شعر وشعراء

فـي بـلاد الْجِــنّ الشاعر حسن منصور

الــلـيــلُ ظِــلٌّ فـــوقَــنا مَــمــدودُ || والنَّجْــمُ في جَــوْفِ السّحابِ فَقيدُ
وَالبدْرُ يَحْــبـو في السّحابِ كـأنّهُ || شَــيـخٌ ضَعــيـفٌ تـائِـهٌ مَـــكْــدود
تَبدو بِسِحْـنـتِـه الْهُـمومُ مَـفـــاوِزاً || فـي كـلِّ نـاحِـــيـةٍ بِهـــا أُخْــــدودُ
وبِـه ذُبـولٌ في اصْفــرارٍ بـاهِـتٍ || كالعــيْنِ يُطـفئُ حُـسنَها التّـسْهـيـد
لَم يُرسِلِ الأنْوارَ في غَسقِ الدُّجى|| فالْجـــوُّ أغْـــبـرُ واللّـيالِي ســودُ
والسُّحْبُ تَجري في الفَضاءِ كأنَّها|| خـيلٌ عَـلَتْهـا الْجـنُّ فهْـيَ شَرود
والنّاسُ ينظرُ جَـمْعُهُم نَحوَ السّما || مُـتَسائلــينَ: إلامَ نَحـــنُ رُقــــود؟
الْجِــنُّ ترقُصُ في السَّماءِ طَليقـةً || ولَـهـا عــلى الأعْـناقِ ثَـمَّ صُعـود
وصِياحُـها يَعـلـو على أصْواتِــنا || فـتَـضـيعُ لا يـبْــدو لَـهـــا تَرْديـــد
تَطغى وتَحْـرِمُنا الضّياءَ فلم نَعُـدْ || ندري: أهــذا الـلّـيلُ فـيه خُـــلـود؟
نَمْشي على الأرضِ التي جُعِلتْ لنا || سكَــناً وفـي أرْجـائِهــا تَمـهــيد
نتَـلمَّسُ النّورَ الذي يَهدي الْخُطى || إنْ كـان للأنْـــوارِ قـــامَ وُجـــود
**********
كــلٌّ يسـيرُ وعــــيْـنهُ مُشْــتـاقـــة || والقــلــبُ يصْـبرُ والرّجـاءُ يَقـود
يَمـشي ويَحْـلــمُ بالْحـياةِ جَــمـيـلةً || وبأنَّـهُ رغـــمَ الظّـــلامِ سَـعـــيـد
ويقولُ: لنْ يبقى الظّلامُ مُـلازِمي || فـكــأنّـهُ في هـــامَــتي مَــعْـقـود
لا بدَّ أن أمضي إلى الــنّورِ الذي || فـــيـهِ تَـفَــــتَّــحُ أنْجُـــــمٌ ووُرود
سأرى هـنالــكَ أنّني مُـتَـحـــرِّرٌ || في عــالـَــمٍ لَم يبْـقَ فـيه عَــبـيــد
في عـالَـمٍ فـيه الأُخُـوّةُ شِــرْعَـةٌ || لا ذِلّــــةٌ وتـسَــــلّـــطٌ وقُــــــيـود
***********
لكــنَّـهُ يصْحــو على أحْـــلامِــه || وقــدِ اسْــتَحــالَ رُواؤُها الْمَعْـهـود
والْجِــنُّ ترصُدُ خَطْوهُ مَحْـمومةً || نَظَــراتُهــا أوْ ضِـحْـكُــهـا تَهــديــد
في كـلِّ حـينٍ يرْتَــإِيهـا خَــلْــفَـهُ || تَسعـى بِهــا أحْـــقـادُهـــا وتَـكــــيد
تُحْصي عــلـيْهِ بَسْـمةً في ثَغــرِه || ويَـغـيــظُهـا إنْ لاحَ فــيـه سُــعـود
وإذا تَكــلّمَ أرْهـفَــتْ أسْـماعَـهــا || تقْــفــو الكـلامَ سَــريـعَـةً وتَـصــيد
تَخِـذتْ منَ اللّيلِ البَهـيـمِ سِتارَها || فَـعــيـونُهـا خَـلـفَ الظـلامِ حَـــديـد
تَرْنو إِلـيهِ إذا تَـحـــرّكَ خُـطْــوَةً || ليَعــودَ وهــوَ بِقَــيْـدِها مَـصْفـــود
ويُســـامُ ذلاًّ لا مَــــذَلّـــةَ بَـعــدَه || والـرّفْـــقُ والإحْـسانُ عــنهُ بَعــيـدُ
**********
في مثلِ تلكَ الأرضِ يصْعُبُ عيْشُنا || والْجـنُّ تطْـغى فــوقَـهـا وتَسود
وحُـقـوقُــنا مهْـضومةٌ ونُفـوسُـنا || مسْــحـوقَةٌ، وصَحــيـحُـنا مَــفْـئــودُ
والْجِــنُّ تَمـتـصُّ الدّماءَ وتـدَّعي || أنّ الـلّـصوصَ عـن السّــلامِ تَـذود
مِن أينَ لِي أرْضٌ أَعـيشُ بِجَوِّها || حُـــرّاً، كـمــا رَبُّ السّــمـاءِ يُريــد
لا الْجــنُّ تُـرهِـبُـني ولا قـــيْــدٌ يُكـبّــــلُـــني، ولا ظُـــلْمٌ ولا تَـنْـكـــيــد
طـالَ الـزّمــانُ وهـــذهِ آمــالـــُنا || لَهَـــبٌ يَضِـجّ حَـسـيــسُـه ورُعــود
إعْــصارُ نارٍ لا يُطيـقُ جَحـيـمَهُ || بَحـرٌ، ولا تَـقْــوى عــلـيْه الـبـيــــد
يَجْتاحُ أرضَ الْجنِّ يَحْـرقُها لكيْ || نَحــيا عــلـيْـهـا والـــتُّرابُ جَـــديـد
بيْـضاءَ ناصِعــةً تـألَّـقَ بِشْـرُهــا || إذْ زالَ كــابــوسٌ وقَـــرَّ طَــــريــدُ
مِنْ بعْدِ أنْ رحَلَ الظّلامُ وأشْرقَتْ|| أنـوارُهــا وصَــباحُــهـا الْمَـشهــود
لَم يَـبْـقَ لـلـجِــنّ اللّعـيـنَةِ موْضِعٌ || فــيــهــا وَلا لِــنُـفـــوذِهـــا تـأْيــيــدُ
يا حُــسْنَها إذْ ذاكَ في قـلـبٍ هَـفا || لـلـعـدْلِ وهْــوَ مُـعــذَّبٌ مَـجْـهــــودُ
ضَحكَتْ لهُ الدّنْيا وهانَ عسيرُها || وسـعى إلــيْهِ حُــلْــمُـهُ الْـمَـنْـــشود
فـلْيَـبْـدَأ الْعُــمـرَ الْجَـديـدَ مُغَــرِّداً || حُــرّاً يُرَفْــرفُ والْـهَــنــاءُ رَغــيـدُ.

الشاعر حسن منصور
من المجموعة السادسة، ديوان (عندما يكبر الأسى) ط2 دار أمواج للطباعة والنشر والتوزيع عمان – ص23

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق