مقالات
تحديات ” الديمغرافيا” والمشهد الإقليمي!! ورقة سياسات لصناع القرار في فلسطين
سهيل دياب – الناصرة د العلوم السياسية

منذ الحرب على غزة في أكتوبر 2023 ,ارتفع وزن الديمغرافيا الفلسطينية لتتربع في المرتبة الأولى في تصدرها تحديات قضايا الأمن القومي ألفلسطيني , وبالمقلب الإسرائيلي تحول موضوع الديمغرافيا الفلسطينية الأكثر قلقا نسبة الى سائر الهواجس والمركبات الاخرى.
ثلاثة أسس اعتمدت عليها الحركة الصهيونية منذ نشأتها: الجغرافيا لفلسطين التاريخية, والديمغرافيا الفلسطينية, وبيع السردية الزائفة وتسويقها في العالم وخاصة الغرب الأطلسي. والهدف المركزي كان “أرض بلا شعب, لشعب بلا أرض”.
يعيش اليوم في فلسطين التاريخية 53% من السكان الفلسطينيين و 47% من السكان اليهود. وهذه الحقيقة تقض مضاجع قادة الحلم الصهيوني كثيرا. ففي البحث المعمق لثلاثة باحثين اسرائيليين في جامعة رايخمن بهرتسليا تم أعدادة لمجلس الامن القومي الاسرائيلي عام 2022, وصفوا الحالة الديمغرافية ” بالانقلاب” الذي سيقوض الحلم الصهيوني لاحقا. خاصة مع تراجع مؤشرات الهجرة اليهودية الى ارض فلسطين، وتصاعد الهجرة السلبية من اسرائيل للخارج بالعقدين الاخيرين، وخاصة بعد العام 2015, وتعمق اكثر واكثر مع بداية الانقلاب القضائي بشكل ملحوظ وزاد الطين بله بعد السابع من اكتوبر.
بالمقابل، شهدنا تحولا كبيرا في العقيدة الامنية الاسرائيلية والتي اعتمدت بالاساس على الصيغة التالية: ” مزيدا من المستوطنات اليهودية لم تعد تضمن الامن الفردي والجمعي للمجتمع الاسرائيلي”! هذه العقيدة سقطت في غلاف غزة وشمالي الجليل مع الحدود اللبنانية وايضا سقطت في الضفة الغربية. وشهدنا ذلك المرة تلو المرة.
أمام هذا الوضع الجديد، وعدد من التغييرات العسكرية في الحروب الحديثة مثل دور المسيرات والصواريخ البالستية وغيرها، فكان لا بد من اعادة صياغة عقيدة امنية جديدة للحلم الصهيوني على ارض فلسطين،
ثلاث مراحل للنظرة الى الديمغرافيا الفلسطينية:
الاولى- منذ نكبة 1948 وحتى مذبحة كفرقاسم 1956.
اسرائيل اعتمدت على مزيج من: قضم الجغرافيا الفلسطينية، تطهير عرقي ممنهج لتهجير السكان الفلسطينيين الاصلانيين، وبيع سردية صهيونية كاذبة تم تسويقها بنجاح للرأي العام العالمي بعد الحرب العالمية الثانية. فبهذه الحقبة تم تدمير نهائي ل 520 بلدة فلسطينية وتهجير اهاليها، تدمير معالمها واشجارها ومقابرها ومساجدها وكنائسها، ولم تكتف بذلك بل توسعت لتحتل جغرافيا فلسطينية غير منصوص عليها بقرار التقسيم للامم المتحدة من تاريخ 29 نوفمبر عام 1947 وضمتها الى ” اسرائيل” وابرز هذه المناطق الجليل وصولا الى الحدود اللبنانية- السورية. وتوسعت بمنطقة المثلث ووادي عارة ومدينة ام الفحم.
حتى بعد قيام دوله اسرائيل واصلت المؤسسة العسكرية الاسرائيلية بترحيل السكان، ففي العام 1951 قامت بترحيل اهالي اقرث وكفربرم والعرامشي وسحماتا بحجج أمنية، وتعهدت اسرائيل بإعادتهم حال هدوء الاوضاع بناء على قرار محكمة العدل العليا، دون جدوى لغاية يومنا هذا. وارتكبت اسرائيل عشرات المجازر بعد قيامها لتخويف الفلسطينيين ودفعهم للهجرة سواء كانت قسرية ام اختيارية. وقامت بمصادرة الاراضي العربية المتبقية في الجليل والمثلث والساحل. ووصل بن غوريون الى النتيجة أنه من الضروري اجراء عملية تهجير كبيرة للعرب، لأن ما تبقى منهم بات مزعجا للمؤسسة الاسرائيلية. فكان لا بد من حجة لذلك فجاءت فرصة التحضير للعدوان الثلاثي( الاسرائيلي- الفرنسي- البريطاني) على مصر في العام 1956 ردا على تأميم جمال عبد الناصر لقناة السويس. واستغلت اسرائيل هذه الحالة الامنية لارتكاب مجزرة كفرقاسم الرهيبة واعدام ٤٩ مواطن بدم بارد وبقرار مسبق بحسب بروتوكولات المحكمة التي جرت بعد المجزرة.
بعد الفضيحة الدولية بمجزرة كفرقاسم، انتفض الرأي العام العالمي على اسرائيل ورفع حجم الرقابة الدولية على المجازر والابادة والتطهير العرقي خاصة مع افول دور وتأثير بريطانيا وفرنسا في الاقليم، وارتفاع كبير للدور الامريكي.
بهذه الحقبة، التناسب بين الجغرافيا والديمغرافيا وبيع السردية كانت متوازنة ومتساوية ولا نعلو واحدة على الاخرى.
الثانية- من العام 1956- 2015.
بعد مجزرة كفرقاسم، انتقلت اسرائيل من مرحلة حل القضية القومية، الى مرحلة ادارة الصراع الاسرائيلي الفلسطيني، وباتت تقلل من أهمية التعامل مع الديمغرافيا الفلسطينية، وبالمقابل زادت من منسوب التعامل مع الجغرافية الفلسطينية، ومواصلة بيع السردية الزائفة لكسب شرعية دولية لمكانتها وسياستها. بهذه الفترة لاحظنا احتلال الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس بعدوان 1967, والبدء بإقامة انوية لمستوطنات يهودية، وكانت اوسع عملية قضم اراضي في تلك الفترةوحتى في داخل حدود 1948, تم تجديد مشاريع مثل: تهويد الجليل والنقب حتى وصلنا الى اعلان الاضراب العام والشامل في يوم الارض الخالد ,في 30 آذار عام 1976 وحصول مواجهات وسقوط شهداء وجرحى في كل المدن والقرى الفلسطينية داخل الخط الاخضر.وصل عدد المستوطنين بالضفة الغربية عام 1982 الى 122 الف، والان تقريبا الى 800 الف مستوطن.
العقيدة الامنية بهذه الفترة اعتمدت على ” الجغرافيا الفلسطينية ” بالأساس واقل بالديمغرافيا الفلسطينية.
الثالثة- 2015-2025.
في العقد الأخير تغيرات كبيرة حدثت ، منها على المستوى الإقليمي والاسرائيلي الداخلي وايضا الدولي، والتي اوصلت الى الاستنتاجات التالية:
١. على اسرائيل الانتقال من مرحلة ادارة الصراع الى مرحلة حسم الصراع وتصفية القضية الفلسطينية.
2. أما الطريق لذلك فيعبر ضمن الذهاب الى تسويات مع محاور الاقليم وليس مع الفلسطينيين.
3. اي تسوية يجب ان تكون بالهيمنة الكاملة لاسرائيل على كل الاقليم.
4. لن تسمح اسرائيل لاي محور ينافسها عسكريا وامنيا في الاقليم، لا ايران ولا تركيا ولا مصر والسعودية، كلها تريد اسرائيل تحويلها لدول فاشلة تنحرط لاحقا فيما سمي ” السلام الابراهيمي”.
بهذه الحقبة، دخلت اسرائيل الى مأزق سياسي كبير وخمسة انتخابات خلال ست سنوات، وانقلاب قضائي وتمزق داخلي غير مسبوق اضافة للازمة الاقتصادية. وجاءت معركة سيف القدس 2021, وبعدها طوفان الاقصى ليسقط مسلمات امنية وسياسية كانت سائدة وليقول للمجتمع الاسرائيلي امورا جديدة.
أهم الاستنتاجات الاسرائيلية، انه من غير الممكن تصفية القضية الفلسطينية بالاعتماد على القضم الجغرافي واقامة المستوطنات فقط فلا بد من مخرج، والمخرج هو التعامل مع الديمغرافيا الفلسطينية واستعمال وسائل الابادة الجماعية والتهجير والتطهير والاخضاع والازاحة وكل وسيلة من شأنها القضاء على الشعب الفلسطيني ودفن كل من يرفع صوته للمطالبة بحلول سياسية تضمن حق تقرير المصير واقامة الدولة المستقلة.
فجاءت الابادة في غزة، وانتقلت الى الضفة والقدس، وستصل للداخل وللشتات. والهدف ان يكون مصير الفلسطينيين، كمصير الهنود الحمر في امريكا وكندا.
