مقالات
خيارات “حماس” ما بعد قرار عقد المجلس الوطني
تقدير موقف
خيارات “حماس”
ما بعد قرار عقد المجلس الوطني
إعداد: هاني المصري
لجنة السياسات في مركز مسارات
10 آذار/مارس 2018
لقد قررت اللجنة التنفيذية للمنظمة دعوة المجلس الوطني لإنعقاد جلسة عادية في نهاية نيسان القادم، أي بدون دعوة حركة حماس والجهاد الإسلامي للمشاركة، ما يعتبر تطوراً نوعياً مطروح على حماس التعامل معه، هذا من جهة.
ومن جهة آخرى مرّ أكثر من عام على انتخاب القيادة الجديدة لحركة حماس (إسماعيل هنية، يحيى السنوار، صالح العاروري)، والإعلان عن الوثيقة السياسية التي أقرتها الحركة، التي اعتبرت تطورًا ملموسًا – وإن لم يكن كافيًا – وشكلت تجاوزًا عمليًا للميثاق المعتمد منذ تأسيسها.
كما شهدت الفترة ما بعد انتخابات “حماس” الأخيرة، معطيات ومتغيرات وتطورات عديدة، محليًا وعربيًا وإقليميًا ودوليًا، انعكست على سياسات وتحالفات الحركة على مختلف الصعد المحلية والعربية والإقليمية. وكان لا بد من إجراء عملية تقييم وتغيير حتى تبقى “حماس” لاعبًا مهمًا، خصوصًا بعد سقوط جماعة الإخوان المسلمين في مصر، وانتخاب دونالد ترامب خلفًا لباراك أوباما، الذي تبنت إدارته مقاربة مختلفة تقضي بدعم الدول الاستبدادية القائمة خلافًا لسلفه الذي دعمت إدارته التغيير من خلال تشجيع ما سمته “الإسلام المعتدل” ضد “الإسلام المتطرف”، وما يتطلبه ذلك من تغيير الأنظمة القائمة.
الآن، تحتاج “حماس” خصوصاً بعد فشل اتفاق المصالحة لتقييم سياستها المعتمدة من قيادتها الجديدة، ورؤية هل نجحت، أم فشلت، أم ما بينهما، لتكريس الخيارات المعتمدة، أو لتعديلها، أو لتبني خيارات جديدة.
يعزز أهمية التقييم أن العام المنصرم شهد استمرار الحصار الخانق على قطاع غزة، وفرض الإجراءات العقابية من السلطة واستمرارها، وانفتاح في علاقات “حماس” و”تيار دحلان”، وما أدى إليه من غضب وتوتر في علاقاتها مع قطر وتركيا، الأمر الذي ساهم في تخفيض مستواها ودعوتها إلى ما قبل اللقاء مع دحلان. وتحسنت العلاقات الحمساوية مع مصر على مستوى التعاون الأمني، ومع وإيران وحزب الله، مع خطورة الأثمان المترتبة على ذلك لجهة غضب المحور الآخر.
كما شهد أيضًا إقدام “حماس” على حل اللجنة الإدارية، وعقد اتفاق تمكين الحكومة في شهر تشرين الأول الماضي، على أمل أن يؤدي ذلك لرفع الحصار أو تخفيفه بشكل جدي على الأقل، بالترافق مع ممارسات وتصريحات إيجابية من السنوار لاقت استحسانًا وطنيًا واسعًا.
استعصاء مسار المصالحة
لقد حصلت الجهود لإنجاز تمكين الحكومة في قطاع غزة على ضوء أخضر إسرائيلي أمريكي دولي، تم تصويره وكأنه رفع للفيتو الأميركي الإسرائيلي عن المصالحة، في حين أنه في الحقيقة محاولة لإعادة سيطرة السلطة على القطاع، وذلك للحؤول دون انهياره وانفجاره تحت وطأة المعاناة الهائلة، لإسقاط سلطة حماس أو على الأقل عزلها واحتواءها لتمهيد الطريق أمام “صفقة ترامب” التي تتضمن حلًا نهائيًا للقضية الفلسطينية من المتوقع أن يحتل القطاع محورها باعتباره مركزًا للكيان الفلسطيني الذي يمكن أن يسمى “دولة” وما هو بدولة، وإنما حكم ذاتي يسمى “دولة”، يربط ما بين القطاع والمعازل المأهولة بالسكان في الضفة، التي تضم حاليًا المناطق المصنفة (أ) و(ب)، ويمكن أن تضم إليها الأحياء المقدسية بحيث تسمى “القدس الجديدة”، عاصمة الدولة العتيدة، إذا قُدِّرَ لهذه “الصفقة” النجاح، وليس قدرًا أن تنجح، بل يمكن إحباطها اذا توفرت الشروط اللازمة لذلك.
يمكن القول بدرجة لا بأس بها من الثقة أن “حماس” تراجعت خلال العام الماضي خطوة إلى الوراء، حققت بسببها إنجازًا نسبياً مؤقتاً لها عندما رمت المسؤولية عنها، عندما مكنت الحكومة من تسلم الوزارات والمعابر، لأن هذه الخطوة حالت دون انفجار شعبي في وجهها، فهي السلطة الحاكمة في القطاع التي لم تستطع (بغض النظر عن الأسباب وأنها وثيقة الارتباط بالتآمر ضدها من أطراف عدة) رفع الحصار وتأمين الحياة المعيشية الملائمة، حيث تدهورت الخدمات الأساسية، وخصوصًا الكهرباء والماء والصحة والتعليم وحرية الحركة من وإلى القطاع، ووصلت البطالة الى حد ينذر بالخطر الشديد.
كما لم تستطع “حماس” جعل القطاع قاعدة لحماية وانطلاق المقاومة لاستكمال تحرير فلسطين، بل أصبحت المقاومة وكأنها أداة للصراع الداخلي، ولحماية سلطتها أكثر ما هي وسيلة للتحرير، بدليل أن الهدنة طويلة الأمد باتت واقعًا مستمرًا ومطلبًا. ولم تقدم سلطة “حماس” نموذجًا للسلطة يحترم سيادة القانون والديمقراطية، ويحقق المشاركة والتعددية والمساءلة والشفافية واحترام حقوق الإنسان وحرياته.
ومع ذلك، لا يجب إنكار أن “حماس” ومعها القوى الأخرى وشعبنا في قطاع غزة صمدت في وجه الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة، وجعلت إعادة احتلال القطاع ليست نزهة، إضافة إلى أنها وفرت درجة جيدة من الأمن والأمان، وبدأت حملة لمكافحة الفساد، والانفتاح على القوى الأخرى والمجتمع المدني وعلى “تيار دحلان”، لدرجة عقد أكثر من اجتماع لأعضاء المجلس التشريعي.
لم تتغير المعطيات الأساسية خلال هذه الفترة، فلا يزال القطاع تحت الحصار الخانق، ولم تتحقق المصالحة، وأزمة “حماس” لم تجد حلًا، بل تفاقمت من بعض النواحي، بدليل أن أحد مبررات الحركة للتخلي عن الحكومة سقطت، وهي أنها تفعل ذلك لحماية المشروع الوطني والمقاومة، والسؤال كيف يمكن تحقيق ذلك من خلال الشروع في تمكين حكومة لا تزال ملتزمة بـ”أوسلو” والتزاماته السياسية والأمنية والاقتصادية.
كما لا تزال “حماس” تسيطر فعليًا على القطاع، وتتحمل المسؤولية عما يحدث فيه، ولا يزال معبر فتح مغلقًا في معظم الأيام. أما الحكومة فلم تدفع رواتب أو سلفًا للموظفين، حتى المدنيين منهم الذين وظفتهم “حماس”. على حماس أن تدرك أن الجمع ما بين المقاومة وسلطة أوسلو مستحيل، وعليها الاختيار بينهما أو عليها أن تسعى لتغيير السلطة حتى تصبح سلطة مقاومة أو مجاورة للمقاومة.
كان على “حماس” أن تصرّ على أن يتضمن اتفاق المصالحة للاتفاق على إستراتيجية وطنية جديدة، وعلى تجسيد شراكة حقيقية في مؤسسات السلطة/الدولة والمنظمة.
في المقابل، لم يحقق اتفاق المصالحة الوحدة، بل هو أشبه ما يكون بإدارة للانقسام، ولم يتغير هذا الواقع رغم اجتماع الفصائل الذي عقد في شهر تشرين الثاني الماضي في محاولة لإنقاذ المصالحة المتعثرة ورغم الزيارة الثانية للوفد المصري للقطاع، ورغم القرارات الأميركية بخصوص القدس، ونقل السفارة، و”الأونروا”، ومكتب المنظمة، والمساعدات الأميركية للسلطة، وما يدل عليه ذلك من الشروع الأميركي الإسرائيلي في تطبيق “صفقة ترامب”، قبل طرحها، التي تشير الدلائل إلى أنها لا تهدف للتوصل إلى تسوية، حتى ولو غير متوازنة، بل إلى فرض الحل الإسرائيلي على الفلسطينيين. وهو ما كان يوجب الإسراع في وحدتهم على أساس إستراتيجية قادرة على مواجهة التحديات والمخاطر التي تهدد القضية الفلسطينية وتوظيف الفرص المتاحة.
وبدلًا من ذلك، عُقِدَ المجلس المركزي للمنظمة من دون مشاركة حركتي حماس والجهاد الإسلامي، مع أن السعي لحضورها أو حرصها على المشاركة أفضل أو أقل سوءًا من عدم الدعوة أو المقاطعة، واتخذت اللجنة التنفيذية قرارًا بعقد المجلس الوطني بجلسة عادية في الثلاثين من شهر نيسان القادم، أي من دون مشاركتهما، الأمر الذي إذا نفذ سيعتبر ضربة كبيرة لجهود المصالحة من شأنها تكريس الانقسام إن لم تؤدِ إلى ما هو أسوأ.
خيارات “حماس”
إن الخيارات التي يمكن أن تملكها أو تطرحها “حماس” تبدو محدودة وصعبة التطبيق، وهذا يظهر من خلال السيناريوهات المُحتملة، التي يمكن عرضها كما يأتي:
السيناريو الأول: استمرار السعي لإنجاح جهود المصالحة
هذا السيناريو هو المقر داخل “حماس” حتى الآن، ما قبل إقرار موعد عقد المجلس الوطني، وهو الذي أبلغ إسماعيل هنية القوى الأخرى به أثناء لقائه بها بعد عودته وزملائه من الزيارة الطويلة إلى القاهرة، حيث شهدت اجتماعات داخلية لقيادة “حماس”، وبينها وبين جهاز المخابرات المصرية.
ويتضمن هذا السيناريو/ الخيار استمرار السعي لإنجاح جهود المصالحة، وبلورة اتفاق وطني لإسقاط “صفقة القرن”، والاستعداد للمقاومة وتفعيلها في وقت مناسب متفق عليه وطنيًا، ومواصلة العلاقة مع تيار دحلان، ولكن على مستوى اللقاء بزملائه من دون اللقاء به، مع حصر العلاقة تحت سقف المسائل الإنسانية، وخصوصًا تفعيل لجنة التكافل المجتمعي، والدعوة إلى عقد مؤتمر وطني للإنقاذ.
يتراجع احتمالات نجاح هذا السيناريو بعد القرار بعقد المجلس الوطني من دون “حماس” و”الجهاد”. وسيتعزز إذا لم ينفذ قرار اللجنة التنفيذية بعقد المجلس الوطني جرّاء خلافات “فتح” حول مخرجاته، أو لحدوث تطورات أخرى نوعية تستدعي تغيير التوجه نحو عقد المجلس قبل تحقيق الوحدة، مثل طرح “صفقة ترامب” من دون تعديلها، أو تطبيقها بتسارع من دون طرحها رسميًا، كما يحصل فعلًا حتى الآن. وفي هذه الحالة، ستتواصل الجهود لإنجاز المصالحة التي لم تتجاوز عمليًا حتى الآن سقف إدارة الانقسام.
السيناريو الثاني: تعميق الانقسام والصراع على “الشرعية”
ستزداد إمكانية هذا السيناريو إذا مضت المنظمة في تنفيذ قرارها بعقد المجلس الوطني بمن حضر، ويبدو أنه الأكثر احتمالًا، إذ لا توجد عقبة بعد نجاح بروفة عقد المجلس المركزي، إلا إذا لم تتفق حركة فتح، خصوصًا اللجنة المركزية، على مخرجاته سلفًا مثلما حصل في العام 2015، (وهذا احتمال صغير لحاجة الرئيس وفتح للشرعية التي يمثلها عقد المجلس الوطني وللتفويض الذي سيمنحه لاستمرار الرئيس على رأس لجنة تنفيذية جديدة في معظم أعضائها)، إذ لم يعقد المجلس الوطني جراء الخلافات في صفوف اللجنة المركزية حول من سيمثلها في اللجنة التنفيذية القادمة.
إن نتائج دورة المجلس القادمة سترسم إلى حد كبير معالم مرحلة ما بعد محمود عباس، لا سيما بعد المأزق الذي يمر به برنامج أوسلو والرهان على المفاوضات في ظل ميزان قوى مختل لصالح الاحتلال وحلفائه، وفي ضوء قرارات إدارة ترامب، ووصول عمر الرئيس في هذا الشهر إلى ثلاثة وثمانين عامًا في ظل ظهور معالم وأمراض الكبر عليه، ما قد يطرح التنافس على خليفته أو خلفائه.
ستكون “حماس” بحاجة إلى عمل شيء إذا عقد المجلس الوطني الانقسامي بمن حضر ومن دونها، وربما ستكون مضطرة إلى عقد، أو تشجيع عقد، مؤتمر وطني، وتحديد أهدافه والمشاركين فيه، والخروج بتشكيل جبهة تُسمى جبهة الإنقاذ الوطني.
سيأتي عقد هذا المؤتمر كردة فعل على عقد المجلس الوطني، ولكنه سيكون اما الخطوة ما قبل الأخيرة نحو الانشقاق وتشكيل منظمة تحرير بديلة أو موازية، أو خطوة لتشكيل جبهة معارضة لا تقطع شعرة معاوية مع المنظمة مثلما حدث سابقاً عند تشكيل جبهة الرفض وجبهة الإنقاذ، لكن بغض النظر عن الإعلان الرسمي الذي سيرافق عقده، اجتماعًا موازيًا للمجلس الوطني، وخطوة ستفتح الطريق لتعميق الانقسام وتحوله إلى انفصال من خلال امتداده إلى المنظمة وتأجيج الصراع على شرعية التمثيل، لا سيما إن كانت مخرجاته تشكيل جبهة للإنقاذ الوطني تشارك فيها “حماس” و”الجهاد” وفصائل أخرى وشخصيات مستقلة، بحيث تكون موازية للمنظمة من دون الإعلان بأنها بديلة أو موازية، بل تقديمها كخطوة على طريق استعادتها وإنقاذها.
هذا السيناريو رغم ما سبق لا يعني بالضرورة إغلاق الطريق أمام الجهود الرامية إلى إنجاز الوحدة، ولا عودة عن خطة تمكين الحكومة، ولكنها ستبدو أكثر وأكثر نوعًا من إدارة الانقسام وتنظيمه، والنجاح في تحقيق الوحدة سيُصبِح أصعب وأصعب.
ضمن هذا السيناريو، وهو الأكثر احتمالاً يمكن أن تتواصل الجهود لاستمرار المصالحة الشكلية لأن البدائل عنها أسوأ وأخطر، وسيتضرر اذا اعلنت اللجنة التنفيذية الجديدة استمرار سعيها لإنجاز المصالحة.
السيناريو الثالث: إقامة “دويلة” في القطاع
ايقوم هذا السيناريو على إقامة “دويلة” في القطاع بالتعاون مع تيار دحلان ومن يوافق من القوى الأخرى والشخصيات ومؤسسات المجتمع المدني، التي ستقدم كخطوة أولى على طريق تجسيد الدولة في الضفة والقطاع تمهيدًا أو كمرحلة أولى للتحرير الكامل. وقد يشهد هذا السيناريو عقد اجتماعات لأعضاء المجلس التشريعي، وتشكيل لجنة إدارية/حكومة لإدارة القطاع مشكلة من “حماس”، أو من “التشريعي”، أو من إطار أوسع ينبثق عن مؤتمر الإنقاذ الوطني.
ما يجعل مثل هذا السيناريو مطروحًا مع أنه مستبعداً تعثر المصالحة، واستمرار الحصار والإجراءات العقابية، عدا عن أن القطاع لا يحتمل البقاء طويلًا على وضعه الحالي؛ لأن إسرائيل لا تفكر جديا باحتلال القطاع نظرًا للخسائر المُحتملة، ولعدم وجود بديل عن سلطة “حماس” يمكن الوثوق بقدرته على ضبط الأوضاع، وحتى يتواصل الانقسام الذي تعتبره إسرائيل وبحق من إنجازاتها الكبرى، ولأن إدارة البيت الأبيض وحلفاءها يريدون إبقاء الطريق مفتوحًا لنجاح “صفقة” ترامب.
هذا السيناريو بحاجة حتى ينجح إلى التزام “حماس” بضبط الوضع في القطاع، ووقف بناء الأنفاق، وخصوصًا الهجومية، ووقف تطوير السلاح، وإتمام صفقة تبادل الأسرى بشروط مقبولة لإسرائيل، وصولًا إلى الاعتراف بها.
ما سبق صعب لكنه ليس مستحيلًا، إلا أن الاعتراف الحمساوي بإسرائيل مستحيل القيام به في وقت تبحث المنظمة مسألة سحب الاعتراف بإسرائيل، خصوصًا من دون توفر فرصة لتسوية تحقق شيئًا حقيقيًا للفلسطينيين، مثل تلبية حقوقهم أو بعضها، بل المطروح صفقة ترامب لتصفية القضية الفلسطينية.
كما أن هذا السيناريو يحتاج حتى ينجح إلى دعم عربي وإقليمي ودولي، خصوصًا مصري، وهو أمر من الصعب توفيره في ظل مواصلة العمل لإنجاح المصالحة حتى لو كانت شكلية واستمرت. فلا يزال الأمر المفضل حتى الآن هو عودة السلطة إلى القطاع.
لقد جُرِّبَ هذا السيناريو “دويلة في القطاع” بوساطة توني بلير وقطر سابقًا، وفشل، فإسرائيل تمسكت بمعادلة “هدوء مقابل هدوء”، وتمسكت بأن من يريد أكثر علية أن يدفع أكثر.
************
مناورات أخرى
هناك بعض المناورات التي تقوم أو يمكن أن تقوم بها “حماس”، أو تشجعها، لكسر الانسداد الذي تواجهه ما دامت لا تريد الاستسلام للشروط الأمريكية- الإسرائيلية للإعتراف بها، مثل التهديد بورقة المواجهة العسكرية مع الاحتلال، وإن كانت لا تريدها أبدًا، ولكنها قد تنزلق لها أو قد تراها أفضل من الانهيار والانفجار الذي سيأخذ في طريقه كل شيءأي يمكن أن تأخذ خيار شمشون “علي وعلى أعدائي يارب”.
كما يمكن تشجيع أو غض النظر عن تشكيل ما يسمى “مجلس الإنقاذ” المشكل من شخصيات محسوبة عليها، ودعم المبادرات الرامية إلى توجيه الانفجار الشعبي نحو إسرائيل، من خلال المظاهرات على الخطوط الفاصلة بين القوات المحتلة والمواطنين الفلسطينيين، والتحضير لمسيرات كبرى تحت عناوين مختلفة، مثل فك الحصار، أو مسيرة العودة، أو الجمع ما بينهما.
خاتمة
إن صفقة ترامب جاري تنفيذها سواءا اذا طرحت أو لم تطرح، وإن قطاع غزة كما مخطط له هو مركز الكيان الفلسطيني الذي سيقام في اطارها؛ لأن الضفة وخصوصاً القدس سيتم ابتلاع وضم معظمها لاستكمال اقامة اسرائيل الكبرى. في حين أن الجزرة التي ستقدم للفلسطينيين، الإعتراف بدولة فلسطينية ذات سيادة معنوية وفق اختراع نتنياهو، وسلام اقتصادي، ومشاريع كبرى ستركز في معظمها على قطاع غزة.
لذلك عدم انجاز الوحدة الوطنية واتخاذ خطوات احادية سواء بفرض العقوبات أو عقد المجلس الوطني، أو الإستمرار بالسيطرة الإنفرادية على قطاع غزة، يساعد على انجاح صفقة ترامب، أو إلى اقامة دويلة غزة التي ستكون خطوة أولى تمهد لها بحيث تسبق ربطها بمعازل الضفة.
ما سبق يوضح أن السيناريوهات المطروحة أسوأ من بعضها، والمفاضلة ستكون بين السيئ والأسوأ، ما يستدعي التفكير بصورة أعمق بخيار الوحدة باعتباره الخيار الوحيد المناسب والجيد مع صعوبته البالغة، وهو يتطلب من “حماس” الإعلان عن الاستعداد للتخلي الكامل عن التحكم بالسلطة الانفرادية بالقطاع، مقابل الشراكة الكاملة في مختلف المؤسسات الوطنية بعيدًا عن المحاصصة الفصائلية، وعلى أساس برنامج وإستراتيجية وطنية موحدة تحفظ الحقوق والمبادئ، وتمكن من مرونة الحركة السياسية، فلا يكفي أن تتنازل الحركة عن الحكومة وتبقى تتحكم بمصادر الحكم.
كما على “حماس” أن تكف عن انتظار تغييرات عربية وإقليمية، وعليها أن تركز على إجراء ما يلزم فلسطينيًا، عبر تعميق تعميق طابعها الوطني بوصفها جزءًا من الحركة الوطنية الفلسطينية، واحترام حقوق الإنسان وحرياته، والمبادئ والأسس الديمقراطية المكملة لمتطلبات تجسيد القضايا الوطنية، بحيث تعطي الأولوية لإنجاز العودة وتقرير المصير والسيادة والاستقلال الوطني لدولة فلسطين على أي شيء آخر.
وإذا لم تتجاوب “فتح” والرئيس مع هذا الخيار، يمكن تحشيد القوى والشعب من حماس وغيرها على أساس وطني وليس وراء “حماس”، وما يقتضيه ذلك من تقديم النموذج على استعداد “حماس” لاحترام الآخرين ومشاركتهم وليس اللجوء إليهم خدمة لمصالحها الفئوية الخاصة، وكلما تأزمت علاقاتها مع منافستها الرئيسيّة حركة فتح. إن النظرة الإلحاقية الاستخدامية للقوى الأخرى تجعل لا فرق ما بين “فتح” و”حماس”.
نفس الخيار مطروح على الرئيس و”فتح”، إذ عليهما توفير مقتضيات الخيار الوحدوي، عبر إنهاء سياسة الهيمنة والتفرد وتجاوز مؤسسات وقرارات الإجماع الوطني، ومغادرة مسار الرهان على التسوية المتفاوض عليها من دون امتلاك عناصر القوة والقدرة على فرضها. وفي هذه الحالة أيضاً، إذا لم تتجاوب “حماس” مع فتح تعزل نفسها، وبخاصة أن التنافس في احتكار السلطة والقيادة والقرار والدين والحقيقة والوطنية لم يقد ولن يقود سوى إلى الضياع.
طريق النجاة واضح، وهو طريق الاتفاق على حل الرزمة الواحدة الشاملة التي بحاجة إلى أدوات لتبنيها وتطبيقها، على أن يتم الحوار عليها وتطبيقها بشكل متوازٍ، ومن خلال جدولٍ زمنٍي متفقٍ عليه، بحيث يسير مسار توفير المستلزمات المعيشية والحقوق المدنية مع مسار تشكيل حكومة وحدة وطنية أو حكومة وفاق وطني، في سياق إعادة النظر بطبيعة السلطة وشكلها والتزاماتها ووظائفها لتجسد الدولة المتحررة من الالتزامات المجحفة، ومع مسار إعادة بناء مؤسسات المنظمة، بما فيها المجلس الوطني التوحيدي، والاحتكام إلى الشعب عبر الانتخابات.