هناك آراء ومعايير اجتماعية مغروسة في أذهاننا وأمور نفهمها على عكس حقيقتها يصعب علينا تغيرها او قبولها ، ومع مرور الزمن تصبح قواعد أخلاقية يعتبر الخروج عنها نقيصة وعارا يلحق بمن لا يتقيد بها وهي قضية تعاملنا مع والدينا كبار السن في حال مرضهم والعناية بهم في بيوتنا ، فلقد استقر في أذهاننا أن إدخال كبار السن بيوت العجزة الخاصة برعايتهم، هو عقوق وتخلٍ عنهم، رغم أن العكس هو الصحيح . إن إيداع كبار السن ممن يعانون الأمراض المزمنة والوحدة دور الرعاية هي قمة الوعي والإخلاص .ففي تلك الدور يجدون الرعاية التي يحتاجونها والتي يصعب توفيرها في المنزل حتى لو تمت الاستعانة بممرضة أو ممرض او عامله فلبينيه دائمه في البيت ، لأنهم في حاجة إلى طبيب وربما أكثر وتخصصات طبية متعددة، وفي تلك الدور يجد كبير السن بيئة مناسبة من الصعب توفيرها في المنزل، كأن يكوّن ويبني علاقات صداقة جديدة ويقضي الوقت في تبادل الأحاديث بدل أن يقضي وقته وحيدا بين جدران المنزل، يشتهي أن يسمع كلمة وأن ينطق كلمة.
إن الأبناء لهم انشغالاتهم ويعملون وليس من المقبول أن يتخلوا عن عملهم للبقاء في البيت بجانب كبيرهم الا من لا يعمل ، دون أن يقدموا لهذا الكبير ما هو بحاجة إليه.
يحكي لي أحد الأصدقاء من العاملين في المستشفيات أن بعض العائلات ممن لديهم كبير في السن ولا يستطيعون رعايته بصورة جيدة لا تقصيرا ولكن عجزا بسبب ظروفهم الحياتية هؤلاء معذورون لأن المجتمع يدينهم ويخونهم من وضع والدهم في دور رعاية كبار السن دون معرفة ظروفهم الشخصية .
واعطي مثلا , صديق محام وزوجته معلمه توفيت والدته وبقي والده على قيد الحياة يسكن في الطابق الأول من البيت وابنه المحامي يسكن وعائلته الطابق الثاني , وأثناء مشي الوالد في فناء البيت تعثر وسقط وانكسر الحوض عنده ونقل الى المستشفى ومن ثم الى بيت العجزة لان المحامي وزوجته يعملان , وقال لي المحامي انه يوميا يزور والده بعد الدوام وإن إيداع والده في بيت رعاية كبار السن ليس تنكرا لوالده ، بل بيت العجزة يوفر له المناخ الصحي المناسب.
وأخيرا وليس آخر , بالنسبة لوضع الوالد او الوالدة في بيت العجزة هذا يتعلق بظروف كل انسان , ويجب ان نتأقلم لظروف الحياة وأرجو أن نغير نظرتنا السلبية لدور العجزة التي ترعى كبار السن وتوفر لهم كامل الرعاية والعلاج الطبي .
الدكتور صالح نجيدات