الرئيسيةشعر وشعراءمقالات

هَمْسَةٌ / أ.د. لطفي منصور

التَّآلُفُ وَالتَّنافُرُ وَالْحُبُّ:
هذا السُّلُوكُ الْبشَريُّ تَضْرِبُ أطْنابُهُ مُنْذُ وُجُودِ الْإنْسانِ الْعاقِلِ عَلَى هذا الْكَوْكَبِ، تَآلَفَ النّاسُ وَتَوادَدُوا وَالْتَأَمُوا وَاتَّحَدُوا وَاتَّفَقُوا وَتَراحَمُوا.
وَفي الْوَقْتِ نَفْسِهِ تنافَرُوا وَاخْتَلَفُوا وَتَباغَضُوا وَافْتَرَقُوا وّافْرَنْقَعُوا.
شَيْءٌ وَضِدُّهُ وِفْقَ الْقانونِ الَّذي يَحْكُمُ هَذِهِ الدُّنْيا. كَالنُّورِ والظُّلْمَةِ، والْحَرارَةِ والْبُرودَةِ، والْقُوَّةِ والضَّعْفِ، وَالطُّولِ والْقِصَرِ ، والْخَيْرِ وَالشَّرِّ إلى ما لا نِهايَةَ لَهُ.
يَتَآلَفُ النّاسُ إذا أَحَبَّ بَعْضُهُمْ بَعْضًا، لَيْسَ لِأََجْلِ مَصْلَحَةِ، لِأَنَّ الْمَصالِحَ تُسَبِّبُ الْخِلافَ مَهْما طالَ الزَّمَنُ، وَامْتَدَّتِ الشَّراكَةُ.
يَتَآلَفُوا لِأَنَّهُمْ يُحِبُّونَ وَطَنَهُمُ الَّذِي يَنْتَمُونَ إلَلَيْهِ وَيُضَحُّونَ في سَبيلِهِ بِدِمائِهِمْ. وَشَعْبَهُمُ الَّذي يَجْمَعُهُمْ بِأَبٍ واحِدٍ، وَتُراثَهُمْ الَّذِي هُوَ جُهْدُ الْآباءِ، وَإذا ما ارْتَقَوْا بِعُقُولِهِمْ أَحَبُوا الْآخَرَ لِأَنَّهُ شَرِيكُهُمْ بِالْإنْسانِيَّةِ وَ الْبَشَرِيَّةِ، وَلَهُ الْحَقُّ بِالْحَياةِ مِثْلَهُمْ.
أَمّا الْخِلافُ بَيْنَ الْبَشَرِ فَهُوَ مَعْرُوفٌ وَهُوَ أَسْهَلُ مِنَ التَّوادُدِ.فَأَيُّ إنْسانٍ يَسْتَطِيعُ في ساعَةٍ واحِدَةٍ أَنْ يَجْعَلَ كُلَّ الْعالَمِ أَعْداءً لَهُ، بَيْنَما تَمْضِي سِنُونَ حَتَّى يَجِدَ الْإنْسانُ شَخْصًا يَوادُّهُ وَيَرْكَنُ إلَيْهِ.
وَهَذا يُذَكَِرُنِي بِبَيْتَيْ الْمُتَنَبِّي:
– وَلَمّا صارَ حُبُّ النّاسِ خِبًّا
جَزَيْتُ عَلَى ابْتِسامٍ بِابْتِسامِ
– وَصِرْتُ أَشُكّ فِيمَنْ أَصْطَفِيهِ
لِعِلْمِي أَنَّهُ بَعْضُ الْأَنامِ
لَكِنْ كَيْفَ نَصِلُ إلى الْحُبِّ. حَتَّى الْآنَ لَمْ يَصِلُ عُلَماءُ اللُّغَةِ وَلا حَتّى الْفَلاسِفَةُ إلى تَعْرِيفِ الْحُبِّ، تَمامًا كَما لَمْ يَصِلُوا إلى تَعْرِيفِ النَّفْسِ وَالرُّوحِ وَالْعَقْلِ . السَّبَبُ واضِحٌ فَالْحُبُّ لَيْسَ مادَّةً. أَعْنِي الْحُبَّ الْعاطِفِيَّ. فَلَوْ كانَ مادَّةً لَأَصْبَحَ حاجَةً، والْحاجَةُ ضَرورَةٌ كَالشَّرابِ وَالطَّعامِ وَغَيْرِ ذَلِكَ.
الْحُبُّ رُوحٌ وَوَحْيٌ وَإلْهامٌ وَكَرامَةٌ وَاحْتِرامٌ وَلَيْسَ حاجَةً. لا يَعْرِفُهُ إلّا مَنْ ذاقَ لَوْعَتَهُ، كَوَجَعِ الْأَسْنانِ لا يَعْرِفُهُ إلّا مَنْ جَرَّبَهُ.
يُمْكِنُ أَنْ أُقَرَّبَ مَفْهُومَ الْحُبِّ مِنْ كَلِماتٍ وَجَدْتُها مَكْتُوبَةً في الزَّمَنِ الْقَدِيمِ عَشَّشَتْ في فِكْرِي لِهَذا النَّسيجِ الرّائِعِ :
شَقْشَقَ الْفَجْرُ
كُلَّما تُحَدِّثُني سَيِّدِي
يُشَقْشِقُ فَجْرِي
تَنْفَجِرُ يَنابيعُ الْعِشْقِ
جَداوِلَ حَنانْ
يَشْرَئِبُّ في عُنُقِي الشَّوْقْ
يُشْعِلُ الْقَلْبَ
يَمْتَلِكُ الْوِجْدانْ
يُداعِبُ صَوْتُكَ أَثِيرَ الْفُؤادْ
يَخْطُفُ خافِقِي سِحْرُ الْكَلامْ
يا أَوَّلَ حُبٍّ!
أَعْظَمَ حُبٍّ!
عاشَ بِالْوَرِيدْ
أَزْهَرَ بِالشِّرْيانْ
إلَى هُنا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق