مقالات

* العشر الأواخر من رمضان: موسم الغفران والعتق من النيران

رؤية * هذه السلسلة يكتبها د. محمد طلال بدران - مدير دار الإفتاء والبحوث الإسلامية - * سلسلة خاصّة بالعشر الأواخر من رمضان وعنوانها: "العشر الأواخر من رمضان: فضائلها، عباداتها، وأثرها بعد الرحيل" (1)

الحمد لله وكفى وسلام على عباده الذين اصطفى وبع

* مقدمة
ها هو رمضان يوشك على الرحيل، وقد دخلنا في أعظم أيامه، العشر الأواخر التي اختصها الله بفضائل لا توجد في غيرها، إنها أيام الرحمة والمغفرة والعتق من النيران، أيامٌ كان النبي ﷺ يجتهد فيها ما لا يجتهد في غيرها، ويوقظ أهله، ويحيي ليله، ويعتكف في المسجد، فما سرّ هذه الأيام؟ وكيف نغتنمها بأفضل الأعمال؟

* فضل العشر الأواخر
العشر الأواخر ليست كغيرها من الأيام، فهي التي يتضاعف فيها الأجر، وتتنزل فيها البركات، وتُرفع فيها الدرجات، يكفي أن فيها ليلة القدر، التي قال الله عنها: ﴿لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ﴾ (القدر: 3) فعبادة ليلة واحدة تعادل عبادة أكثر من 83 عامًا! ومن حُرم خيرها فقد حُرم خيرًا كثيرًا، وقد كان الصحابة والسلف الصالح يدركون قيمة هذه الأيام، فكانوا يشمرون عن سواعدهم، يتركون الانشغال بالدنيا، ويقبلون على الله بقلوبهم وأعمالهم، طمعًا في الرحمة والنجاة.

* أعمال العشر الأواخر
• القيام وإحياء الليل
كان النبي ﷺ يوقظ أهله في هذه الليالي ويشد مئزره، في إشارة إلى الاجتهاد والانقطاع للعبادة، والقيام في هذه الليالي فرصة لمن يريد مغفرة الذنوب، كما في الحديث: “من قام ليلة القدر إيمانًا واحتسابًا، غُفر له ما تقدم من ذنبه” (متفق عليه).
• الدعاء والتضرع
ليلة القدر ليلة استجابة، وكان من أكثر الأدعية التي أوصى بها النبي ﷺ: “اللهم إنك عفو تحب العفو فاعفُ عني”. الدعاء في هذه الليالي قد يكون سببًا في تغيير مصير الإنسان، فالله يكتب فيها الأقدار، ويرفع البلايا، ويفتح أبواب الخير.
• الاعتكاف
سنة نبوية عظيمة، وهي الانقطاع للعبادة في المسجد، والتركيز على الصلاة وقراءة القرآن والذكر، كان النبي ﷺ يعتكف في العشر الأواخر كل عام حتى توفاه الله، والاعتكاف فرصة لمن أراد أن يجدد إيمانه بعيدًا عن مشاغل الحياة.
• الإكثار من قراءة القرآن
رمضان هو شهر القرآن، والعشر الأواخر هي خاتمته، فحريٌّ بالمسلم أن يزيد من تلاوته وتدبره، فهو كلام الله الذي يحيي القلوب وينير البصائر.
• الصدقة والإحسان
الصدقة في هذه الأيام لها فضل عظيم، فقد تكون سببًا في مغفرة الذنوب وتخفيف البلاء، وكان النبي ﷺ أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان، خاصة في العشر الأواخر.

* ليلة القدر: درة العشر الأواخر
ليلة واحدة تغير حياة الإنسان، ليلة خير من ألف شهر، ليلة تتنزل فيها الملائكة، ويُقدَّر فيها مصائر العباد، لم يحددها النبي ﷺ بيوم معين، لكنه أرشدنا إلى تحريها في الوتر من العشر الأواخر.

* علامات ليلة القدر كما وردت في السنة:
• تكون ليلة هادئة، لا حارة ولا باردة.
• تكون الشمس في صبيحتها بيضاء لا شعاع لها.
• يشعر المؤمن فيها بطمأنينة وسكينة غير عادية.

* كيف نستعد لهذه الأيام؟
• تنظيم الوقت بين العبادة والراحة حتى نستثمر الليالي الأخيرة.
• تقليل الانشغال بالدنيا، والانقطاع للعبادة قدر المستطاع.
• تجديد النية والإخلاص، فالأعمال لا تُقبل إلا بالنية الصادقة.
• وضع خطة عبادية متكاملة تجمع بين الصلاة، والدعاء، وقراءة القرآن، والصدقة.

* الخاتمة
العشر الأواخر ليست مجرد أيام تمرّ، بل هي فرصة ذهبية لكل مؤمن يريد أن يغفر الله له، ويكتب اسمه في سجل العتقاء من النار، من أدرك هذه الأيام واجتهد فيها، فقد فاز فوزًا عظيمًا، ومن ضيّعها فقد أضاع كنزًا لا يعوّض، فلنشمر عن سواعدنا، ولنستقبل هذه الأيام بقلوب خاشعة، وألسنة ذاكرة، ونوايا صادقة، عسى أن نكون من الفائزين… عنوان مقالة الغد بمشيئة الله تعالى:
“الاجتهاد في الطاعة: كيف نغتنم ليالي العشر الأواخر؟”

* تقبل الله الصلاة والصيام والقيام وسائر الطاعات وبلّغنا وإياكم ليلة القدر، وجمعة مباركة
* مقالة رقم: (1907)
* 21. رمضان . 1446 هـ
* الجمعة. 21.03.2025م
باحترام: د. محمد طلال بدران (أبو صُهيب)

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق