مكتبة الأدب العربي و العالمي
اسرار كرسي الاعتراف/ قصة ساخرة بقلم : نبيل عودة
من المعروف ان رجال الدين من جميع الطوائف، هم خطباء مؤدلجون ويعرفون كيف يثيرون الاهتمام بخطبهم الدينية او خطب المناسبات الاجتماعية.
الأب جبرائيل أنهى عمله الذي استمر أربعة عقود كاملة ككاهن، وحان الوقت ليخرج للتقاعد.
كان كاهنا محبوبا من الجميع، لا يفوت مناسبة عائلية، فرحا او حزنا دون ان يشارك ويلقي خطبة تشد الاهتمام، بل والكثير من عباراته أضحت مستعملة كأمثال حكيمة.
حين علمت طائفته انه قرر الخروج للتقاعد، قرروا ان ينظموا له حفل وداع وتكريم.
دعيت كل شخصيات البلد للمشاركة في تكريم الأب جبرائيل ووداعه، طبعا اكتظت القاعة بالحضور.
الذي حدث اثناء الاحتفال ان قائد سياسي مرموق من البلد تعوق عن الحضور، وكان من المتفق عليه ان يلقي كلمة في حفل التكريم والوداع، ومنعا من الثرثرة حول أسباب تعوقه، التي كانت ظاهرة معروفة، ربما هي تقليد لمن يصير زعيما سياسيا، قرر الأب جبرائيل ان يلقي خطبة تمهيدية حتى يمنع القيل والقال حول تعوق الزعيم السياسي. وقف على المنصة وأجال نظره بالحضور، وبعد ان هدأ التصفيق العاصف قال:
حين وصلت هذه البلدة قبل اربعة عقود، اول انطباع لي كان من اول شخص دخل ليعترف وما زلت اذكر اعترافه حتى اليوم ..
اعترف ذلك الشخص بانه كان يسرق النقود من والدية بشكل دائم خلال سنين طويلة ويريد من الله ان يغفر له خطيئته لأن والدية على شفا الموت ولا يريد دفنهما قبل ان يعترف ويتلقى الغفران من الله. وبعد تردد قليل اضاف انه يخاف ان لا يغر له الله اذا لم يعترف بكل ما ارتكبه من أخطاء أخرى في حياته، فهو سرق أيضا أموالا من مشغله وانه مارس الجنس ايضا مع زوجة مشغله، وانه باع السموم لطلاب المدراس من اجل المال الذي كان همه الأول والأخير في الحياة، وانه سبب إصابة زوجة مشغله بمرض جنسي، وبذلك أصيب مشغله أيضا بنفس المرض .. لذلك يشعر بتأنيب ضميرـ وجاء ليعترف ويطلب الغفران من الله.
هذا الشخص المعترف الأول، كما قال الكاهن جبرائيل، من الصعب ان ينسى اعترافه ولكني عرفت فيما بعد اخرين مستقيمين وانقياء…
عند هذا المقطع دخل الزعيم السياسي للقاعة فوقف الحضور مصفقين له بل والبعض اطلق هتافات تمجيد لحضرته ..
وزع الزعيم ابتساماته على الحضور ملوحا لهم بيديه، وجاء يعانق الكاهن، الذي اخلى له المنصة بقوله ان سيد الخطابة قد وصل وهو شرف عظيم لي ان يشارك سعادته بكلمة في حفل تكريمي بمناسبة انهائي أربعة عقود من العمل الكنسي في هذه البلدة الكريمة.
افتتح الزعيم كالعادة كلمته بالاعتذار عن تأخره بسبب قضية هامة كان يعالجها، وهي جملة ربما كررها بدون انتباه في عشرات اللقاءات التي شارك فيها سابقا. ثم قال وهو يحيط كتف الكاهن بذراعه: اريد اليوم ان اكشف لكم سرا، إني كنت الشخص الأول الذي اعترف لأبونا الخوري بأخطائه…”
وضجت القاعة بالضحك…
[email protected]