الرئيسيةمقالات

ندوة للدكتور عزمي بشارة بعنوان: صفقة “القرن ” في سياق تاريخي

 

اعتبر مدير المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، الدكتور عزمي بشارة، في ندوة عن “صفقة القرن”، أن الولايات المتحدة حاولت تاريخيًا لعب دور الوسيط كدولة عظمى مع انحيازها الكامل لإسرائيل، لكن مبادرة دونالد الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، تبدأ من الصفر منقطعة عن المبادرات الأميركية السابقة، وهذا ما يميزها عنها، وهو ما وصفه على أنه “كسر” مع المبادرات السابقة، وبيّن أن إدارة ترامب قررت التخلي عن دورها كقوة عظمى ليس في فلسطين فحسب، وإنما في أماكن أخرى في العالم.

كما شدد د. بشارة على أن إسرائيل كانت دومًا هي الطرف الرافض للمبادرات الأميركية للتسوية، فيما عقد الزعماء العرب اجتماعًا خاصًا لتعديل مبادرتهم للسلام، بناء على طلب الإدارة الأميركية، التي طالبت أن تشمل بندًا يعترف بإمكانية تبادل الأراضي. وهو ما ينفي الادعاء القائل إن العرب يرفضون المبادرات السلمية، إذ مراجعة تاريخ المبادرات يظهر أن إسرائيل كانت دائمًا هي الطرف الرافض، بما فيها رفضها لمبادرة السلام العربية.

وقدّم د. بشارة محاضرة في المركز العربي في الدوحة تحت عنوان: “‘صفقة ترامب – نتنياهو‘: خطة اليمين الأميركي – الإسرائيلي لتصفية القضية الفلسطينية في سياق تاريخي”.

واستعرض بشارة تاريخ المبادرات الأميركية بشأن الصراع العربي – الإسرائيلي، بدءًا من مبادرة روجرز، التي بدأت تتعامل مع الصراع باعتباره قضية “ما ترتب على حرب حزيران”، انتهاءً بالمبادرة التي قدمها الرئيس باراك أوباما ووزير خارجيته جون كيري، والتي أفشلتها إسرائيل بسبب رفضها قبول شرط وقف الاستيطان خلال المفاوضات مع الفلسطينيين.

وأكد بشارة أن القائمين على الخطة الأميركية – الإسرائيلية لم يعلنوا عن “الصفقة”، وإنما باشروا بتنفيذها قبل الإعلان عنها مؤخرًا، إذ قاموا أولا بنقل السفارة الأميركية في إسرائيل إلى القدس، ولاحقًا اعلنوا “قانونية” البناء الاستيطاني في الأراضي المحتلة واعتباره ليس عائقا أمام السلام، وهو موقف أميركي جديد، كما يرى بشارة، يعبر عن الكسر مع المبادرات الأميركية السابقة، التي تعامل معظمها مع الاستيطان باعتباره عقبة أمام السلام وعملية غير قانونية.

بالإضافة إلى خطوات أميركية مثل وقف تمويل وكالة “أونروا” للاجئين، بما لها من تداعيات، ثم إغلاق مكتب منظمة التحرير في الولايات المتحدة، كنوع من الانقلاب على اتفاقيات أوسلو، التي تبعها افتتاح مكتب منظمة التحرير في واشنطن.

واعتبر بشارة أن ما كُشف عنه مؤخرا هو في الواقع “صفقة بين ترامب – نتنياهو” لدوافع انتخابية، إذ أنهما يتشاركان القواعد الاجتماعية ذاتها، لكنه شدد على أن الخطة تسعى لإنهاء قضايا الحل الدائم بالقوة، وعملا بـ”حق القوة” وليس بـ”قوة الحق”، أي أن الطرق القوي من حقه فرض الوقائع على الأرض.

ولفت بشارة إلى أن الخطة الأميركية – الإسرائيلية لم تستخدم كلمة “احتلال” مطلقًا، وتضمنت خطابا استعماريا وصائيا يعود للغة القرن التاسع عشر، ويتبنى السردية الصهيونية كاملةً، إذ خصصت فقرات لعلاقات اليهود التاريخية مع مدينة القدس منذ 3 آلاف سنة باعتبارها “مركزًا سياسيًا” و”عاصمة” لليهود منذ ما قبل الميلاد، في زمن لم تكن فيه عواصم ولا مراكز سياسية.

