مكتبة الأدب العربي و العالمي
المرآة_العجيبه النصف الاول
شاب متزوج له طفلة صغيرة ويعيش حياة تكاد تكون هادئة لولا تنغيص أم زوجته عليه إسمه زيدون فبعد وفاة زوجها وانتقالها للعيش معهم في بيتهم اصبحت حماته تتدخل في كل صغيرة وكبيرة في حياتهم
وكان زيدون يلتزم جانب الصبر وكظم الغيظ في تعامله معها إحتراما لها ومن أجل خاطر زوجته ولكنه يخشى أن يأتي اليوم الذي تتحطم حدود صبره وينفجر في وجهها خصوصا وأنها فيما يبدو تدفعه بأعمالها الخبيثة الى ذلك
أي أنها تتعمد إفتعال الشجارات معه حتى ييادلها بالمثل لكي تلجأ بعد ذلك الى الخطة البديلة وهي أن تمثل دور الضحية المستضعفة التي يظلمها زوج ابنتها من أجل أن تشوه سمعته تلك السمعة الطيبة التي اشتهر بها بين الناس حسدا من عندها
إحتار زيدون في امر حماته ودعا الله أن ينجيه من شرها ويخلصه من ورطتها لكن مصدر قلق زيدون الأكبر لم يكن حماته بل شقيقيه من جهة أبيه سمحون و رحمون
فبالرغم من طيبة زيدون وعطفه إلا أن شقيقيه كانا على العكس من ذلك تماما
فلقد أظهرا القسوة والشدة إتجاهه منذ صغره دون سبب يذكر وتآمرا عليه كلاهما وكأنه عدوهما وليس أخيهما
وكانا يتحينان الفرصة دائماً لإيذائه والنيل منه
وبالمقابل كان زيدون يدعو لهما دائما بالهداية ورقة القلب
وكان للإخوة الثلاثة عم وحيد فاحش الثراء كان الشقيقان يصلانه باستمرار طمعا في ثروته
أما زيدون فكانت زياراته لتوكيد صلة الرحم وقد استمرت تلك الزيارات حتى بعد مرض العم واشتداده عليه في الوقت الذي انقطعت عيادة الشقيقين له لأنه في آخر أيامه أصبح لا يميز أحدا
فلم يجد الشقيقان جدوى من زيارته مادام لا يميزهما تاركين أمر العناية به لزيدون وحده
وبعد موت العم تمت قراءة وصيته فاكتشف زيدون أنه قد ترك كل أمواله وأملاكه الى شقيقيه مناصفة
بينما ذكر زيدون في نهاية الوصية قائلا :
وأترك لإبن أخي العزيز على قلبي زيدون المتعلقات التي تركتها في غرفة العليا القديمة هي من حقه وأرجو منه أن يستعملها بحكمة كما فعلت أنا والسلام
ولدى سماعهما الوصية انفجر الشقيقان بالسخرية والإستهزاء من زيدون في الوقت الذي حلقا فيه من الفرحة بحصولهما على كل شيئ حتى أن زوجة زيدون بكت لخروجه صفر اليدين وانتقدت العم لأجل ذلك فلم يرض زيدون عن قولها
فقالت :أنت من احببته حقا واعتنيت به لوحدك حتى آخر لحظة من حياته وهكذا يجازيك ؟
إبتسم زيدون في وجهها وقال :لم أفعل ذلك لأجل ماله بل لصلة الرحم قربة الى الله تعالى
ثم من يعلم فقد يكون ماله سببا في تعاستنا والله بحكمته قد أزاحه عن طريقنا لسبب لا يعلمه إلا هو سبحانه فينبغي أن نحمد الله على كل حال وأن لا نعترض على مشيئته
وقبل تسليم محتوياتها قام الشقيقان بتفتيش محتويات غرفة العلية في بيت العم تفتيشا دقيقا فلعل العم قد خبأ فيها كنزا لزيدون فإذا وجداه استوليا عليه
لكنهما لم يعثرا على شيئ باستثناء بضعة قطع من الآثاث القديم المتهالك المغطى بالغبار ونسيج العناكب
فنزلا من الغرفة العليا وهما يسعلان من الغبار وتحسرا على ضياع وقتيهما من أجل لا شيء
ثم طلبا من زيدون الذي كان ينتظرهما في الأسفل أن يصعد ويأخذ نفاياته من الغرفة ويخلصهما منها على حد قولهما
فصعد زيدون وأفرغ محتويات الغرفة والتي كانت عبارة عن قطع آثاث تتحطم بين يديه كلما قام برفعها ِلقدمها
وفي نهاية الغرفة وضعت هناك مرآة كبيرة مغطاة بملاية بيضاء
أزاح زيدون الملاية فظهرت المرآة العتيقة ذات الإطار المصنوع من خشب الأبنوس وقد بهتت صورتها بسبب الغبار المتجمع على سطحها الصقيل
كانت المرآة هي القطعة الوحيدة السالمة من الضرر فحملها زيدون ونزل فاستقبله أخواه بالسخرية قائلين :نعم هذا هو الشيئ الوحيد الذي تركه لك عمك لتنظر فيها طوال الوقت إلى أفشل فاشل وهو أنت وسخروا منه
أوصل زيدون المرآة الى داره فتلقته حماته بالتقريع والكلام المسموم وهي تخبره أنه رجل لا خير فيه ولا نفع ولا جد لدرجة أن عمك إستخسر فيك حتى العظام التي يرميها لكلابه وترك له فقط نفايات منزله …
فتجاوزهما زيدون دون ان يرد عليها ووضع المرآة في غرفة معزولة في داره نظر زيدون الى المرآة بحزن نظرة طويلة ثم تركها وخرج وهنا لمع في وسط المرآة وهج غريب لم ينتبه إليه زيدون سرعان ما خبت
كان لزيدون دكان لبيع الخضار يسترزق منه
في احد الأيام زاره سمحون في محل عمله دخل وجلس داخل المحل فقال له زيدون ما الذي جاء بك؟
فاجاب ما هذا يا أخي أهكذا تستقبل أخاك عموما لقد جئت لأشتري منك وهذه نقودي جاهزة
أخرج سمحون من صرة نقوده عدة دنانير دفعها لأخيه ثم أخذ يتخير من الفواكه المعروضة أمامه
إستمر سمحون بزياراته تلك إلى دكان زيدون لعدة أيام يشتري ويدفع ثم يرحل
لكن زيدونا لم يكن ليثق بسمحون فكان كلما جاء وجلس في دكانه يشرع زيدون بمراقبته لعلمه أنه خبيث السريرة يلدغ وينسل كالأفعى
وفي أحد الأيام جاء الحرس الى دكان زيدون وأبلغوه بأن يخلي الدكان خلال أربعة وعشرون ساعة تمهيداً لبيعه الى تاجر آخر
ذهل زيدون لما سمع وسألهم عن السبب فأجابوه أن عقد ملكية الدكان بحوزة القاضي الآن ومثبت فيه تنازل زيدون عن الدكان لمصلحة سمحون
اسرع زيدون يريد استخراج عقد الملكية من خزانة الدكان فلم يعثر عليه
فصدق حدسه حول سمحون ونجاحه بسرقه العقد خلال زياراته المتكررة للدكان مستغلا لحظة غفلة واحدة فقط
أخذ زيدون يلوم بنفسه بسبب طيبته الزائدة وعدم قدرته على طرد سمحون منذ أول زيارة له لدكانه
فعاد الى منزله واتجه مباشرة الى غرفة المرآة دون أن يكلم أحدا جلس هناك والألم يعتصر قلبه فكيف سيخبرهم أنه سيخسر غدا مصدر رزقه الوحيد
نظر الى المرآة ثم مسحها بكف يده ليحصل على رؤية أفضل وقال :هل أنا فاشل حقاً يا عماه أهذا ما تريد قوله لي
وهنا وأمام ذهول زيدون سطع ذلك الوهج الغامض مجددا في المرآة
ثم ظهرت صورة لوجه فتاة في المرآة
ذعر زيدون وتراجع خطوتين الى الوراء فناداه الوجه قائلا :لا تخاف مني أيها الأنسي الطيب
قال زيدون والخوف يكاد يعقد لسانه مممممم من أنت ؟
قال الوجه بتودد :أنا جنية طيبة وألقب بسيدة المرايا وأنت من المحظوظين القلائل الذين أظهر لهم كي أحقق لهم رغباتهم
ارتاح زيدون لكلامها وانبسط وقال هل فعلاً تحققين الرغبات
بلى لكني لا أحقق سوى ثلاث رغبات من أشد رغباتك إلحاحا على نفسك أي يجب أن تكون مستحقا فعلا لها كي أحققها لك
أطرق زيدون قليلا ثم قال :أريد أن استعيد دكاني فأنا على وشك أن أخسره غدا
وهنا اختفت الصورة عن المرآة وظهرت مكانها صورة زيدون وهو يمسك بطاقية غطاء للرأس
نظر زيدون إلى يديه فوجد نفسه يمسك فعلا بطاقية فذهل وتعجب من أين أتت هذه الطاقية
وضع زيدون الطاقية على رأسه فلم يعد يرى نفسه لا في المرآة ولا في الحقيقة خلعها فظهر من جديد وضعها فاختفى فعلم أن تلك التي بين يديه ما هي إلا طاقية الإخفاء تلك الطاقية التي كان يعتقد أنها مجرد اسطورة
في صباح اليوم التالي انطلق زيدون ناحية منزل المرحوم عمه والذي أصبح ملكا لسمحون وطرق الباب ثم ارتدى طاقية الإخفاء فلما فتح الخادم الباب لم يجد أحدا نظر يميناً ويسارا ثم عاد الى البيت وأغلق الباب
لكن الذي حدث هو أن زيدون ولج الى البيت كنسمة الهواء دون أن يشعر به الخادم اتجه زيدون الى غرفة سمحون الذي كان نائماً فدخلها وانتظر
فلما نهض سمحون وخرج عمد زيدون الى الى دولابه ففتحه وأخرج منه عقد ملكية البيت وانصرف من ساعته نحو مجلس القضاء وهناك وضع طاقيته ايضا فاختفى ودخل الى غرفة القاضي
كان القاضي جالسا يحرر بعض الأوراق فوقف زيدون أمامه دون ان يشعر به القاضي أو يراه بتاتا
ثم خرج القاضي وأقفل الباب خلفه وزيدون في الداخل فقام الأخير فورا بتفتيش مكتب القاضي حتى عثر على صك الملكية الخاص بدكانه فخبأه في طي ملابسه
وهنا دخل القاضي وبرفقته سمحون وهما يضحكان ثم سمع سمحون وهو يقول للقاضي :لولاك يا سيادة القاضي لما استطعت الحصول على دكان زيدون الغبي
قال القاضي :لدي أساليبي كما تعرف فبحكم منصبي فأنا أعرف عدد من أمهر المزورين الذين قاضيتهم سابقا وهم من قاموا بتغيير صيغة العقد لصالحك
بارك الله فيك يا سيدي إسمح لي الآن أن أحضر شاهبندر التجار والشهود وسأعود فورا
كان الدم يغلي في عروق زيدون وهو يستمع الى المؤامرة المحاكة ضده فقرر الرد بسرعة وحزم
خرج سمحون فيما جلس القاضي على مكتبه وهنا شعر القاضي فجأة بيد تضغط على رقبته من الخلف ثم شاهد ورقة تخرج من العدم وتنفرش أمامه على المكتب
التفت القاضي فلم يجد أحدا لكنه مازال يشعر بالضغط الشديد على رقبته فامتلئ رعباً حتى سمع صوت يقول له :
لقد وضعت أمامك سند بيت سمحووون هيا حرره بأسم أخيه زيدون حالاً وأبطل بيع دكانه وإياك أن تتحدث حول هذا الأمر وإلا سوف آتيك في الليل وأنغص عليك معيشتك مفهوووم ؟؟؟
طأطأ القاضي برأسه موافقاً والخوف يكاد يأكل أركانه
دخل سمحون رفقة شاهبندر التجار وبعض الشهود ثم دخل زيدون وهو مرئي كونه لا يضع طاقيته فقال له سمحون :لقد جئت في وقتك يا زيدون تماما قبل انقضاء أربعة وعشرون ساعة من مهلتك كي تشهد تخليك عن دكانك لمصلحتي ..
ضحك زيدون وقال :ما هذا الهراء الذي تتفوه به إنما جئت لأستلم مفاتيح بيتك أنت
ذهل سمحون وفتح فمه من الدهشة من رد زيدون القاصف ثم التفت الى القاضي وقال له بتوتر :هيا يا سيادة القاضي أخرج سند الدكان وأكمل إجراءات البيع
رد القاضي وجبينه يتصبب عرقا :آسف لا أجد عقد الدكان
صرخ سمحون :ماذا تعني بأنك لا تجده لقد سلمته إليك البارحة
أجاب القاضي بانزعاج :قلت لك إنه ليس معي لا يوجد أمامي هنا سوى عقد بيتك أنت وهو محرر وجاهز للبيع للسيد زيدون بالسعر المحدد
تعاظمت دهشة سمحون وصاح بيتي أناااا وكم السعر المحدد
قال القاضي :عشرة دنانير
أطلق سمحون ضحكة مسعورة وصاح :لابد أنك تمزح معي أليس كذلك ؟
أنا القاضي وأنا لا أمزح
نظر الشاهبندر الى العقد وقال :العقد صحيح وصيغته لا غبار عليها وأنا وهؤلاء السادة نشهد أن بيت سمحون قد أصبح من حق زيدون نظير المقابل المادي المقدر بعشرة دنانير فقط لا غير
وهنا لم يعد سمحون يحتمل أكثر فانفجر بوجه القاضي قائلا :أيها القاضي المخادع لقد رشوتك لتقوم بتحويل دكان زيدون إلي وإذا بك تفعل العكس وتسلمه بيتي يا غبي
انتفض القاضي ونادى الحرس ليقبضوا على سمحون بينما سمحون مستمر بشتم القاضي واتهامه بالرشوة .فحكم عليه القاضي بالسجن بتهم التشهير بالقاضي وازدراء مجلس القضاء
وهكذا انقلب السحر على الساحر كما يقولون وعاد زيدون الى داره مظفرا وبيده ملكية بيت عمه دخل الى غرفة المرآة ونظر إليها بفخر فأدرك شيئاً مهما لقد حرمه عمه من الميراث وترك له فقط هذه المرآة حتى ينتبه إليها ويستعملها بحكمة لأنه لو أعطاه جزءاً من التركة لانشغل بالمال ولما التفت الى هذه المرآة العتيقة الملقاة في الغرفة
هنا ترحم زيدون كثيرا على عمه وعاهده أن يكون عند حسن ظنه به وفي تلك الاثناء كانت حماة زيدون تقوم بزيارة شخص مريب يقوم سرا بممارسة أعمال السحر الشيطاني
وبعد أن اختلت بذلك الساحر قالت له :أريدك أن تفعل لأجلي أمرا واحدا أن تخلصني من زيدون زوج ابنتي الجميلة حتى أقدر أن أزوجها الى رجل أكثر ثراءا
قال الساحر :هذان أمران لا واحد الأول أن أخلصك من زيدون والثاني أن أجعل ابنتك تتزوج من الشخص الذي تفضلينه
قالت نعم هذا ما قصدته أيها الساحر العظيم
أطرق الساحر برهة وقال الأمر صعب صعب جدا
قالت أرجوك أيها الساحر أنا مستعدة لفعل أي شيئ
قال إسمعي إذن هل له أولاد ؟
قالت له بنت صغيرة تدعى شيماء
قال أحضري شيماء معك عندما تأتي في المرة القادمة وسأقر عينك بما طلبتي
أبدت المرأة قلقها من إحضار شيماء
فقال الساحر :لا تخشي شيئا لن يحدث لها مكروه وستعود في نفس اليوم معك إطمأني
عادت الجدة وأغرت حفيدتها للقدوم معها الى حيث الساحر
دخل الساحر الى غرفة مظلمة وجعل يقوم بطقوس غريبة لغرض الإتصال بالشياطين فيما انتظرت كل من شيماء وجدتها في غرفة أخرى
يتبع الجزء الثاني
حكايا العالم الاخر