هل من استراتيجية فلسطينية
لمواجهة هذا الخطر الديمغرافي؟؟
باعتقادي، ومن خلال فهمي للتغيرات العميقة داخل المجتمع الاسرائيلي بعد ٧ اكتوبر، اوصي بفحص التوصيات التالية:
١. التمسك بحل الدولتين هو العامل الاكثر تأثيرا لنسف الحلم الصهيوني. فإقامة اي كيان فلسطيني على الجغرافيا الفلسطينية ( الضفة وغزة والقدس) من شأنه ان يضع نقطة البدء بالعد العكسي للحلم الصهيوني.
2. تعميق الاجراءات التي من شأنها تعزيز الوحدة الجغرافية والاقتصادية والتعليمية بين الضفة الغربية والقدس وقطاع غزة.
3. تعميق مسار اقامة مؤسسات اسناد مجتمعية، سلطات محلية، وروابط ترعى الشؤون الزراعية ، شراكات دولية وعربية لمشاريع انتاجية عينية. وكل شأن يوصل لتثبيت المواطن الفلسطيني بارضة والدفاع عنها والالتزام بالبقاء عليها.
4. تعزيز الوحدة الداخلية للشعب الفلسطيني، وضم جميع الفصائل الفلسطينية تحت عباءة منظمة التحرير الفلسطينية وعلى اساس اجندة حل الدولتين والشرعية الدولية.
5. اعتماد دبلوماسية دولية مفتوحة للاعتراف بالدولة الفلسطينية والتعامل مع جميع المحاور الدولية دون استثناء لنصرة الحق الفلسطيني.
6. المرونة والتعامل بحذر مع المتغيرات الزلزالية في الاقليم، واهمها ان لا تكون فلسطين شريكا وطرفا في اي من المحاور، لا التركي ولا الايراني ولا السعودي، انما تؤثر على جميع المحاور لمصلحة قضية فلسطين. وتغليب الاجندة الفلسطينية عن اي اجندة ايدلوجية كانت أم فصائلية.
اسرائيل تعاني اليوم ليس فقط من الهجرة السلبية، وانما ايضا من هوية المهاجرين من اسرائيل للخارج وتفيد غالبية الابحاث ان معظم هؤلاء من شرائح الشباب غير المتزوجين، رجال التكنولوجيا المتطورة – الهايتك، ومن هجرة الادمغة التي اتسعت كثيرا بعد ٧ اكتوبر. هذه عوامل تؤكد عمق القلق الاسرائيلي من التوازنات الديمغرافيا على ارض فلسطين التاريخية. وبالمقابل، الشعب الفلسطيني الاصلاني ملتصق بارضة ، يرفض الهجرة رغم الابادة، ويزداد صلابة رغم كل ما يمر علية.
ألخيارات الفلسطينية امام الاستراتيجيات الاسرائيلية!.
إسرائيل، بقيادة نتنياهو وائتلافه اليميني، توصلت إلى استنتاجات جديدة بعد الحرب على غزة تتعلق بمسار تعاملها مع القضية الفلسطينية. والاستنتاج الأبرز هو انتقال إسرائيل من مرحلة “إدارة الصراع” إلى مرحلة “حسم الصراع” بهدف تصفية القضية الفلسطينية بشكل نهائي.
فهناك خمس خطوات استراتيجية تعتمدها إسرائيل في هذا السياق،
أولا- محو الحدود بين مناطق “ا” و”ب” و”ج” في الضفة الغربية، وبسط النفوذ العسكري الإسرائيلي على جميع المناطق.
ثانيا- التركيز على مناطق “ج” التي تضم غالبية المستوطنين وعدداً محدوداً من الفلسطينيين، ما يسهل فرض السيطرة الإسرائيلية عليها.
ثالثا- تسهيل الهجرة للفلسطينيين سواء من خلال دفعهم للانتقال بين مناطق الضفة أو تهجيرهم إلى خارجها إذا توفرت الفرصة.
رابعا- مقايضة إدارة ترامب القادمة بضم أجزاء من الضفة الغربية، وخاصة مناطق “ج”، إلى إسرائيل مقابل اي حل في المنطقة.
خامسا- الانتقال الكامل لأولوية مواجهة الديموغرافيا الفلسطينية كتهديد للأمن القومي الاسرائيلي.
أن تنفيذ هذه الخطة يتطلب القضاء على أي كيان سياسي فلسطيني، وهذا ما تسعى إليه إسرائيل عبر تصعيد سياساتها الأمنية والعسكرية في الضفة الغربية بعد انتهاء الحرب على غزة.
الحرب على غزة، التي جعلت القضية الفلسطينية محور اهتمام عالمي.وفي ظل هذا المشهد المعقد، فأن الخيارات أمام السلطة الفلسطينية ضيقة ولكنها جدية إذا ما تم استثمارها بالشكل الصحيح.
أول هذه الخيارات- هو توسيع منظمة التحرير الفلسطينية لتشمل كافة القوى، بما في ذلك حماس والجهاد الإسلامي، تحت برنامج سياسي موحد يركز على حل الدولتين وإقامة دولة فلسطينية على حدود عام 1967، بما يشمل الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس الشرقية.
الخيار الثاني- هو تشكيل حكومة انتقالية موحدة تعكس وحدة الكلمة الفلسطينية، وتقدم نفسها للعالم كصوت موحد للقضية الفلسطينية . وفي حال تعذر تشكيل حكومة في الأراضي المحتلة، يمكن إنشاء “حكومة في المنفى” كخيار استراتيجي يضغط على الرأي العام العالمي، مستفيدين من الزخم الذي اكتسبته السردية الفلسطينية بعد الحرب الأخيرة على غزة.
اما الخيار الثالث- فيكمن في الانتقال إلى “الدبلوماسية الدولية المفتوحة والمرنة”، من خلال توسيع العلاقات مع كافة الأطراف الدولية والإقليمية، وعدم الاقتصار على المسار الأمريكي. والتعامل مع الأطراف الدولية والمحاور الاقليمية بمدى قربها او بعدها عن القضية الفلسطينية وحقوق شعب فلسطين الوطنية في الحرية والاستقلال .فهنالك ضرورة بتعزيز الحضور الفلسطيني أمام الاتحاد الأوروبي، الذي تظهر بوادر اختلافات في موقفه عن الولايات المتحدة، إضافة إلى روسيا والصين والدول العربية والإسلامية.
أما الخيار الرابع- في السياق الإقليمي، على الفلسطينيين تعزيز التعاون مع دول عربية مؤثرة، وعلى رأسها السعودية، نظراً لمكانتها التاريخية والسياسية والدينية والاقتصادية. اذ تشكل المملكة السعودية مفتاحاً لأي مشروع إقليمي، خاصة في ظل تزايد اهتمام المحور التركي والقطري بخطوط الغاز من الشرق الأوسط إلى أوروبا، كما أن السعودية تضع شرطاً رئيسياً أمام الامريكي لأي تسوية إقليمية بضرورة إيجاد حل عادل للقضية الفلسطينية.
وفي ما يتعلق بالوضع الإقليمي بعد الأزمة السورية، وتراجع دور محور المقاومة بقيادة إيران وحزب الله، مقابل صعود المحور التركي – القطري واستفادة إسرائيل والولايات المتحدة من الوضع الجديد.
علينا الحذر من أن إسرائيل ستسعى خلال المرحلة المقبلة إلى تهدئة جبهتي لبنان وغزة للتركيز على الضفة الغربية وايران عبر سوريا. فإسرائيل تتخوف من “متلازمة الدومينو” التي قد تنتشر من سوريا إلى الأردن والضفة، ما سيدفعها لتصعيد إجراءاتها الأمنية في الضفة الغربية.
أن نجاح الفلسطينيين في توحيد صفوفهم وتغليب الأجندة الوطنية على أي اعتبارات إقليمية او فصائلية أو أيديولوجية، سيعزز الموقف الفلسطيني ويمنع إسرائيل من تحقيق أهدافها. فليس مطلوب من الفلسطيني ان يتبع اي من المحاور الاقليمية او يكون جزءا منها، بل عليه ان يتعامل مع هذه المحاور بمدى قرب هذا المحور او ذاك من الحق الفلسطيني، وضمان المحافظة على استقلالية القرار الفلسطيني.
ألمملكة العربية السعودية والشأن الفلسطيني!!
لا شك ان طوفان الاقصى كشف القناع لعدة مسلمات كانت سائدة في الشرق الاوسط؛ اسقط قناع الوهم ان الحلول السلمية تأتي فقط من خلال طاولة المفاوضات والابتعاد عن المقاومة العسكرية ؛ كما واسقط قناع الوهم ان الولايات المتحدة تستطيع ان تكون وسيطا نزيها واتضح جليا انها طرفا فاعلا لتغطية اسرائيل؛ واسقط قناع امكانية تهميش وتجاوز القضية الفلسطينية والتعويض عنها بسلام اقليمي او سلام اقتصادي لبس اكثر.
ان وزن المملكة العربية السعودية، الاقليمي والدولي، الاقتصادي والسياسي والديني، يحمل الكثير من الاهمية وتعتبر الدولة الاقليمية الوازنة الاكثر تأثيرا من غيرها.
تسعى المملكة السعودية في السنوات الاخيرة لتحويل ثرواتها الاقتصادية في مجال النفط والطاقة في اكثر من مستوى واهمها:
أولا- تحويل المملكة لمكان متطور حضاري، لرفاهية السعوديين وخاصة الشباب، وعاصمة للاستثمار الاقتصادي العالمي وجذب المستثمرين، وتطوير مجالات اقتصادية كبيرة وعدم الابقاء فقط على أحادية الجانب النفطي ، خاصة بتطوير السياحة والتكنولوجيا والذكاء الاصطناعي.
ثانيا- القيادة الشابة في السعودية تقرأ الخارطة الاقليمية والدولية جيدا، فمن ناحية لا تريد وضع كل اوراقها بايدي الغرب كما كان سنوات طويلة، وعدم مقاطعة الغرب من ناحية ثانية. وبدأت تذهب الى خيار التعددية في العلاقات الاقتصادية من الصين الى روسيا وامريكا واوروبا. فدخلت البريكس وبدأت باتخاذ مواقف مرنه اكثر تجاه جميع الاطراف.
ثالثا- تعي المملكة اهمية ارتفاع الموقع الجيوسياسي واهمية المعابر المائية المحيطة سياسيا، وتعي ايضا اهمية موقعها في التجارة العالمية، وتعي ان تفعيل دورا وازنا يحتاج الى الكثير الكثير من الاستقرار الامني وحل الملفات الساخنة بالطرق الدبلوماسية، رأينا ذلك بملفي اليمن وسوريا، وايضا بالتقارب السعودي الايراني بوساطة صينية.
رابعا- تسعى المملكة تعميق دورها المحوري في قيادة العالم الاسلامي وخاصة العالم السني، الامر الذي يحتم عليها اتخاذ مواقف توافقية واسعة.
أمام كل ذلك، اكتسب الموقف السعودي نحو القضية الفلسطينية زخما كبيرا ، اعتمادا على القاعدة ” أن مفتاح التهدئة الاقليمية” , يبدأ بحل القضية الفلسطينية حلا عادلا، مرورا بمراحل ثلاث مفصلية:
الاولى- موقف المملكة التاريخي برؤيتها اهمية حل القضية الفلسطينية حلا عادلا على اساس دولة مستقلة بحدود العام ١٩٦٧ وعاصمتها القدس الشريف.
الثانية- المبادرات السعودية المتتالية واخرها في العام ٢٠٠٢ باتخاذ قرار في الجامعة العربية بحل تاريخي للنزاع الفلسطيني الاسرائيلي مقابل الاعتراف باسرائيل كدولة طبيعية متواضعة في الشرق الاوسط.
الثالثة- بعد طوفان الاقصى، حيث تم تفعيل الدور السعودي بشكل غير مسبوق لصالح الحق الفلسطيني، ابتداء من رفض التطبيع مع اسرائيل قبل اقامة الدولة الفلسطينية المستقلة ووقف العدوان على غزة. هذا الموقف وبكل موضوعية، أعاق تصفية القضية الفلسطينية وتهجير شعبنا في غزة والضفة الغربية.
في جعبة العربية السعودية العديد من مفاتيح الضغط واوراق قوة تستطيع تفعيلها، ولم تقل بعد كلمتها الاخيرة تجاه القضية الفلسطينية وشعب فلسطين.
مع انتخاب ترامب، طرحت العربية السعودية ثلاثة محاور في علاقتها مع ادارة ترامب؛ المملكة مصرة على اقامة مفاعل نووي سعودي للأغراض المدنية رغم معارضة اسرائيل ؛المملكة مصرة على اتفاقية الدفاع المشترك مع الولايات المتحدة اسوة بالاتفاقية مع اسرائيل؛ والمملكة مصرة بان مفتاح الاستقرار الاقليمي يبدأ بإقامة دولة فلسطينية حسب قرارات الشرعية الدولية.
موقف المملكة هذا سيوصل بنهاية الامر الى تحجيم الهيمنة الاسرائيلية، والى اقليم مستقر متعدد الاقطاب ومتوازن مكون من السعودية ، ايران، مصر، تركيا واسرائيل. اقليم كهذا ينسف بالضرورة الهيمنة احادية الجانب التى تحلم بها اسرائيل.
فالمملكة فعلت بحكمة قبل الطوفان بعدم الاسراع بالتطبيع المجاني مع اسرائيل.وكانت صائبة عندما قامت بالتقارب مع المحور الإيراني.