وأكد بشارة أن تبني السردية الصهيونية والتشديد على أمن إسرائيل وتجاهل معاناة الفلسطينيين نتيجة الاحتلال، سببه أن الخطة أعدها مقربو ترامب الذي يتبنون عقيدة صهيونية متطرفة، وهم صهر ترامب ومستشاره جاريد كوشنير، ومحاميه السابق في قضايا الإفلاس المستوطن ديفيد فريدمان، ومحاميه السابق جيسون غرينبلات.

كما أشار بشارة إلى اعتبار الخطة للأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967 كـ”أراضٍ مرهونة في حرب دفاعية”، أي تبني المفردات والخطاب والإسرائيلي بالكامل، الذي يعتبر الحروب الإسرائيلية كلها دفاعية، بما فيها حرب 1967 التي بادرت إليها إسرائيل بعدوان مفاجئ ضد دول عربية.

وأوضح بشارة طغيان لغة المستثمرين العقاريين على الخطة، من ناحية إيراد التفاصيل الدقيقة للمشاريع التي من المزمع إنشاؤها حسب البنود، بما فيها طرح أفكار مثل افتتاح مطاعم ومراكز تجارية للفلسطينيين وغيرها.

وأشار بشارة إلى مغالطات تضمنها نص الخطة الأميركية – الإسرائيلية. على سبيل المثال، فإن الخطة تشير إلى انسحاب إسرائيل من 88 في المئة من الأراضي التي احتلتها في حرب 1967، والقصد هو سيناء، التي تم التخلي عنها ضمن اتفاقية أحادية مع النظام المصري. كما تعتمد الوثيقة مصطلح “لاجئين يهود”، في إشارة إلى اليهود العرب ممن هاجروا إلى إسرائيل، مطالبة بتعويض إسرائيل عن تكاليف استيعابهم، وجعلهم بموازاة اللاجئين الفلسطينيين. وأوضح بشارة أن إسرائيل نفسها لا تعتبرهم لاجئين، وإنما “قادمين جدد”، مشيرًا إلى المغالطة الكبيرة في القفز عن الدور البارز للحركة الصهيونية، في محاولة إقناع هؤلاء اليهود بالهجرة إلى إسرائيل وأيضًا في تهجيرهم لحاجة الحركة الصهيونية بعد إقامة الدولة إلى أياد عاملة. واعتبر هذه المغالطات مجرد كلام سجالي لا يرقى إلى أن يكون مجادلة سياسية.

لكن في مقابل ذلك، تضمنت الخطة الأميركية الإسرائيلية إلغاء حق العودة لأي لاجئ فلسطيني، كإعلان صريح وغير مسبوق لإنهاء مسألة اللاجئين وحق العودة بالمطلق، فيما كانت إسرائيل خلال المفاوضات السابقة على استعداد لقبول بعودة بضعة آلاف من الفلسطينيين ممن هُجروا عام 1948، ولكن دون السماح للاجئين الذين خُلقوا بعد 1948.

ومغالطة أخرى تطرق إليها بشارة، هي أن الخطة تضمنت إمكانية الاستيراد المشروط من ميناء حيفا واسدود، لكنه أوضح أن هذا ما يحدث في الواقع الذي تفرضه إسرائيل كما هو الآن ولا يتضمن أي تنازل، إذ إن الفلسطينيين يستوردون منتوجاتهم إلى الضفة عبر حيفا واسدود.

كما لفت إلى مغالطة واضحة في النص بتضمنه لعبارة “لا تعتقد إسرائيل والولايات المتحدة أن دولة إسرائيل ملزمة قانونيًا بتزويد الفلسطينيين بمئة في المئة من الأراضي المحتلة”، حيث تشير لغة البيان هنا أنه لا يعبر عن موقف أميركي فقط، وإنما هو موقف أميركي إسرائيلي مشترك ومبادرة تمثل الإرادة الإسرائيلية.

وتناول بشارة طرح تبادل أراضٍ في الخطة، منها تبادل المستوطنات مع مناطق صحراوية في النقب ومنطقة المثلث. وأوضح بشارة أن هذا ليس تبادلا بالأراضي وإنما ترانسفير وتخلص من الكتلة الديموغرافية التي يمثلها هؤلاء الفلسطينيون.

وبيّن بشارة أن مصطلحات في الخطة مثل “عدم إخلاء أي يهودي أو عربي”، مرادفًا فعليًا لعدم إخلاء المستوطنات، لأن الفلسطينيين تم تهجيرهم أصلًا. وهو تجاوز في رأي بشارة حتى لأرئيل شارون، الذي تضمنت إستراتيجياته إخلاء بعض المستوطنات، أو كما حصل في غزة من إخلاء لكافة المستوطنات والمستوطنين.

وتطرق أيضًا إلى التحايل على مفهوم السيادة في الخطة، باعتبار أنه يجب أن يكون مفهومًا مرنًا كي لا يكون عائقًا أمام السلام، وهي في رأيه “مرونة” فقط عندما يتعلق الأمر بالفلسطينيين. وهو ما يؤكده الإصرار على وضع الأمن الإسرائيلي كشرط في معظم بنود الوثيقة.

وفي سياق الإشارة إلى احتواء المبادرة على “سيادة” كاملة لإسرائيل على الأراضي الفلسطينية و”الدولة” المزمع إنشاؤها، يشير بشارة إلى السيطرة الإسرائيلية الكاملة على المياه الجوفية، حيث يتم اعتبار المياه الفلسطينية مشتركة، على عكس المياه الجوفية الإسرائيلية. بينما تتيح “الصفقة” للجيش الإسرائيلي التواجد في المناطق الفلسطينية، بالإضافة إلى سيطرته حتى على الطرق في تلك الأراضي.

وخلص بشارة إلى القول إن ما تقترحه مبادرة ترامب هو باختصار الوضع القائم، وتشريع له، مع تشريع ضم 70 في المئة من أراضي مناطق “جـ”، ومع “دولة فلسطينية” لا تتعدى كونها تسمية من دون استحقاقات.

وكانت إدارة الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، قد أعلنت في 28 كانون الثاني/ يناير الماضي، تفاصيل الشق السياسي لخطتها لحل الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي. وجاء هذا الإعلان بعد نحو ثمانية أشهر على نشر واشنطن الشق الاقتصادي من الخطة بعنوان: “السلام من أجل الازدهار”، في ورشة عمل عقدت في العاصمة البحرينية، المنامة، في حزيران/ يونيو 2019.

من الندوة
وغداة الإعلان عن خطة الإملاءات الأميركية الإسرائيلية، الرامية لتصفية حقوق الشعب الفلسطيني، قال بشارة في منشور على “فيسبوك” إن “صفقة ترامب ونتنياهو والفتور العربي والأوروبي المرافق من نوع التطورات السياسية الثقيلة ذات الأبعاد والإسقاطات على الأرض، التي لا يكفي أن تقارَب بردود فعل سواء أكانت بيانات أو غيرها، فالمسألة تتعلق بإستراتيجيات كبرى من نوع السلوك السياسي تجاه الضم، ورفض إقامة دولة فلسطينية فاقدة السيادة داخل حدود ’الغيتو’ الذي ترك لها في غزة والضفة”.

وأضاف: “فماذا يعني رفض إقامة مثل هذه الدولة؟ يعني إظهار الواقع على الأرض كما هو، نظام فصل عنصري، نظام ’أبرتهايد’، ورفض تمويهه برموز وألقاب رسمية وادعاءات لا أساس لها، ووضع إستراتيجية النضال ضد نظام الفصل العنصري بالخطاب الديمقراطي الإنساني الذي يتطلبه ذلك، وبالحزم الذي يتطلبه ذلك بشأن المساواة وحقوق السكان الأصليين”.

وأوضح أنه “لا يتناقض ذلك مع تنظيم المجتمع الفلسطيني لحياته المدنية مثل أي مجتمع متحضر، في مجالات الصحة والتعليم والاقتصاد الحياتي الذي حققت فيه إنجازات، فالناس لا تحتمل العيش والنضال في ظل الفوضى وشريعة الغاب. لكن إستراتيجية النضال يجب أن تتغير جذريًا. هذه السلطات هي بلديات ضروري وجودها بوصفها بلديات، ولكن منظمة التحرير أو مؤسسة أخرى يتفق عليها، يجب أن تخوض النضال على الأرض ضد الأبرتهايد بالوسائل المناسبة، وعالميًا أيضًا. ومن ثم فالقيادات لا يفترض أن تكون قيادات سلطة بل قيادات نضال سياسي غير ملتزمة بأي اتفاق من أي نوع مع نظام الفصل العنصري الاستعماري”.

وعقب الإعلان عن “صفقة القرن”، كتب بشارة: “صفاقة القرن.. إعلان سيادة إسرائيل على مناطق واسعة في الضفة الغربية تحتلها المستوطنات، في مؤتمر صهيوني عالمي تحول إلى اجتماع انتخابي لنتنياهو وتسميته صفقة القرن

 

عرب 48

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق