنظام، وبحجم أكثر قسوة وصرامة، حيث ظلت تسمح قوانين مكافحة الارهاب، التي أجيزت في السنوات الأخيرة في ظل مشروع الاصلاح للشرطة البحرينية باعتقال أي شخص يشتبه في أنه ارهابي، أو محرضا أو معاديا للنظام من دون أي أمر قبض، وربما قد يمكث في السجن سنوات طويلة من دون أي محاكمة وإلى أجل غير معروف.
ونتيجة لتكريس وتعزيز وتوسيع عمليات المراقبة الامنية، أقدم النظام البحريني على استيراد تكنولوجيا متقدمة ومتطورة من بريطانيا والولايات المتحدة الاميركية لمراقبة الناس وبشكل قد يفوق الواقع، وظلت قاعات وغرف وزنازين السجون ومخافر الشرطة البحرينية مزدحمة ومختنقة بأعداد هائلة من الموقوفين والمسجونين، وأصبح عموم المواطنين البحرينيين معرضين للمسائلة والاستجواب وإلى أحتمال فقدان المحافظة على الخصوصية الشخصية والحرية المدنية، وظل انسجام اللحمة الوطنية هو أيضا معرضا للتفكك والانهيار في ظل سياسة التمييز الطائفي والمذهبي، التي اشتدت وطأتها الاستبدادية والقمعية بصورة مذهلة بعد أحداث شباط/ فبراير 2011، التي استنزفت جميع طاقات المجتمع البحريني.
واغرقت شوارع البلاد وساحاتها ببحور الدماء، وشن حملات الاعتقال التعسفي خارج اطار القانون، وتنفيد أحكام الاعدام في متهمين أبرياء، وتشريد آلاف العائلات البحرينية إلى المنافي القسرية في مختلف العواصم العربية والعالمية، والسماح للجيوش الاجنبية بانتهاك السيادة الوطنية واحتلال البلاد، ولاحقا ركوب النظام البحريني في قطار المطبعين الاشداء مع الكيان الصهيوني، وذلك تحت ذريعة احلال السلام والوئام في المنطقة، وضمان الحماية المطلوبة من شن أي عدوان أو تدخل خارجي محتمل، كل هذا الذي جرى ولا يزال الحكم عاجزاً عن وقف عمليات ردع المواطنين المطالبين بجميع الحريات، وتحقيق كل أو بعض ما وعد به في ظل المشروع الاصلاحي المزعوم، بل إنه أخد يبتعد بكل صلافة ووقاحة، رويدا رويدا عن نظم القيم الديمقراطية والحكم البرلماني الدستوري، التي وعد بها المجتمع وخدع بها العالم برمته، ودعا الحكومات الاخرى للاقتداء بها.
كما أنه لا يزال أسير جميع أهدافه وتوجهاته ومقاصده واحلام الانانية الذاتية الأنانية، وتشويه عمليات التنمية في جميع المجالات، وتسيطر على مخيلته عقلية الحكم التقليدي العشائري الابدي، والدليل على ذلك هو استمرار بقاء الحكومات التقليدية الثابتة والراسخة، التي ظلت تضم أكثر من نصف أعضائها من أفراد العائلة الخليفية الحاكمة، والنصف الآخر من رموز الشراكة المصلحية مع أفراد هذه العائلة، أما في ما يتعلق بالاوضاع الاجتماعية والاقتصادية والصحية العامة، وحل مشكله البطالة المرتفعة، فقد ظلت مراوحة في مكانها.
وكان من نتائج الخصخصة وتخلي الدولة عن التزامات الرعاية الاجتماعية الكاملة، أن زادت نسبة البطالة بين المواطنين وبخاصة النساء وخريجي المعاهد العليا مع وجود جيش عرمرمي من العمالة الأجنبية الرخيصة والمجنسين الجدد من العرب والأفارقة والهنود والبنغال وغيرهم ممن شملهم قانون التجنيس السياسي الجديد، ووفر لهم كافة امتيازات المواطنة البحرينية، وهذا بالاضافة إلى تركيز الحكم المستقبلي على حركة استقطاب جديدة من مواطنيين جدد من مختلف الجنسيات لتوطينهم في البلاد، والاستفادة منهم كطابور خامس يخدم النظام ويدافع عن جميع مشاريعه المشبوهة، في مواجهة أية حركة احتجاجية مطلبية مشروعة، سواء على المستوى السياسي أو الاجتماعي أو الاقتصادي، كما حدث ذلك خلال الحملات الانتخابية العامة والاقتراع السري لما سمي بالبرلمان البحريني، حيث حاولت الغالبية الشعبية مقاطعة، الانتخابات التشريعية الاولى بسبب عدم شرعيتها الدستورية، وزج النظام بكل هؤلاء المجنسين والمرتزقة، في ساحة المعركة الانتخابية العامة لتغطية الفراغ الناجم عن المقاطعة الشعبية العارمة والتي قد بلغت مستويات هائلة وعريضة من الارقام .
“في الحلقة القادمة .. ردود الأفعال الشعبية، وكيف تصدت الجمعيات السياسية المعارضة بالوسائل السلمية والشرعية لمهمة وقف المسارات الطائشة والخاطئة ل ” مشروع ميثاق العمل الوطني والانقلاب على دستور البلاد الشرعي لعام 1973″.
هاني الريس