مكتبة الأدب العربي و العالمي

حكاية #الفتاة_المخطوفة الأجزاء الثلاثة

في أحد قرى تونس عاش صّياد إسمه عبد الله مع إمرأته فطيمة ،ولم يرزقها الله بأبناء من دون كلّ أخواتها ،كانت تونس في ذلك الوقت إيالة عثمانية والحرب على أشدها مع الإسبان ،أحد الأيّام خرج الصياد إلى الشاطئ كعادته كل صباح وبدأ يجهز قاربه ،وفجأة سمع صوت بكاء رضيع ،فالتفت حوله لكنه لم ير شيئا فقال في نفسه يبدوا أني أصبحت أتخيل أصوات لا وجود لها ،وبعد فترة عاد الصوت وهذه المرة لم يتوقف،فأخذ عبدالله يدور بين الصخور المتناثرة حتى رأى سلّة ملفوفة بقطعة قماش زرقاء ،وتأكد أن البكاء يأتي من هناك ،فجرى ،ولشدة دهشته رأى رضيعة جميلة الوجه ،تحرّك يديها ،وتبكي ،فقال في نفسه: لا أرى أحدا هنا !!! ومن المأكّد أنّ أحدا حاول التّخلص منها،لكن أنا رجل فقير لا أقدر على إطعامها والعناية بها سأحملها إلى داري ثم أكلم شيخ القرية ليجد لها حلاّ .
لمّا وصل نادى إمرأته ليريها ماذا وجد ،ولما رأت الرضيعة حضنتها في صدرها ،وأحست بغريزة الأمومة ،ثمّ قصّ عليها الحكاية ،فقالت له أ: تركها يا عبد الله تعيش معنا، ورزقها على الله !!! ثم ذهبت المرأة إلى عنزة لها وحلبتها ،وبعد ذلك سقت الرضيعة حتى شبعت،ووضعت رأسها في حجرها ثمّ نامت ،كانت فطيمة تحسّ بالسّعادة فأخذت ثوبا قديما قطعته ثم صنعت منه ملابس للبنت الصغيرة ،أعدت لها فراشا من صندوق خشبي كانت تخفي فيه حاجياتها، كان مجيئ الرّضيعة فاتحة خير على الصياد الذي إمتلأت شباكه بالسمك وزاد دخله ،أحد الأيام قالت المرأة لزوجها يجب أن نختار لإبنتنا إسما فقال لها ما رأيك في إسم ثريّا أجابته إنه إسم جميل ،ليكن الأمر كذلك كبرت البنت وحملها الصياد للكتاب فتعلمت القراءة والكتابة والقرآن وكل أهل القرية إعتقدوا أنّها إبنته ،ولم يعلم أحد ما حصل ،فذلك اليوم لم يكن أحد قرب الشّاطئ ،وكانوا يتعجّبون لشدّة جمالها ويحسدونه عليها
وفي يوم من الايّام إجتاح القراصنة الشّاطيء ،ودخلوا القرية ،وصاروا يخطفون كلّ ما يجدونه من الأطفال ،ووجدوا في طريقهم ثريا راجعة من عند بائع الفطائر، فأخذوها معهم،ولمّا سمع الصّيادون بما وقع حاولوا التّصدي للقراصنة ،لكنهم أطلقوا عليهم النار فهربوا ،ومات عبد الله ،وشاهدته إبنته فبكت بشدة على أبيها الذي مات من أجلها،وركب القراصنة السفينة بعد أن أحرقوا القرية ونهبوها ،نظرت ثريّا إلى الدخان المتصاعد ثم أخفت وجهها قطعت السفينة مسافة طويلة حتى وصلت إلى صقليّة وساق القراصنة الأطفال إلى سوق كبير يباع فيها كلّ شيء الرّقيق، والذّهب والحېۏانات وكلّ مايباع فيها مسروق من كلّ البلدان هي سوق سۏداء بمعنى الكلمة،.أمّا ثريا فقد إشتراها رجل يهودي لتكون أحد خدمه ،ودفع فيها مبلغا كبيرا لجمالها فأخذها معه لبيته ،وكان كبيرا مثل القصر، لكنه يعيش فيه فقط مع إمرأته شلوميت،وإبن لهما في مثل عمرها ،ولهم كلب كبير بني اللون .وكان الرجل فضّا تظهر في عينيه القسوة، أما المرأة فكانت أصغر منه سنّا..وانقلبت حياة ثريا رأسا على عقب ،لقد مات أبوها أمامها ولا تعرف مصير أمّها هل هي على قيد الحياة أم لا !!!
مابين ليلة وضحاها اصبحت ثريّا في عالم ثان غير عالمها لا تعلم شيئا من تفاصيله ، والمجهول ينتظر بقية ايامها، وكان ذلك يجعلها تتسائل عن مصيرها، وفي بعض الأحيان تعتقد أنّ ما حصل لها كابوس مزععج ولكنها ستفيق منه .لما دخلت الدار أخذت الإمراة اليهودية ثريّا إلى غرفة صغيرة لاتحتوي إلا على سرير وطاولة صغيرة واغلقت عليها الباب بالمفتاح دون تتفوّه بكلمة..

يتبع الحلقة 2

#الفتاة_المخطوفة
الجزء الثاني

باتت ثريّا ليلتها وهي ټرتعش من الخوف، فهذه اوّل مرة تبيت پعيدا عن احضاڼ والدتها. وفي الصباح الباكر فتح أحدهم الباب ، وكان ذلك الرّجل البغيض شمعون ،ولمّا رآها لا تزال نائمة إنهال عليها ضربا وشتما ، ذعرت ثريا من هذا الشّخص المخبول الذي امسكها من ذراعها ،وجرها إلى غرفة الطعام ،وكانت الطاولة قذرة ،وعليها قلّة خمر فارغة ،وقد سال ما فيها على الأرض وهناك عظام نهشها الكلب ،فقال لها كلاما بالإيطالية لم تفهمه، ولوّح لها بيده باتجاه دلو به ماء ونشّافة ،ففهمت المسكينة ما الذي اراده منها ذاك الرجل.
جثت ثرياّ على ركبتيها ومسحت الارضية ،فلحسن حظها انها شاطرة في اشغال البيت ،فوالدتها علمتها التنظيف والطبخ ،كانت تخشى أن يقتلها ذلك الرجل ،ولذلك كانت تبذل جهدها ،وبعد ساعة كان كلّ شيئ نظيفا ومرتّبا ، وما كادت تفرغ من عملها ،وتستريح قليلا حتى رجع شمعون ،وأجال نظره في القاعة فلاح عليه الرضى ،ثم أراها المطبخ والحمّام وتمتم بكلام مفهوم لكن فيه نبرة التهديد ،أمضت ثريا وقتا طويلا وهي تنظف، حتى الأشياء التي لم يقل لها عليها نظفتها: الشّبابيك والتّماثيل، وكلّ شيئ بعد إنتهائها جرت ثريّا لغرفتها لتستريح ، لكن وجدت الرّجل يترصدها، وقادها من يدها إلى المطبخ، وأعطاها رغيفا وقطعة جبن وسط منديل، فخرجت إلى الحديقة ثم مسحت العرق عن جبينها وأكلت بلهفة شديدة، فمنذ ثلاثة أيام لم تأكل  شيئا، وتذكّرت العزّ الذي كانت فيه ،ورائحة خبز الشعير الذي تعدّه أمها على الحطب فبكت بكاءا مرا ،وقال في نفسها سأحاول أن آخذ ثقة أهل الدار لعلهم يطلقوني يوما وأرجع لبلادي .
لما رجعت المرأة اليهودية إلى الدار إندشت لوجود كل، شيئ مرتّبا بعناية، فذهبت لغرفة ثريا ،فرأت أن ثيابها قديمة ومهترأة، فقالت لها: تعالي معي للسّوق لأختار لك شيئا لائقا !!! لكن ثريّا لم تفهم لغتها، وفي النهاية أشارت لها أن تتبعها، فسارت معها ،ودارا في الدّكاكين، ورجعتا ،وقد إشترت المرأة لها ما أعجبها ،ثمّ سخّنت لها الماء ،واستحمّت البنت، وظفرت شعرها ،ثم وضعت ثيابها الجديدة ،ولمّا رأتها شلوميت تعجّبت من شدّة جمالها ،وقالت في نفسها: حقّا مدهش، لم أكن أتصوّر أنّ العربيّات هنّ بهذا الجمال ، وحاولت ان تكلم ثريّا ،وتفهم منها لغتها، ولكن عبثا، فلم تستطع كلاهما فهم الأخرى، وبعد ذلك اصبحت الإشارات هي وسيلة التواصل الوحيدة للتّعامل مع البنت .
مرّت الايام والشّهور على هذا النّحو،و تعودت ثريا على الحياة في ذلك البيت ،وكانت شلوميت اليهوديّة تعوّضها بحنانها على غلظة زوجها ، ولقد أحسّت بعطف تجاه الصغيرة لانها لم ترزق بالبنات ،وبدأت تثريا تفهم لغة ذلك البلاد و صارت تتكلم قليلا مع تلك المرأة ،التي علمتها تقاليد اليهود وأعيادهم ،وتعلّمت ثريّا كلّ شيئ ،وسعدت شلوميت بذلك وبدأت تفكر في أن تتبناها، لكن زوجها كان يعارض ذلك بشدة ،ولم تفهم إمرأته سبب ثورته ،والواقع أن شمعون كان يراقب ثريّا ورأى أنها كبرت ،وزادت فتنتها بعدما كانت ضئيلة الجسم وشاحبة الوجه .
وفي أحد الليالي سكر الزّوج كثيرا عن غير عادته، وغاب عن عقله ،ثمّ نهض، وتوجه مباشرة إلى غرفة ثريا ،واخذ يترنح ويتمايل حتى وصل إلى الباب و فتحه بقوة فوجد البنت في ثياب النّوم ،فلما رأته المسكينة فزعت، وظنّت أنّه جاء لضربها كما تعوّد أن يفعل، ولكن لم يخيّل لها أن في نيّته شيء آخر اكبر، إنكمشت ثريّا على نفسها في ركن الفراش ،وحاولت أن تصرخ لكنّها لصوتها إنحبس في حلقها ،وواصل الرّجل تقدّمه ،وقد فتح ذراعيه، وقال لها تعالي بين أحضاني يا جميلة ،فشمعون يحبّك، وسيغدق عليك الهدايا ،لكنه تعثّر فجأة في منضدة صغيرة ،وسقط والتطم رأسه على الأرض بقوّة ،وبعد ذلك توقّف عن الحركة …

