مقالات
رؤية * هذه السلسلة يكتبها د. محمد طلال بدران – مدير دار الإفتاء والبحوث الإسلامية – * عنوان السلسلة: “الصراع العقائدي في زمن الهيمنة: بين التوحيد والشرك الحضاري” * عنوان المقالة: “من مكة إلى العالم: رحلة التوحيد في وجه شرك الأنظمة” (7-8-9))

إكرم على نفسك بدقيقتين من وقتك الثمين
الحمد لله وكفى وسلام على عباده الذين اصطفى وبعد:
* التوحيد منبع الانعتاق الإنساني
انطلقت رسالة التوحيد من مكة لا لتكون دعوة روحية محضة، بل لتؤسس لتحوّل جذري في بُنية الوَعي والسُّلطة والمجتمع. فقد كان إعلان ﴿لا إله إلا الله﴾ ليس فقط رفضًا لعبادة الأصنام، بل رفضًا لكل أشكال التأليه السياسي والاجتماعي لأيِّ كان، لقد كانت هذه الكلمة المفتاح لتحرير الإنسان من الهيمنة بكل صورها: الدينية الزائفة، والقبلية، والاقتصادية، والسياسية.
– ففي بيئة تُؤلّه فيها الأصنام وتُخضع فيها الرقاب لشيوخ القبائل وسادة المال، جاءت دعوة محمد ﷺ لتخلخل البُنى القائمة، ولتقول بوضوح: لا خضوع إلا لله، ولا ولاء إلا لمنهج الله، ولا طاعة مطلقة إلا لمن أرسله الله.
– وقد لخّص النبي ﷺ هذا التحول حين خاطب هرقل قائلاً كما في الصحيح: “ادعُك بدعاية الإسلام، أسلِم تسلَم، يؤتك الله أجرك مرتين، فإن توليت فإن عليك إثم الأريسيين” (البخاري، رقم 7).
* التوحيد والنظام: تصادم الضرورات
عبر العصور، ظلت الأنظمة الاستبدادية تتوجّس من كلمة التوحيد، لأنها تفكّك شرعية سلطانها وتعيد تعريف القوة والحق من جديد، فالتوحيد يعيد مركز الثّقل من القصر إلى الغار، من العرش إلى السجادة، من الحاكم إلى الوحي.
– ولهذا لم يكن غريبًا أن يعادي طغاة مكة دعوة محمد ﷺ، فقد أدركوا مبكرًا أن المسألة ليست مجرد تغيير في الطقوس، بل زلزال حضاري يُعيد رسم خريطة النفوذ والولاء.
– وقد سجّل القرآن هذا الصراع: ﴿وقال الملأ من قومه إنا لنراك في ضلال مبين﴾ (الأعراف: 60)، وفي موضع آخر ﴿أجعل الآلهة إلهاً واحداً إن هذا لشيء عجاب﴾ (ص: 5).
– فالتوحيد في فهمهم كان تقويضًا لمنظومة المصالح والمكانة والسلطة، وليس مجرد خلاف عقائدي حول الألوهية.
* شرك الأنظمة: الوجه الخفي للاستبداد
حين يُعاد إنتاج الدين ليكون أداة في يد النظام، ويُختزل التوحيد في شعائر جوفاء منزوعة الروح والموقف، يولد شرك من نوع جديد: شرك الأنظمة.
ليس شرك الأصنام الحجرية، بل شرك الأوثان السياسية التي تُعطى صفات التقديس، والتي تُصبح مرجعية فوق النص وفوق الله ذاته عند بعضهم، وقد قال الله تعالى: ﴿أرأيت من اتخذ إلهه هواه أفأنت تكون عليه وكيلاً﴾ (الفرقان: 43)، وقال أيضًا: ﴿اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله﴾ (التوبة: 31)، وقد فسرها النبي ﷺ بقوله: “أما إنهم لم يكونوا يعبدونهم، ولكنهم كانوا إذا أحلوا لهم شيئاً استحلّوه، وإذا حرّموا عليهم شيئاً حرّموه” (رواه الترمذي، وصححه الألباني)، فكل نظام يفرض مرجعية مطلقة دون الله، أو يجعل الطاعة له فوق طاعة الله ورسوله، يقع في شرك تشريعي خطير، وهو من أعظم ما واجهته دعوات الأنبياء عبر التاريخ.
* من مكة إلى فلسطين إلى كل بقعة تُقاوم
رحلة التوحيد لم تتوقف عند مكة، بل امتدت حيثما وُجدت الروح الرافضة للهيمنة، وحيثما قال الأحرار: “ربنا الله” في وجه كل تأليه زائف، قال تعالى: ﴿الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانًا وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل﴾ (آل عمران: 173)، وفي وجه ذلك، يقف التوحيد كحصنٍ أخير، يربط الفرد بخالقه، لا بمنظومة القوة العالمية.
ولهذا قال الله في كتابه: ﴿إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله﴾ (الحجرات: 15).
* نهاية الرحلة: التوحيد مشروع تحرير شامل
لم يكن التوحيد يومًا مجرد مقولة تعبُّدية، بل هو مشروع تحرري شامل، يبدأ من تحرير النفس من شهواتها، إلى تحرير العقل من أغلاله، إلى تحرير المجتمعات من طغاتها.
– إن التوحيد ليس مجرد عقيدة، بل موقف حضاري جذري، يُعيد تعريف الإنسان ودوره وعلاقته بالخالق وبالواقع، وهو السبب في أن الأنظمة المستبدة كانت وما تزال تترصد حَمَلَة التوحيد الحقيقي، لأنهم لا يرضون بأن يكونوا مجرد أدوات في مشروع زائف.
وقد قال النبي ﷺ: “أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر” (رواه أبو داود، وصححه الألباني).
خُلاصة:
من مكة إلى كل أرض تطلب التحرر، التوحيد هو المنهج والزاد والموقف.
إنها ليست فقط رحلة دعوة، بل رحلة مقاومة… ضد الطغيان، ضد التزييف، وضد كل من حاول أن يُلبس الباطل ثوب الحق باسم الدين أو النظام أو المصلحة… ولكم مني التحية والمحبة والسلام.
* عنوان مقالة الغد إن شاء الله: “هل نعيش في جاهلية معاصرة؟ مقاربة بين جاهلية قريش وجاهلية الحضارة الحديثة”
* اللهم الطُف بعبادك المؤمنين المستضعفين يا رب العالمين، اللهمّ فرجًا قريبًا من عندك يا الله.
* مقالة رقم: (2013)
* 11 . محرّم .1447 هـ
* الأحد . 06.07.2025 م
باحترام: د. محمد طلال بدران (أبو صُهيب)
*********
إكرم على نفسك بدقيقتين من وقتك الثمين
* ظِلالُ جاهلية
* رؤية
* هذه السلسلة يكتبها د. محمد طلال بدران – مدير دار الإفتاء والبحوث الإسلامية –
* عنوان السلسلة: “الصراع العقائدي في زمن الهيمنة: بين التوحيد والشرك الحضاري”
* عنوان المقالة: “هل نعيش في جاهلية معاصرة؟ مقاربة بين جاهلية قريش وجاهلية الحضارة الحديثة” (08)
الحمد لله وكفى وسلام على عباده الذين اصطفى وبعد:
* مدخل: جاهلية بثوب معاصر
حين يُذكر مصطلح “الجاهلية”، يتبادر إلى الأذهان مشهد بدائي: أصنام، شعراء، صراعات قبلية، وأمية معرفية، لكنّ الجاهلية في جوهرها ليست مرحلة زمنية، بل حالة روحية وعقلية تنكر مرجعية الله، وتُؤْثر أهواء البشر.
وهذا ما نعيشه اليوم. فـَ “الجاهلية المعاصرة” ليست عودة إلى الوراء، بل اندفاع إلى الأمام بلا وحي، في حضارة تُؤلّه الإنسان وتُقصي الإله.
* تعريف الجاهلية في ضوء القرآن
القرآن الكريم وصف البيئة التي بُعث فيها النبي ﷺ بأنها “جاهلية”، لكن ليس لأنها تفتقد التكنولوجيا، بل لأنها تفتقد الحق كمرجعية مطلقة: ﴿أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ﴾ (المائدة: 50).
إذن، الجاهلية هي رفضٌ لحُكمِ الله، واستبداله بأهواء بشرية، سواء باسم القبيلة أو باسم “الدولة الحديثة”.
* الجاهلية الأولى: صورة الانفلات من الوحي
في جاهلية قريش، كان الشرك في العبادة، وتعظيم أساطير الآباء، واختلاط القيم بين الكرم والظلم، وبين الحمية والقتل.
كانت الحرية تعني الغلَبة، والشرف يُقاس بالغزو، والمرأة سلعة، والضعيف مأكول.
وكان الأخطر: تحكيم البشر لا الله، فقد كانوا يقولون كما في القرآن: ﴿بل نَّتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا﴾ (البقرة: 170).
* الجاهلية المعاصرة: شرك حضاري بثوب التقدّم
اليوم، نحن نعيش نسخة أخرى من الجاهلية، لكنها مغلّفة بالتقنيات والشعارات:
• الأصنام لم تعد حجرًا، بل أصبحت رموزًا مادية: المال، الشهرة، القوانين الوضعية، و”النجوم” الإعلامية.
• المرجعية لم تعد الوحي، بل العقل البشري المقطوع عن السماء.
• المرأة لم تُحرَّر، بل أعيد تسليعها باسم الحرية.
• الهوية لم تُبْنَ على العقيدة، بل على الانتماء القومي أو الجنسي أو العرقي.
وهذا كله يُعيدنا من جديدٍ إلى قلب الجاهلية، كما قال سيد قطب رحمه الله: “الجاهلية ليست أن تُنكر الله، بل أن تُقصيه عن الحكم، والتشريع، والتوجيه”.
* مشتركات الجاهليتين: تغييب التوحيد وتحكيم الهوى
ثمة قواسم مشتركة بين الجاهليتين: جاهلية قريش وجاهلية الحضارة الحديثة، عبادة الأصنام عبادة الأنظمة، المال، النجوم، السوق، تحكيم الأعراف، تحكيم القوانين الوضعية الغربية، استعباد الضعفاء، قهر الشعوب باسم “الديمقراطية” و”العولمة”، تغييب الوحي، إقصاء الدين عن الحياة العامة، تبرير الظلم بالحكمة، تبرير الاستعمار باسم “التقدّم والحضارة”
* الجاهلية الخفيّة: حين تصبح القلوب وثنيّة
الجاهلية الحديثة ليست فقط في النظام السياسي أو الاجتماعي، بل في عمق النفس البشرية.
حين يُحبّ الإنسان شيئًا كحب الله، أو يُخضع عقله لعقل غيره دون برهان، فهو في شرك خفيّ، قال تعالى:
﴿وَمِنَ النَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ اللَّهِ أَندَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ﴾ (البقرة: 165)، هذه الأنْدَاد اليوم قد تكون “المؤثّر”، أو “الزعيم”، أو حتى “المُنتَج” الذي يستهلكه القلب دون وعي.
* موقف الإسلام: تحرير الإنسان من جاهليته
الإسلام لم يأتِ ليُزيّن الجاهلية، بل ليقلع جذورها من العقل والواقع.
جاء ليُعيد التوحيد مركزًا، ويجعل الله هو السيّد لا الهوى، ويُحرّر الإنسان من عبادة الإنسان.
قال النبي ﷺ: “إن الله بعثني لأُتمّم مكارم الأخلاق” (رواه أحمد)، ولا خُلُق في غياب الحرية الروحية والعقلية من كل شرك حضاري.
* واجبنا اليوم: كشف الجاهلية الجديدة وتسفيهها
إن أكبر خطر اليوم أن تُلبّس الجاهلية لباس الدين أو الحرية أو حقوق الإنسان.
واجبنا هو كشف هذا الزيف، وإعادة الناس إلى القرآن كمرجعية لا كرمزية، إلى التوحيد كمنهج لا كعقيدة معزولة.
فالجاهلية المعاصرة لا تُهزَم بالخطب وحدها، بل ببناء الوعي، وإحياء معنى “لا إله إلا الله” في الفكر والسلوك.
* خاتمة: جاهلية اليوم أخطر من جاهلية الأمس
لأن جاهلية اليوم مُجمّلة ومُدعّمة بالتقنية والعولمة والنفوذ الثقافي، فهي أخطر من جاهلية الأصنام.
ولذلك فإن الصراع اليوم ليس بين أديان، بل بين التوحيد كمشروع حياة، والشرك الحضاري الذي يُزيّن الكفر باسم التقدّم.
فلنكن على وعي: نحن لا نعيش في عصر “ما بعد الجاهلية”، بل في قلب جاهلية جديدة، تنتظر دعوة إبراهيمية تُحطم الأصنام، وتعيد الكلمة العليا لله رب العالمين… وليس الديانة الابراهيمية التي تسوّقها قوى الاستعمار الظلامية… ولكم مني التحية والمحبة والسلام.
* عنوان مقالة الغد إن شاء الله: “فتنة الدين والدولة: كيف تُستخدم العمائم لتسويغ الطاغوت؟”
* اللهم الطُف بعبادك المؤمنين المستضعفين يا رب العالمين، اللهمّ فرجًا قريبًا من عندك يا الله.
* مقالة رقم: (2014)
* 12 . محرّم .1447 هـ
* الأثنين . 07.07.2025 م
باحترام: د. محمد طلال بدران (أبو صُهيب)
**********
إكرم على نفسك بدقيقتين من وقتك الثمين
* الحاكميّة المغتصبة
* رؤية
* هذه السلسلة يكتبها د. محمد طلال بدران – مدير دار الإفتاء والبحوث الإسلامية –
* عنوان السلسلة: “الصراع العقائدي في زمن الهيمنة: بين التوحيد والشرك الحضاري”
* عنوان المقالة: “فتنة الدين والدولة: كيف تُستخدم العمائم لتسويغ الطاغوت؟” (09)
الحمد لله وكفى وسلام على عباده الذين اصطفى وبعد:
* من يملك حق التشريع؟ الشّرك السياسي بين الديمقراطية والسلطوية
التوحيد ليس مجرد اعتقاد… بل موقف من السلطة
حين قال إبراهيم عليه السلام لقومه: ﴿إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا﴾، (الأنعام: 79)، لم تكن تلك كلمات روحانية عابرة، بل كانت إعلان تمرّد على منظومة الشرك بكل أوجُهِها، وفي مقدمتها منازعة الله في الحق الحصري بالتشريع، فالحاكمية لله ليست فقط مبدأً عقديًا، بل هي حجر الزاوية في معركة الإنسان مع الطغيان، مع كل “ندٍّ” يريد أن يكون مشرِّعًا من دون الله.
* الحاكمية: التوحيد في بُعدِه السياسي
الحاكمية في أصلها تعني المرجعية العليا في الأمر والنهي، في التحليل والتحريم، في وضع القوانين التي تنظم حياة البشر. وحين يقرر القرآن الكريم أن ﴿إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ﴾ (يوسف: 40)، فهو لا يُعلن فقط عن تفرد الله بالخلق، بل بتفرده في التشريع، ورفض كل من ينازعه هذا الحق.
– إن حصر حق التشريع بالله هو جوهر العبودية الحقّة، والاعتراف بأي مرجعية تشريعية تناقض وحي الله هو عين الشرك السياسي، سواء تجسّد ذلك في برلمانات “ديمقراطية” تشرّع ما يخالف أمر الله، أو أنظمة سلطوية تعبّد الناس لأهواء الحاكم المستبد.
* الديمقراطية الحديثة: شرك مُعولم بنكهة شعبية
يُروّج للديمقراطية الغربية اليوم كأنها النظام المنقذ، مرادف للحرية والعدالة، لكن في جوهرها تضع “الشعب” مكان الإله، السيادة فيه ليست لله، بل للشعب، يقرّر الناس ما يشاؤون، حتى لو ما حرّم الله. تُشرَّع الزنا تحت لافتة “الحرية الشخصية”، وتُبارك العلاقات الشاذة باعتبارها “حق إنساني”، ويُمنع تعدد الزوجات لأنه “تمييز”، وكل ذلك بقرارات برلمانية تُعدّ “مقدّسة” لأنها “نابعة من الإرادة الشعبية”.
أليس هذا شركًا في حق التشريع؟ أليس استبدال الوحي بالإجماع البشري شكلاً من أشكال عبادة الطاغوت الجماعي؟
قال تعالى: ﴿أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُم مِّنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَن بِهِ اللَّهُ﴾ (الشورى: ٢١)، وهذا شرك، حتى وإن غُلِّف بغلاف القانون والدستور.
* السلطوية: صنم آخر باسم “ولي الأمر”
لكن المقابل السلطوي ليس أفضل حالًا. بل هو وجه آخر للشرك السياسي. حين يُقدّس الحاكم ويُجعل “ظل الله في الأرض”، وتُمرّر قراراته كأنها وحي من السماء، ويُستدل على طاعته بما يتجاوز حدود الشريعة، فنحن أمام تأليهٍ صريحٍ للسلطان.
– في السلطويات، تتحول الفتوى إلى أداة لخدمة السلطة، وتصبح طاعة الحاكم مقدَّمة حتى على النص القرآني، ويُحرَّم النقد باعتباره “فتنة”، ويُخوَّن المعترض لأنه “خارجي”. هكذا تُصاغ الطاعة كدين، وتُحاك الشرعية السياسية من خيوط التزوير الديني، ليُعبَد الحاكم باسم الإسلام… أنظر إلى الأنظمة المحيطة فهي أمثلة تطبيقية على ما أقوله… أليس كذلك؟
* الحاكمية لله وحده: لا ديمقراطية ولا ديكتاتورية
التوحيد الخالص لا يعرف إلا مرجعية واحدة: (وحي الله) لا الأغلبية تملك أن تحلّ ما حرّم الله، ولا الحاكم يملك أن يشرّع ما لم يأذن به الله، وحده الوحي هو الذي يحدّد الحلال والحرام، والمشروع والممنوع. ﴿اتَّبِعُوا مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ وَلَا تَتَّبِعُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاءَ﴾ (الأعراف: 3)، هذا لا يعني رفض الشورى، أو تجاهل إرادة الناس، بل يعني أنّ الناس يُستشارون في ما لم يرد به نص، ولا يجوز لهم مخالفة النص بدعوى التطوّر أو “حقوق الإنسان”.
* الطاغوت المعاصر: من يصوغ القوانين؟
من هو الطاغوت في عصرنا؟ هو كل من يضع نفسه مشرّعًا من دون الله:
• هيئة تشريعية تقرر ما يخالف شرع الله.
• حاكم فرد يُنصّب نفسه معيارًا للحق والباطل.
• حزب أو حركة تعلن السيادة المطلقة للشعب.
كل هؤلاء – وإن اختلفت أسماؤهم – يشتركون في أنهم صادروا حق الله في التشريع، وادّعوا لأنفسهم ما هو لله وحده، وهذا هو لبّ الشرك السياسي المعاصر.
* الدعوة اليوم: التبرؤ من كل حكمٍ لا يُحكّم شرع الله
المرحلة تفرض وضوحًا لا مواربة فيه:
لا بد من التبرؤ من كل نظام لا يجعل مرجعيته العليا القرآن والسنة.
لا فرق بين نظام ديمقراطي يشرّع الشذوذ، وسلطوي يمنع الصلاة في السجون، كلاهما طاغوت. كلاهما يُزاحم الله في حقّه.
قال ابن تيمية: “من أطاع أحدًا في معصية الله فقد عبده من دون الله”.
فهل بقي شك في أن معركتنا اليوم عقائدية؟ بين من يوحّد الله في حكمه، ومن يشرّع للناس دون وحيه، مع الأخذ بعَين الاعتبار أنّ هناك تفاصيل كثيرة تُراعى في عصرنا تصب في خانة مصلحة الأمة… ولكم مني التحية والمحبة والسلام.
* عنوان مقالة الغد إن شاء الله: “الإسلام كبديل حضاري: ملامح المشروع التوحيدي المعاصر”
* اللهم الطُف بعبادك المؤمنين المستضعفين يا رب العالمين، اللهمّ فرجًا قريبًا من عندك يا الله.
* مقالة رقم: (2015)
* 13 . محرّم .1447 هـ
* الثلاثاء . 08.07.2025 م
باحترام: د. محمد طلال بدران (أبو صهيب)

