شعر وشعراء

عندما يصهل الشاعر يحيى عطالله..! بقلم: شاكر فريد حسن

يحيى عطالله شاعر ملتزمومهموم بقضايا شعبه الوطنية، وصاحب حس شفاف ومرهف، عرفناه بقصائده الرقيقة الجميلة التي نشرها في الصحف المحلية.
يحيى سليم عطالله من بلدة يركا الجليلية، ولد العام ١٩٦٠، ويحمل اللقب الأول في اللغة العربية وآدابها وتاريخ الشرق الأوسط من جامعة حيفا، ويعمل مدرسًا للغة العربية في مدرسة يركا الثانوية.
يقرض الشعر منذ أكثر من ثلاثين عامًا ونيف، وشارك في عدد من الندوات الشعرية والامسيات الثقافية. صدر ديوانه الأول” صهيل” في العام ٢٠٠٩، وديوان”أغنية لأمي”العام ٢٠١٦.
يحيى عطالله منحاز للشعر الكلاسيكي، وتجمع قصيدته بين أصالة القديم وروعة الحديث، وبين الكلاسيكية والرومانسية، وما يميز شعره الصدق والاحساس المرهف، ويصور معاناتنا كشعب مستلب، ومسلوب الأرض والهوية باسلوب شاعري عذب شفاف وجميل.
وتأتي قصيدته صدى لانفعالاته ومشاعره، وتعبيرًا عن شخصه ونفسه المتمردة، وتختزل الواقع السياسي السائد بكل تناقضاته، وتجسد حالات الغضب التي يعيشها نتيجة ما آلت اليه أحوال أمتنا وغياب وحدة اقطارنا العربية، وتحمل جرح الوطن من فلسطين حتى بيروت وبغداد.
وهي بعيدة كل البعد عن الغموض والرموز والتعتيم، واسلوبه مجنح الى السهولة والانسيابية، والمجاهرة بوضوح، والبوح بكل صدق ورهافة حس. مع اتقانه البحور، والرنين والنغم الموسيقي الخلاب العذب في القافية.
يمتزج في قصائده الهم الذاتي بالهم الوطني العام، وتتنوع مضامينه بين الوطنية والمناسباتية والرومانسية والغزلية والوجدانية والانسانية، وتتشكل منها لوحة فنية ابداعية وسيمفونية متكاملة من الجمال الشعري الذي يتسرب الى وجدان المتلقي فيطربها بحماس ومتعة جمالية، ونجده في مختلف موتيفاته صارخًا، غاضبًا، مدويًا، صادقًا، شفافًا، فلنسمعه يقول في قصيدته”يا فرات”:
من أين يشفى الجرح أين دواؤه
في أي سحر خارق العنوان ؟
أبعودة الحجاج يقطف سيفه
رأس العقوق ولحية العصيان ؟
يضع النقاط على الحروف برمحه
وبه يؤلف سورة الإذعان ؟
أم في رجوع مظفر النواب من
منفاه منفيًا الى بغدان ؟
بالحب يرفد رافديه ويجتبي
في المذهبين براءة الايمان؟
تقول الدكتورة راوية بربارة عنه في مقدمة ديوانه “صهيل”:”هو حبر تأخر فوح طيبه، لكن أرج المسك يفضح صاحبه، ينشر شذا قوافيه ومعانيه، ويطل كاللؤلؤ من بحر القصيد. فالكلمة لا تحتفي بميلادها إلا إذا غمزتها عين القارىء، وحاورتها كلمات النقد، تراها، حينها، تختال على السطر، تطفىء شموع عيدها وتنطلق لتحيا.
وتضيف:”رغم تأخر شاعرنا في النشر، إلا أنه كالذبياني، تأخر ونبغ، خمر قصائده في جرار الكلاسيكية فذقنا نبيذ القصيدة المشتهى”.
ما يميز يحيى عطالله لغته المنسابة كخرير المياه العذبة، وتمكنه من بحور الشعر والأوزان الخليلية، فضلًا عن الصور الشعرية المبتكرة الخلاقة، واستخدامه المحسنات البلاغية، وانتقائه الكلمات بعناية فائقة.
شاعرنا يحيى عطالله يلجأ للكتابة كي يفرغ ما يختلج في صدره من مخزون الألم والوجع والحزن والهموم والفكر والفرح، فيسري الخيال ليرسم ما في عالمه من السحر والأوهام، فيقول في رائعته”أهيم ملء جنوني”:
أهيم ملء جنوني في هوى سفر
مر المسافة، بين الروح والحبر
إني مضيت، شراع الشعر يحملني
عبر الهواجس من بحر الى بحر
وقد فتحت على الأوزان خاصرتي
وسلت من مهجتي في العجز والصدر
وكم سهرت على عنات قافيتي
والنظم شاغلني عن طلعة الفجر
وراودتني ظلال الليل عن صور
وزاحمتني الرؤى من حيث لا أدري
وهو رقيق وناعم وعذب في غزله، فيقول في قصيدته”اعشقيني”المعبأة بالوهج والشحن العاطفي، دون تكلف أو صناعة:
جرعة أخرى وأثمل
فاعشقيني من شغاف الروح
واحتلي كياني
إنني ظمأ الهوى
وهواك للظمآن جدول
عانقي وجهي
وصبي من شفاه العشق في ثغري
فإني:
جرعة أخرى وأثمل
ويكتب الى حسناء بهرته وتكتفي بحسنها، ويريدها أن تكون حسناء مثقفة تحظى بنور الوجه والفكر، فيقول:
كل الجمال ثوى في وجهك النضر
ما منه أبقيت للتفاح والقمر
أنت المليحة والتفاح يهزمني
والشهد يغرقني في نشوة السكر
نعم أريدك حسناء مشعشعة
من صحوة النهد حتى لمعة الظفر
لكنما هل كفاك الحسن منطلقًا
لخوض معركة الأيام والبشر؟!
سلاحك العلم فلتمضي مسلحة
على الدروب إذا ساقتك للخطر
إن الجمال بلا علم يحصنه
يغدو عدوك يا سوقية الغرر
إني رأيتك في أوراق دالية
فهل أراك على أعتاب مختبر ؟!
ويخاطب الاخوة المقتتلين في غزة هاشم، ويتساءل من أين هذا العار، قائلًا:
لا تخجلوا لا تخجلوا
فتصارعوا مثل الديوك
ومتعوا المتفرجين
وتقاتلوا مثل النسور
على بقايا جيفة
وتخاصموا
ليطيب عيش العاذلين
وتحاربوا
وتقاسموا موتى المعارك
فرحوا أعداءكم
صبوا على أقدامهم ماء لطيفًا
أو دماء باردة.
ويناجي زوجته بمناسبة عيد الحب، الذي يبعث في دمه فرح الحياة وبهجة الروح:
العرش عرشك والفؤاد فؤادي
تيهي عليه بخفة وتهادي
وتمايلي طربا على نبضاته
إذ صار فيه النبض كالانشاد
قلب لعيد الحب يفتح قلبه
ماذا تراه يضخ في الأجساد؟
إلا ترانيم الغرام رهيفة
ورشيقة كأنامل العواد
هذا نشيد العشق يبعث في دمي
فرح الحياة وبهجة الاسعاد
ويكتب الى محمود درويش أغنية” زهر اللوز” والعنوان مشتق من اسم ديوان الدرويش”كزهر اللوز أو أبعد”، فيقول في مطلعها:
حد”البروة” يا محمود
زهر لوز البرية
وكل ما بيزهر بيعود
الشاعر يكتب غنية
ولا ينسى الجولان السوري العربي، فيكتب لأهله وشيوخه بمناسبة عيد الجلاء، قائلًا:
جولان وجهك قبلة بيضاء
وبهية دوما بك الأجواء
الثلج فيك يعيدنا ببهائه
لبهاء لون يكتسيه بهاء
بيض العمائم فيك سابحة على ال
هامات حيث شيوخها العقلاء
ولكل شيخ تحت كل عمامة
سر يعود اليه حين يساء
يحيى عطالله شاعر عميق الوجدان، يتصف باسلوبه المميز في الوضوح وسلاسة التعبير والحس المرهف، رقراق في كلامه، رقيقًا في مشاعره، بليغًا في معانيه، جميلًا في أشعاره، يرسم الشعر صورًا من الجمال، ويبدع في الوصف والتعبير، ويعيش الخيال بصورة الشعر البديع، فينعش الفكر ويغذي الروح، وتشع قصائده كأقمار الليل لتضيء عتمة الجهل، وتبث فينا التفاؤل والأمل، رغم البؤس والألم ورداءة الواقع.
فلشاعرنا اليركاوي يحيى عطالله خالص التحيات، والى مزيد من الابداع والألق.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق