شعر وشعراء
القدس .. الشعر والقصيدة بقلم: شاكر فريد حسن
القدس زهرة المدائن، مهد الحضارات والديانات السماوية، كان اسمها في الماضي “يبوس”، وهي مدينة مكانتها المرموقة بين مدن العالم لأهميتها التاريخية والدينية والأثرية ،غنت لها صاحبة الصوت الدافئ فيروز، القادم من عالم أرجواني كله مسك وعنبر، من كلمات وألحان الأخوين رحباني.
أثارت ” القدس ” قرائح شعرائنا على مر العصور والتاريخ، فتغنوا بها وأبدعوا في تصوير معالمها وآثارها، وهتفوا لأسوارها ولصمودها في وجه الغزاة والمحتلين والبرابرة.
إنها الرمز الفلسطيني، وسيدة الأرض، والموتيف الذي يتردد ويتكرر بكثرة في القصائد والأشعار الفلسطينية والعربية.
وفي هذه العجالة سأقتطف بعضًا مما جادت وفاضت به روح شعرائنا في ” قدسنا ” عاصمتنا الأبدية، ونحن في خضم معارك باب العامود والشيخ جراح وساحات الأقصى.
فهذا شاعر المرأة والحب السوري نزار قباني، الذي تساءل : ” متى يعلنون موت العرب “، يخاطب القدس، منارة الشرائع، قائلًا:
يا قدس، يا منارة الشرائع
يا طفلة جميلة محروقة الأصابع
حزينة عيناك، يا مدينة البتول
يا واحة ظليلة مر بها الرسول
حزينة حجارة الشوارع
حزينة مآذن الجوامع
يا قدس، يا جميلة تلتف بالسواد
في حين يقول الشاعر الفلسطيني الراحل ابن مدينة جبل النار ” نابلس ” علي الخليلي، في قصيدته ” ولا تتدحرج عن صدرك “، التي يبلغ فيها ذروة الحزن والشجن في تقمصه وتشربه القدس :
أن تذوب في القدس، وأن
تتحسس المجاعة والتاريخ
كل جمال وكل حي، وتقول في
سرك أن هذا السور جسدك
وأن هذه المدينة بابك الى الدنيا
أن تغرق في أحزان القدس
لتخرج منها وفيها نحوها
أما رائد القصيدة الفلسطينية الراحل محمود درويش، فيقول :
يا أطفال بابل
يا مواليد السلاسل
ستعودون الى القدس قريباً
وقريباً تكبرون
وقريباً تحصدون القمح من
ذاكرة الماضي
وقريباً سيصبح الدمع سنابل
آه يا أطفال بابل
ستعودون الى القدس قريباً
بينما شاعر العودة ابن غزة، المرحوم هارون هاشم رشيد، فيقول في مطلع قصيدته ” الى القدس “:
أجل اني من القدس
وفيها قد نما غرسي
جذوري في عروق الصخر
في الصلد، وفي الملمس
ومن كنعان بي نبض
ومن عدنان، من قيس !
أما الشاعر اليافي جميل دحلان، صاحب ديوان ” الطريق الى القلوب ” فيقول بكل صدق وشفافية وجمالية :
وطني والقدس نداء فمي
معطار يموج به نغمي
سطرت فخارك بالقلم
وجلالك مكتوب بدمي
وطني يا موطن أجدادي
يا قبلة روحي وفؤادي
ويقول شاعر الوطن المولود والعائد الى ” مصمص”، طيب الذكر راشد حسين في قصيدته ” عائدون ” :
عندها في جبل الزيتون
في القدس
نرى أحلامنا في شفتيها
عندها
يافا … وحيفا … وصفد
سوف تدري
ان شعبي
عائد حتماً اليها
أما مصلوب القدس وصليبها وصعلوكها الشاعر ” فوزي البكري، فيقول في قصيدته ” على أطلال المدينة ” :
قدساه يا وحيا بصدر الكون يا ثدي الفضيلة
ما زالت الامجاد أشباحاً معطرة ذليلة
تقتات أفيون التراث وتحتسي خمر البطولة
وتصيد من جوف الجماجم زاد رحلتها الطويلة
فلتحرقي التاريخ ولتنعي الى الدنيا فصوله
ولتقذفي افكاره من فوق رأس ” النارجيله ”
هيهات ينتفض الزمان وفي عقاربه حموله
بينما الشاعر الفلسطيني العنبتاوي أديب رفيق محمود، فيسافر في ملكوت قصيدته ” كلمات بالأزاميل على سور القدس ” ليصلي في القدس، واصفًا لنا أجوائها قائلًا:
أسير في الشوارع التي أحب شارعاً فشارعًا
اقلب العينين في الجدران، في المطرز الفضفاض في الشموع
أواه يا مدينة السلام
يا روعة الصهيل، كبة الخيول
تعبر الأبواب في وضح النهار
هذا صلاح الدين
ويقول الشاعر محمد علوش من نزلة عيسى في محافظة طولكرم، المتطلع للآتي :
في القدس
يتعانق حق الأرض بأعشاب الأرض
وحب الأرض ورائحة الشهداء
فالقدس، نرسمها خيمة
ان شئتم نزرعها غيمة / قبة
لدماء شهيد يروي الأرض
ويبشرنا بالفجر القادم .
هذه باقة ” قدسية ” عابقة بشذى الزعتر والبرتقال الفلسطيني، جمعتها من رياض الشعر والأدب، الطافحة بالكثير من زهور القدس اليانعة، التي لا يمكن أن نحصي غمارها، واننا لعلى ثقة تامة بأن أهل القدس وأبناء شعبنا الفلسطيني، قادرون على الصمود بوجه مؤامرة الترحيل والتهجير والتطهير العرقي واطلاع فجر الحرية، والانتصار على قوى الشر والبغي والاحتلال، وسيكتب عنها وعن انتصارها الكثير.