مقالات
كيف تصبح وزيرا في حكومة الدنمارك ؟
يشير العديد من المراقبين و المحللين في الشأن السياسي الدنماركي، إلى ثلاث نصائح ممتازة لتحقيق هذا المنصب البارز في الحكومة الدنماركية، وهو إنه يتوجب على الشخص الراغب في تسلق المنصب الوزاري، التسجيل في صفوف المنظمات الشبابية للاحزاب السياسية الدنماركية، التي تولي أهمية بالغة للأجيال الشابة، التي تتطلع دائما للمستقبل، ولديها الإستعداد والإصرار على مواصلة السير في طريق النضال من أجل خدمة القضايا الوطنية والدولة والمجتمع .
الحزب الاشتراكي الديمقراطي، الذي يقود الحكومة الائتلافية الحالية، مثل نموذجا رائعا لتحقيق تلك الأفكار، وجعلها حقيقة قائمة على أرض الواقع . فمن أصل 20 وزيرا في الحكومة الاشتراكية الديمقراطية السابقة، كان هناك 15 وزيرا لهم ماض خاص في منظمة الشبيبة الاشتراكية الديمقراطية التابعة للحزب، واثنان من الخمسة الذين لم يقضوا شبابهم في حزب الشعب الاشتراكي اليساري، وحزب اللائحة الموحدة، الأكثر يسارية في البلاد، الذي يضم تحت لوائه (الحزب الشيوعي الدنماركي، وحزب العمال، وحزب الخضر، والحزب التروتسكي) هم أيضا كانوا أعضاء في منظمات الشبيبة لتلك الاحزاب .
ونتيجة لذلك كان هناك شخصان فقط، كانوا اشتراكيين ديمقراطيين طوال الوقت من غير المدربين في شبيبة الحزب، وهما وزير العدل السابق، نيك هيكيروب الذي ينتمي إلى عائلة سياسية لها جدور تاريخية عميقة في تاريخ الحزب الاشتراكي الديمقراطي، وكان لها وزراء معروفين في الحكومات الاشتراكية الديمقراطية المتعاقبة في الدنمارك، و وزير النقل السابق بيني انجلريخت .
منظمة الشبيبة الاشتراكية الديمقراطية، تحولت من كونها منظمة كبيرة جدآ في حقبة سنوات الثلاثينات و الأربعينيات من القرن الماضي، حيث كان يقدر عدد اعضائها بأكثر من 40.000 الف عضو، إلى منظمة صغيرة جدآ، حيث يقدر عدد اعضائها الآن إلى أقل من 2000 عضوا، وهذا التراجع ربما يعود إلى أسباب كثيرة من أبرزها على الإطلاق قضايا التقشف، و الصراعات المستفحلة بين الاجنحة والتكتلات الكثيرة في أوساط الحزب .
ورئيسة الوزراء الدنماركية الحالية، ميتي فريدريكسن، التي تعين الوزراء في الحكومة، كانت هي أيضآ احدئ الأعضاء في منظمة الشبيبة الاشتراكية الديمقراطية.
وفي خطاب لها لمناسبة الإحتفال بالذكرى المائة لتأسيس منظمة الشبيبة الاشتراكية الديمقراطية، في متحف العمل في كوبنهاجن في الثامن من شباط/ فبراير 2023 قالت فيه (أحمق فقط من ينسى تاريخه ومن أين أتى) .
واضافت، ” العديد من الأشخاص الذين قابلتهم لاحقا في حياتي السياسية هم أيضا من أعضاء شبيبة الحزب التاريخيين القدماء، سواء أنهم كانوا نشطين في الوقت نفسه، او انهم كانوا نشطين في وقت آخر، والمهم إنه توجد لديهم نقطة انطلاق مشتركة، وهي منظمة الشبيبة الاشتراكية الديمقراطية ” .
انظمت، ميتي فريدريكسن، في منظمة شبيبة الحزب، وهي في عمر 15 سنة، في حين أن وزير الماليةالسابق، هنريك ساس لارسن، كان رئيس مجلس إدارة المنظمة، وهي كانت عضوا في المجلس الرئيسي، وتعمل مستشارة للشباب في الجامعة، وتلتقي دائما في قسم الشباب، وزير الضرائب السابق، مورتن بودسكوف، و وزير أعمال التطوير، راسموس بريهن، وكان حينها يشغل منصب عضو في اللجنة التنفيذية لشبيبة الحزب .
التقت، ميتي فريدريكسن، بشباب آخرين، من النشطين في قضايا المجتمع المدني، وكونت معهم صداقات وشبكة علاقات واسعة، ويقول، بيتر شتراوس يورجينسن، المستشار الخاص لوزير المناخ، دان يورجينسن، أنه وزوجته ان هالسبو يورجينسن، قد التقوا معها في منظمة الشبيبة في الحزب .
وحصلت الدنمارك على أول حكومة، من منظمة الشبيبة الاشتراكية الديمقراطية، في عهد رئيسة الوزراء الدنماركية السابقة، هيلي تورنينغ سميث، حيث كان غالبية أعضاء الحكومة، من الاعضاء النشطاء داخل منظمة الشبيبة للحزب الاشتراكي الديمقراطي .
يقول، الاستاذ المساعد في العلوم السياسية، يوهانس اندرسون الذي قام هو نفسه بتدريس، العديد من وزراء حكومة الاقلية الاشتراكية الديمقراطية، التي شكلتها ميتي فريدريكسن، في العام 2019، من جامعة البورغ، أن امر تشكيل هذه الحكومة، “يذكرنا بطائفة مثل شهود يهوى، أنه قد يكون من الخطر بالنسبة للاشتراكيين الديمقراطيين، الذين يقودون البلاد من هذه الدائرة الضيقة، وعلى سبيل المثال، رئيسة الوزراء، ميتي فريدريكسن، وبرنيل روزنكرانتر_ تيل، وزيرة التعليم، اللذان كتبا معا اطروحاتهم للبكالوريس عن الدعارة .
ثلاثة فقط في المائة، من سكان الدنمارك، هم أعضاء في الاحزاب السياسية، وتظهر هناك عيوب الديمقراطية في هذا الشأن، واحد هذه العيوب، هو أن الطريقة التي يجنذ بها فرد واحد يجعل الناس المختارين أكثر وأكثر ضيقا في نظراتهم للعالم، البعض يختار السياسة كمهنة و يتجه لتعلم العلوم السياسية والقانون، او يختار السياسة والادارة.
يقول، يوهانس اندرسن، وهو عضو في منظمة الشبيبة الاشتراكية الديمقراطية، أن هذه الرغبات، تظل هي النقطة المحورية، في تطلعات الأشخاص للوصول إلى السلطة .
واحد الأمثلة على ذلك، هو وزير الإسكان السابق، كارديغاد، الذي كان يتعلم العلوم السياسية في جامعة هولبك، وكان مساعدا الشؤون الطلاب في منظمة الشبيبة الاشتراكية الديمقراطية، ثم بعد ذلك رئيسا للمنظمة وسط يولند في العقد الماضي .
في العام 2012 أصبحت درجة الماجستير في العلوم السياسية والجغرافيا والاقتصاد، مهنة رابحة للطامحين في تسلق المناصب العليا داخل الاحزاب السياسية الدنماركية، أو في صفوف الحكومة، ففي السنوات الأخيرة برزت هناك اسماء كثيرة من حملة هذه الشهادات العلمية و كانوا أعضاء في منظمات الشبيبة في احزابهم، ومن بينهم رئيس الوزراء الأسبق، اندرس فوغ راسموسن، و رئيس الوزراء السابق وزير الخارجية الحالي، لارس لوك راسمونسن، و عدد من الوزراء والبرلمانيين، السابقين والحاليين، كانوا رؤساء واعضاء في منظمات الشبيبة لحزب اليسار الليبرالي الشريك الثاني في الحكومة الدنماركية الحالية.
يقول، اندرس كراب يوهانس، الخبير في الشؤون السياسية والاقتصاد والقانون، أن غالبية الوزراء في الحكومات الدنماركية المتعاقبة، انتقلوا مباشرة من التعليم الجامعي إلى عالم السياسة، إلى جانب ضئيل من أجل الاحزاب أو الحركة النقابية الدنماركية، ويضيف، “عندما تتدلع الازمات يظهر الناس وجههم الحقيقي، حيث تؤدي الازمات إلى تعزيز الخصائص الأكثر وضوحا، بينما تصبح الزوايا الأخرى عمياء “.
وقد ضرب مثلا على إستخدام هذا المنطق الاعوج، في تعامل رئيسة الوزراء، ميتي فريدريكسن، مع الأزمة الصحية، التي تعرضت لها الدنمارك، في سنوات كارثة كرونا المرعب والفتاكة ، حيث استغلت باهتمام شديد انتباه الناخبين، واستخدمت الدولة كمحرك لبرنامج حزبها الخاص، و تبقي المعلومات بعيدا عن المعارضة، وتقدير الخبراء عندما يكون ذلك مناسبا لصالح حزبها الاشتراكي الديمقراطي.
ويضيف” رئيسة الوزراء، ميتي فريدريكسن، هي ليست امرأة ساحرة، ولكنها امرأة سياسية تعرف من أين تؤكل الكتف، وان غالبية وزرائها هم جنود في حزبها، ولديهم خلفيات متشابهة بشكل غريب، وتدريب سياسي في منظمة الشبيبة الاشتراكية الديمقراطية، وفي الحركة النقابية العمالية.
هاني الريس
28 يناير 2025