الرئيسيةمقالات

هذا هو جيلنا الشاعر حسن منصور

مقال من كتاب (لمن ألقى السمع) وهو الكتاب الحادي عشر من سلسلة (بين الواقع والمتخيل) - ص 134

أنظر حولي فأرى أولادي وأرى أحفادي وأقرانهم يذهبون إلى مدارسهم حاملين حقائبهم الثقيلة على ظهورهم، يغدون ويروحون كل يوم، وأتذكر أيام كنت في مثل أعمارهم، وكيف تبدلت الأحوال والأزمان والأماكن.
وذات يوم سألني أحد أبنائي: كيف كانت الحياة في زمانك يا أبي؟ وكيف كنتم تعيشون وتستعدون للذهاب إلى المدارس كل يوم؟ لا شك أن الحياة كان لها لون آخر وطبيعة أخرى، فهل هي الآن أحسن أم في ذلك الزمن؟
فقلت له: يا بني لا شك أن الإنسان يحن إلى أيام صباه وشبابه مهما كان لون الحياة التي عاشها، ولذلك فأنا لست استثناءً من الناس، والحياة بلونها وصفاتها تلك كانت أحسن من الحياة الحالية بلا حدود، وأقولها لك دون تردد، بل بصدق مستند إلى حقائق أؤمن بها في قرارة نفسي.
قال: ولكن يا أبي أنت ترى اليوم كيف أن الحياة أسهل في كل شيء، سواء في المواصلات أو في النواحي الأخرى، وأين حياتكم في ذلك الزمن عنها في هذه الأيام؟!
قلت: لا أريدك أن تنخدع بالمظاهر السطحية، وإنما انظر إلى طبيعة
التعامل بين الناس في هذا الزمن، وكم بينهم من الدجل والنفاق وسيطرة المصالح وتحكمها في تصرفاتهم، بل في رقابهم وفي أخلاقهم بصورة عامة، وانظر إلى النساء وانحلال أخلاق كثيرات منهن منذ أن دخلن ميدان الأعمال والوظائف العامة، فاسترجلت كثيرات منهن وفقدن أنوثتهن وكثيراً من حيائهن، كما انحرفت أخريات منهن عن العفة والخلق الكريم، وكل هذا على حساب مستقبل أولادهن الضائعين وعلى حساب تماسك الأسرة، ومن هذه الزاوية انظر إلى التفكك الذي يعيشه المجتمع البائس في هذا الزمن الرديء، وستعلم أي ثمن تدفعه الأجيال القادمة.
قال ابني: لو طلبت منك أن تصف لي جيلكم وحياته ولونها وطبيعتها، فماذا تقول؟
قلت: نعم، أستطيع أن أصفها لك وأن أصف حياة أجيالنا السابقة، وجيلنا بالذات؛ فنحن جيل الفطرة السليمة الصافية البسيطة الأمينة والآمنة وغير الخبيثة ولا الماكرة ولا الحاسدة ولا الغشاشة ولا المنافقة ولا المرائية، ولا (مسّاحة الجوخ) ولا بائعة الشرف ولا القابلة إلا برفع رأسها عالياً إلى السماء باتجاه خالقها.
نحن جيل الإيثار وحفظ الأسرار واحترام الجوار والمحافظة على ماله وعرضه من الأشرار، خصوصاً إذا لم يكن موجوداً في الدار. نحن من كان فرحنا بسيطاً ونابعاً من القلب، بلا طبل ولا زمر ولا صخب، نحن من كان الزيت والزعتر زادنا، وماء العين السلسبيل شرابنا، وحبّات التين والعنب على الندى في الصباح فطورنا، والمشي من البيت إلى البساتين(والحواكير) رياضتنا اليومية ودأبنا.
نحن من كانت على القنديل والفانوس دراستهم، ويسهرون الليالي الطوال يذاكرون ويراجعون ويكتبون ويستعدون لليوم التالي، وكأنهم الفرسان الذين يعدّون للميدان عدّتهم…
ماذا أكتب وماذا أتذكر؟! وأين نحن اليوم من هذا كله؟ دار الزمان وتغيرت كل الخطوط والألوان ولكل زمن أجياله وأحواله، ولله الأمر من قبل ومن بعد. اللهم اختم بالصالحات أعمالنا وحياتنا،
عليك توكلنا وإليك أنبنا ولا حول ولا قوة إلا بك.

الشاعر حسن منصور
مقال من كتاب (لمن ألقى السمع) وهو الكتاب الحادي عشر من سلسلة (بين الواقع والمتخيل) – ص 134
٢

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق