الدين والشريعة

دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلَامٌ ۚ وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ

يقول الحق سبحانه: *{وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلاَمٌ}* فالسلام وارد في أشياء متعددة والحق سبحانه يقول:
*{إِنَّ أَصْحَابَ ٱلْجَنَّةِ ٱليَوْمَ فِي شُغُلٍ فَاكِهُونَ • هُمْ وَأَزْوَاجُهُمْ فِي ظِلاَلٍ عَلَى ٱلأَرَآئِكِ مُتَّكِئُونَ • لَهُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ وَلَهُمْ مَّا يَدَّعُونَ • سَلاَمٌ قَوْلاً مِّن رَّبٍّ رَّحِيمٍ}*
[يس: 55-58] وهذا هو السلام الذي له معنى؛ فهو سلام من الله ولم يقل سبحانه “سلام يورثك اطمئناناً ونفساً راضية” فقط بل هو سلام بالقول من الله وانظر أي سعادة حين يخاطبك الحق سبحانه وتعالى مباشرة وهناك فرق بين أن يشيع الله فيك السلام وبين أن يحييك كلامه بالسلام وهذا هو السبب في قوله: *{سَلاَمٌ قَوْلاً مِّن رَّبٍّ رَّحِيمٍ}*
[يس: 58] وهذا سلام الله ثم من بعده هذه المنزلة يأتي سلام الملائكة:
*{وَالمَلاَئِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِّن كُلِّ بَابٍ • سَلاَمٌ عَلَيْكُم}*
[الرعد: 23-24] فقول الحق هنا: *{وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلاَمٌ}* نجد فيه كلمة السلام رمز الرضا والاستقرار في الجنة فالسلام هو أول الأحاسيس التي تحبها في نفسك ولو كانت الناس كلها ضدك لكنك ساعة تستقر فأنت تسائل نفسك
ماذا فعلت ليكون البعضُ ضدي؟
وحين تجيب نفسك “إنني لم أفعل إلا الخير” فأنت تحس السلام في نفسك وإذا ما رحَّب الآخرون بما تفعل فالحياة تسير بلا ضدّ ولا حقد وهذا ما قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم:
“يطلع عليكم الآن رجل من أهل الجنة” فيدخل رجل عرفه القوم فلما انصرف قام واحد من الصحابة وذهب إلى الرجل ليعلم ماذا يصنع وسأله: ماذا تفعل حتى يبشّرك الرسول صلى الله عليه وسلم بالجنة؟
فوجد سلوك الرجل مستقيماً ومتبعاً للمنهج دون زيادة فسأله الصحابي لماذا بشّرك رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجنة؟
قال الرجل: والله إني لأصلّي كما تصلّون وأصوم كما تصومون وأزكّي كما تزكون ولكني أبيت على الفراش وما في قلبي غلٌّ لأحد ..
هذا هو السلام النفسي وإذا ما وصل الإنسان إلى السلام مع النفس فلا تضيره الدنيا إن قامت وبعد ذلك يضمن أن يوجد سلامه مع الله تعالى ومن عنده سلام مع نفسه ومع بيئته ومع مجتمعه فهو ينال سلاماً من الله سبحانه
ويقول الله لنا في القرآن عن الذين يعانون من مأزق في الآخرة:
*{يَوْمَ يَأْتِ لاَ تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلاَّ بِإِذْنِهِ فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ}*
[هود: 105] هؤلاء هم الذين شقوا في النار أما الذين سُعدوا ففي الجنة فماذا عن حال الذين لا هم شقوا ولا هم سعدوا وهم أهل الأعراف لأن الموقف يوم القيامة ينقسم الناس فيه إلى ثلاثة أقسام فقد قال الله

*{فَأَمَّا مَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ • فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ • وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ • فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ}*
[القارعة: 6-9] ولم يقل الحق سبحانه لنا أمر الذين تساوت الكفتان لهم أثناء الحساب
لأنه سبحانه قال في حديث قدسي: “إن رحمتي غلبت غضبي”
ويبين لنا الحق سبحانه رحمته فيقول:
*{وَنَادَىۤ أَصْحَابُ ٱلْجَنَّةِ أَصْحَابَ ٱلنَّارِ أَن قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقّاً فَهَلْ وَجَدتُّم مَّا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقّاً قَالُواْ نَعَمْ فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَن لَّعْنَةُ ٱللَّهِ عَلَى ٱلظَّالِمِينَ}*
[الأعراف: 44] ويأتي أمر رجال الأعراف فيقول سبحانه:
*{وَعَلَى ٱلأَعْرَافِ رِجَالٌ يَعْرِفُونَ كُلاًّ بِسِيمَاهُمْ}*
[الأعراف: 46] لقد عرفوا المؤمنين بسيماهم وعرفوا الكفار بسيماهم وجلوس البعض على الأعراف ينتظرون وينظرون لأهل الجنة قائلين:
*{سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ لَمْ يَدْخُلُوهَا وَهُمْ يَطْمَعُونَ}*
[الأعراف: 46] ثم يعطينا الحق سبحانه صورة ثانية فيقول:
*{وَنَادَىٰ أَصْحَابُ ٱلنَّارِ أَصْحَابَ ٱلْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُواْ عَلَيْنَا مِنَ ٱلْمَآءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ ٱللَّهُ قَالُوۤاْ إِنَّ ٱللَّهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى ٱلْكَافِرِينَ}*
[الأعراف: 50] أهل الأعراف يسعدون بعطاء الله لأهل الجنة ويطمعون أن يغفر الله سبحانه وتعالى لهم ..
ونحن في حياتنا نسمع المشرفين على المساجين أو المحكوم عليهم بالإعدام يقولون: قبل أن يحكم على المجرم بالإعدام ينخفض وزنه ثم يزيد بعد الحكم؛ لأن الأمر قد استقر والذين يُشغلون بأن يعرفوا مكانهم في الآخرة أهو في الجنة أو في النار لا ينسون أن يقولوا للمؤمنين:
*{أَن سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ}*

أسعد الله تعالى أوقاتكم .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق