شعر وشعراء
لا تَغيبي .. بقلم رياض الصالح
وجودك يا عزيزتي في حياتي يستحثني كثيراً على التفكير وتحليل فلسفته الوجودية من الأساس .. قد تستغربين وأنا أطرح هذا الموضوع الغريب وأتناول هذه الجزئية التي قد يتغافل عنها الكثيرون مع أنها حاضرة بعفويتها دائماً ..
دائماً تستغربين عندما أناديك للجلوس بجانبي ثم أشيح نظري عنك انشغالاً بأمورٍ أخرى في حياتي .. قد لا تعلمين أن مشاعر تأنيب الذات تكون حائمةً في ضميري تلك اللحظة، وكثيرٌ من الأفكار التي تشبه كتب الغرائب والعجائب، تحاول ممارسة الضغط والتأثير على دماغي الذي يضجّ أصلاً بالآلاف من الأفكار التي قد تكون أكثر أهمية بالنسبة لي، فأتساءل حينها سرّاً عن سبب هذا الاستدعاء لك مع حاجتي للاختلاء بنفسي أصلاً ؟!
خطر في بالي حينها بعض المشاعر الطفولية الحاضرة الغائبة .. تذكرتُ تلك النظرة التي يرمي بها الطفل والدته أثناء اللعب أو الانشغال بأي شيء .. إنها نظرة الطمأنينة التي تريح النفس لمجرد تواجد الأم حوله .. هو لا يريد منها شيئاً سوى مشاعر الأمان بمجرد التواجد .. لا يطلب المساعدة ولا يكلّفها بأي تعب، لكنّه لا يستطيع فعل أي شيء في غيابها .. فهو يريد التركيز بالفعل الذي بين يديه ولا يريد تشتيت ذهنه بين هذا الفعل وبين البحث عنها إذا غابت .. وهو الوحيد الذي يدرك أنه في غيابها لن يفلح في فعل أي شيء ..
تذكرت يا عزيزتي كذلك ذلك التهديدُ بالابتعاد، والذي تمارسه الأمهات كلما تضايقت من أطفالها بقولها لهم ” راح أطفش من البيت “، وكيف تعتلي وجوه الأطفال نظرة الخوف والترقب ثم الوعود التي لا تحصى بلزوم الأدب والسمع والطاعة، وكم يعتب الأطفال عليها إذا اختفت فجأة أو انشغلت بشيء فلا يجدون غير البكاء والصراخ واللوم على توقفها عن حبهم ..
لذلك يا عزيزتي عرفت أن هذه المشاعر الطفولية لا زالت تسكن في أعماقي شئتُ أم أبَيت فلا تعتبي عليّ لاستحضارك كلّما أردت الانشغال بشيءٍ آخر عنكِ، فأنت تمثّلين كل هويّة الأنثى التي يحتاجها الرجل في حياته ليشعر بالأمان .. لأنك الأم والزوجة والحبيبة والأخت والصديقة والديار والبلاد والأرض والسماء والشمس والنفس والروح والحياة واللغة والمشاعر واللانهائية التي تزوّده بكلّ بداياته .. أنتِ القضيّةُ الكبرى والهويّةُ والكرامَةُ التي يعيشُها الأحرار .. أنت الذاكرة والفكرة والحقيقة .. فبالله عليك .. لا تغيبي ..
غيابك يا عزيزتي غربَةٌ سوداء قاتمة اللون .. وفراغٌ مُدَمّرٌ لإمكانياتِ نفسي .. واختفاء لكلّ الاتجاهات وعطلٌ دائمٌ للبوصلة .. وشعورٌ مقيتٌ بالوِحدَة .. إذ كيف يكون القلب قلباً بلا مشاعر .. وكيف يكون الجسد جسداً بلا روح .. وكيف تكون الحياة حياةً بلا ذكريات ولا قضيّةٍ ولا انتماءات .. ستبقى عيني عليكِ مراقبة وروحي بك متعلقة وذكري لكِ في كل مجالسي فأنا لا أرى نفسي بدونك ومهما أنكرَ الآخرون وجودك فلن أنكره بداع الغيرة أو المكابرة كما يفعلون ..
لذكرِكِ أطلالٌ تحُثُّ تجدُّدي
وتفتحُ باباً لا يُجيزُ تردُّدي
إذا مرَّ بي طيفٌ لذكرى حضنتُهُ
لعلَّ بريقي في سنا الأمسِ يقتدي
فما خشِيَت نفسي احتراقاً من اللظى
ولا تلِفَت روحي ولا شُلَّ ساعدي
أشحتُ بعيني عن عيونِ ملامةٍ
تناشِدُني .. هلّا انتهيتَ .. فأبتدي
فأنتِ بلادي .. أنتِ أرضي وغايتي
وأنتِ ضميري وارتياحي ومَورِدي
لذكرِكِ في قلبي بقايا لهّمّةٍ
تُحَفّزُ ذاتي .. رغمَ عَيشي المُلَبّدِ
وجودُكِ حولي أمنُ روحي وحافزي
وبُعدُكِ عنّي سرُّ عجزي ومّجهِدي
سأَفديكِ روحي ما حييتُ فإنّها
زفيرُ هواكِ السرمديّ.. المُؤيّدِ
فما عِشتُ لو آذاكِ شَوكٌ من الدجى
فكيفَ شعوري .. والليالي ستعتدي
# بقلمي
# رياض الصالح