يتبع الحلقة 3

حكاية #الفتاة_المخطوفة
الجزء الثالث

إنتظرت ثريّا قليلا، ثمّ بدأت تشعر بالخوف ،فقالت بصوت خاڤتة : سيّد شمعون هل أنت بخير؟ لكنّه لم يجب ،تقدّمت بحذر ،وأشعلت مصباح الزّيت ،ثمّ صاحت بقوّة فلقد كان هناك بقعة كبيرة من الدّم وجرح كبير على رأسه ،جاءت شلوميت تجري وهي في غاية الفزع ،فلمّا رأت زوجها ملقى على الأرض في غرفة الفتاة، ورائحة الخمر تفوح منه، أحسّت بالصّدمة ، لكنّها تداركت ذلك بسرعة ،وقالت لها : في الصّباح ستأتي شرطة الملك لتسأل عمّا حدث ، وإيّاك أن تخبريهم بالحقيقة، فنحن أسرة محترمة ،ولا نحبّ الفضيحة ،بالإضافة إلى أنّ ذللك يسيئ إلى سمعة حارة اليهود ،سأعطيك غرفة أخرى ،وتنقلين إليها حاجياتك ،ولمّا يسألونك قولي إنّي كنت نائمة ،هل فهمت ؟ إفعلي هذا من أجلي، وأنا سأعرف كيف سأكافئك .
وتم الأمر كما أوصت شلوميت ،وجاء الأهل والأقارب فعزّوها في وفاة زوجها ،وأصبحت ثريّا أكثر حرّية، وبعد إنتهاء عملها تعوّدت أن تخرج للتّرويح عن نفسها ،وذات يوم رأت شخصا عرفته على الفور ،فقد كان أحد القراصنة الذين إختطفوها ،ورأته يدخل لحانة قذرة ،ولمّا أطلت من الباب عرفت أنّهم يجتمعون هناك ،وصارت تراقبهم حتى عرفت مكان مركبهم، وأنهم سيبحرون خلال ثلاثة أيام ،وكان هناك مراكب أخرى، ومن ذلك المكان يفرغون غنائمهم، ويبيعونها في وضح النهار وتجيئ الناس وتشتري ولا يهمّهم مصدر البضاعة ،ثم خطر في بالها أن تبحث عن أبناء القرية الذي كانوا معها ،ووجدت واحدا يعمل في الحقول، وآخر في نحت الحجارة ،فكلمتهم على الهرب من هذا المكان، لكنهما خافا ،فإن كل من يحاول الهرب جزاءه القتل ،ولمّا سألت أحد الملاّحين هل هناك سفن تسافر لبلاد المغرب ؟ أجابها بالنفي بسبب الحرب مع العثمانيين، وفقط القراصنة يغامرون بالإقتراب من تلك البلدان ،فقالت في نفسها :سأتنكر ،وأختفي في أحد تلك السّفن …
مرّ يومين وهي قلقة ،فماذا لو عثروا عليها ،أكيد سيرمونها في البحر ،لكن لمّا نام الجميع لبست ملابس إبن شلوميت، فلقد كان في مثل عمرها ولفّت شعرها ،ووضعت قبّعة غطى نصف وجهها ،ثم أخذت صرة ،وضعت فيها طعاما وقلة ماء وجميل ما ربحته من مال ،ثم كتبت رسالة، ووضعتها على الفراش ،تشكر فيه صاحبة الدّار على حسن معاملتها، وبعد ذلك تسلّلت على أطراف أصابعها ،وأغلقت الباب وراءها بهدوء ،ثمّ ذهبت إلى الميناء وتسلقت سفينة القراصنة ،واختارت ركنا وسط العنبر إختبأت فيه ،وكانت متعبة فاستغرقت في نوم عميق، بعد فترة من الزّمن ،أحسّت بنفسها تتمايل يمينا وشمالا، فاستيقظت مرعوبة ،ولمّا نظرت من شقّ صغير رأت الأمواج تتلاطم أمامها ، فشعرت بدوار عنيف وبدأت تدعو الله لتخف العاصفة ،وبعد ساعة بدأ البحر يهدأ تدريجيا ،فرجع إليها هدوئها،وتساءلت هل أمّي بخير ؟ لقد مضى وقت طويل ،وأرجو أن أجدها في دارنا .
إستمرّت الرّحلة والبنت مختبئة ،ونفذ طعامها وأحسّت بالجوع ،وفجأة نزل رجلين وحملا أحد البراميل ،وفي الطريق إنفتح، وسقطت منه بضعة تفّاحات ،وتدحرجت واحدة قربها ،فأخذتها بلهفة ،وأكلتها ،ثمّ فتحت برميلا قربها فوجدته مليئا بالخيار المخلّل ،وعرفت أنّها في مخزن الطعام ،فرجع إليها الأمل .وفي الغد لمّا فتحت عينيها سمعت أصواتا تصيح وأقدام تجري ،ولمّا أطلت من الشّق رأت أمامها السّاحل ،فبدأ قلبها يخفق ،فلو تمكّنت من النّزول لأمكنها الرّجوع إلى دارهم ،فهي تعرف إسم قريتها ،والمدينة التي قربها ،المشكلة أين هي الآن؟ فالقطّاع يهاجمون على طول الشّواطئ الممتدّة من تونس إلى الجزائر ،وكلما كان هذا المكان بعيدا كانت العودة أصعب ،لكنّها ليست خائفة ،فلقد أمضت ثلاثة سنوات في صقليّة ،وتعلمت كيف تعتمد على نفسها . قالت ثريا: لا بدّ أن أنتقم منهم على ما فعلوه بقريتي ،وآخذ بثأر أبي الذي قتلوه أمام عينيّ …

يتبع الحلقة 4

المصدر : من قصص حكايا العالم الاخر” واقعية “

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق