مكتبة الأدب العربي و العالمي

أميرة_قلعة_اليمام الجزء الثالث والرابع جريح في الغابة ….

في الغد خرجت ميساء بعد أن أعطت الحارسين الخمر ،وأسرعت إلى السوق وهي ترجو أن لا تكون قد تأخرت كثيرا ،فلقد أضطرت إلى أن تقنع مربّيتها بأنّه لا خطر عليها مادامت برفقة بدر الدين، وذلك الفتى وراءه سرّ دفين ولا بدّ أن تكتشفه .لمّا وصلت إلى دكّان بائع الزّهور بدأ قلبها يخفق بشدة وهي تسترق النّظر إلى ذلك الولد ،كان يبدو وسيما ،وقويّ البدن يضع على رأسه عمامة تظهر من تحتها خصلات من شعره الأسود ،ثم تشجعت وذهبت إليه وقد إكتسى وجهها بحمرة خفيفة ،حين رآها بدت عليه الغبطة ،وقال لها : لقد كنت أعرف أنك سنحضرين  ،هل تريدين أن تأكلي شيئا فهناك دكاكين تبيع الحلوى الفارسية ،وأنا أحبّ اللوزينج ،والفالوذج ،تعالي معي لا بد ان تتذوقي منها !!!
وبعد أن ملأ آنية صغيرة ،قال لها : تعالي إلى الغابة فهي لا تبعد كثيرا عن الباب الجنوبي للمدينة ،وسأريك الكوخ الذي أسكن فيه . وجدتها ميساء فرصة مناسبة لترى أين يسكن ذلك الفتى ،وربما تجد شيئا يساعدها على معرفة من يكون ،ذهبت البنت مع بدر الدين ،وكانت تأكل من الحلوى وتتفرج على بضائع التّجار،من زمان لم تحسّ بهذه السّعادة ،وتمنت لو أنّ الوقت يطول ،لما إنتبهت من الخواطر التي كانت تتزاحم في رأسها وجدت نفسها في الغابة ،وملأت صدرها من هذا الهواء المنعش ،وأخذت تجري في كلّ مكان وتقطف الأزهار .
وقف بدر الدّين ينظر إليها ،وقد لاح الحبّ في عينيه ،وقال لها : تعالي !!!الكوخ من هنا ،لمّا فتح الباب ،ودخل كان كلّ شيئ مقلوبا ،صاح بذعر : ليس أوّل مرّة يحدث ذلك ،أكيد أنّ أحدا يبحث عن شيئ ما ، لكن ماذا ؟ لقد حان الوقت لأرحل ، فلم أعد أشعر بالأمان !!! وقبل أن يتم كلامه خرج رجلان وأمسك أحدهما بميساء ،وقال لبدر الدّين: هناك شي يخصّنا سرقته تلك العجوز التي كانت هنا ،ولقد إستغرق الأمر وقتا طويلا قبل أن يدلنا أحدهم على مكانها !!! أجاب بدر الدّين: لقد ماتت تلك العجوز، وقبرها هناك أمامكم ،ولا أعرف عمّا تتحدّثون .
نظر الرّجلان إلى بعضهما ،وقال الأوّل: يكفي من الكذب، لا شكّ أنّك تعرف مكان تلك الورقة !!! زاد إستغراب الفتى ،وتسائل أيّ ورقة يا سيدي؟ والله لا أفهم شيئا !!! ردّ الرّجل الثاني : حسنا لا تريد أن تتكلّم !؟ سترى ما سأفعله ،ثم رفع يده ليضرب ميساء ،لكنّها أفلتت منه، وبدأت تجري بكلّ ما أوتيت من قوّة ،فتبعها ،وهو يسب ويلعن ،أمّا بدر فدخل في عراك شديد مع الآخر. جرت البنت كثيرا ،والرّجل خلفها ،بدأت تشعر بالتّعب، وفجأة شاهدت معزة ، لا تعرف من أين خرجت ،ثمّ فرّت وسط الأشجار ،فإتّبعتها حتى بلغت مزعة صغيرة فيها عدد من الماعز و الخرفان .
دفعت الباب ،وإختفت في كومة تبن، وشاهدت الرّجل يلتفت حوله يمينا وشمالا ،ولمّا إقترب منها كتمت أنفاسها .كانت هناك دار من الخشب ذهب إليها الرّجل ،وفجأة تسلل شيخ وراءه ،وأهوى على رأسه بهراوة ،وصاح : هذا مصير كلّ من يأتي للسّرقة !!! وتنفّست الصّعداء لمّا رأت ذلك اللعين لا يتحرّك، إنتظرت البنت قليلا ،ثمّ خرجت ،وأطلقت ساقيها للرّيح ،كانت خائفة  على بدر الدّين ،وما كادت تبتعد قليلا حتى ظهر شخص من وراء الأشجار ،وكمّم فمها وطلب منها أن تسكت ،ولمّا إلتفتت إليه كادت تصرخ من الفرح، فلقد كان حبيبها بدر الدّين .
شاهدت الدّم يسيل من جنبه ،فقالت له : هناك مزرعة قريبة ،لا يوجد لنا خيار سنطلب المساعدة من صاحبها فهو شخص ذو شجاعة ،تحامل الفتى على نفسه ،حتى وصل أمام الدار ثم إنهار على الأرض، فأسرعت الفتاة ،وطرقت الباب بكلّ عنف ،فخرج الشّيخ رافعا هراوته ،لكنّه لمّا رأى الفتى جريحا ، والدماء تنزف منه بغزارة جرّه إلى الداخل، ومسح عنه الدّم ،ثم أخذ إبرة خاط بها الجرح ،بعد ذلك وضع سكّينا يحمى على النار ،وقال للفتاة: إنّه مغمى عليه ،سأكوي الجرح ولن يحس بشيئ .
كانت ميساء تشعر بقلق كبير ،فلقد تأخّرت جدّا عن العودة ،ولا شكّ أنّ الحارسين قد إستيقظا الآن ،والأكثر من ذلك فهي لا تعرف طريق الرّجوع .كان الشيخ صامتا ،وهو ينظر إلى وشم صغير على كتف الفتى ،ثمّ سأل ميساء ،منذ متى تعرفينه !؟ وهل شاهد أحد ذلك الوشم !؟ومن هم الرجال الذان يطاردوكما !؟أجابت البنت: لم نتعرّف إلاّ منذ أيّام !!! فقد كان ذلك الفتى يأتي إلى قلعة اليمام ،قفز الرّجل من مكانه ،ثم نظر بحذر من النافذة، وأغلق الباب بإحكام،ثم جلس أمامها ،وقال : والآن قصّي عليّ حكايتك ،فأنت لا تعلمين الورطة التي وقعت فيها ..

#أميرة_قلعة_اليمام
الجزء الرابع

الملكة الهاربة …

قالت ميساء : ليس هناك الكثير لأخبرك به ،اقد كان هذا الفتى يقف كل يوم أمام سور القلعة ،وقد وجدت أنّه لطيف فتحايلت للخروج ،ولم يكن العثور عليه صعبا، فوسامته لا يمكن أن تخطئها العين !!! ولا أنكر أنّي تساءلت  من أين أتته هذه الشّقرة ،وظننت أنّه من الرّوم ،أو الصّقالبة .كان الرّجل يستمع بإنتباه ، ثمّ قال: هل تعرفين قصة الملكة اليمام ؟ أجابت : كلّ بغداد تعرف المرأة التي فقدت رضيعها ،وأمضت حياتها مجنونة، تبحث عنه حتى ماتت ودفنت في قلعتها .
أجاب الرّجل :هذا جزء فقط من الحقيقة !!! إسمعي، سأساعدك على دخول القلعة دون أن يتفطن لك أحد ،وقولي للحرّاس أنّك كنت في البرج الشمالي فهو مليئ بالغرف ،وبعضها لم يفتح منذ زمن بعيد ،وفي أسفله سرداب يقود إلى الخارج، ولا يعلم به سوى القليل من النّاس . تعجّبت، وسألته :لقد كنت من أعوان الملكة أليس كذلك ؟ أجابها :سنترك الفتى يستريح ،وسأروي لك كل شيئ في الطريق ،هل يمكن الوثوق بك ؟ رمقته بنظرة عتاب ،وقالت: كلّ ما يتعلق بفخر الدين يهمّني، ولما يرجع أهلي سأطلب منه أن يأتي لخطبتي ،توقّف الرّجل ،ولوّح بيديه ،وصاح : أنصحك أن لا تفعلي هذا إسمعي القصة أولا !!! ابن الملكة لم يضع بل خطف !!!
قالت :وما شأني أنا ؟ نظر الرّجل يمينا وشمالا ،ثم ردّ عليها :وماذا إذا قلت لك أن ذلك الرضيع قد كبر الآن، وإسمه فخر الدين ،وأبوه عليّ ابن الحسن ،وأمّه اليمام ملكة أنطاكية ،لم يبد على ميساء أي أثر للمفاجأة ،وقالت :لقد أحسست منذ أن رأيته أنّه من أبناء الملوك، لكن أن يكون إبن الملكة اليمام صاحبة القلعة فهذا آخر ما كنت أفكر فيه !!! الطريق لا يزال طويلا، وأريد أن أعرف ما الذي دفع بالملكة إلى ترك بلادها، والقدوم إلى بغداد ؟ ثمّ كيف تعرف كلّ شيئ عنها بهذه الدّقة ؟
أجابها :سأبدأ بسؤالك الثاني أنا يا سيدتي رئيس حرس الملكة ،ولقد فررنا من أنطاكيا بالشّام بعدما ثار عليها أخوها قيس، واتّهمها بسوء السّياسة ،ودبّر مكيدة لزوجها ،فقتله فلم تجد الملكة بدّا من الفرار تحت جنح الظلام حاملة معها كنزا كبيرا من الذّهب وتركت أحد جواريها في فراشها ،ولقد كان هروب الملكة مدبّرا بعناية ،ولذلك لم يعثر عليها أخوها الذي جاب الصّحاري بحثا عنها ،ولمّا وصلنا بغداد إشترينا صومعة أحد الرّهبان على تلة تشرف على السوق وبنينا مكانها قلعة ،قالت ميساء بدهشة: يا لها من قصّة عجيبة ،وماذا حصل بعد ذلك ؟
صمت الرّجل كأنّه لا يريد النّبش في ذكريات مؤلمة ،لكن قال لها :أوصت الملكة بعدم الإختلاط بالسّكان والإمتناع عن الإقتراب من الحانات التي يمتلكها السّريان ،وأشاعت أنها امرأة مات زوجها وتريد أن تمضي بقية حياتها في النسك والعبادة مع بعض الخدم، وكانت تخرج كل جمعة تطعم الفقراء والمساكين ،وتتصدّق على المحتاج ،وكانت تلبس عباءة بيضاء قديمة حتى عدّها الناس من الأولياء الصّالحين ،وأنجبت المرأة ولدا من زوجها الذي مات، وأسمته فخر الدين، لكن أحد الخدم لم يستمع لوصيّة سيّدته وذهب إلى خان فأكل ،وأفرط في الشّراب،وحكى لمن حوله قصة الملكة الهاربة .
كان هناك تاجر من أعوان قيس أخو الملكة اليمام ،ولمّا رجع إلى أنطاكية أخبر سيده الذي بعث رسولا إلى سلطان بغداد يطلب منه قتل الملكة وإبنها ،وكلّ من معها وأخبره بأمر الكنز، وأنّه هدية له وكذلك القلعة وكلّ ما فيها من نفائس.في تلك الأثناء ظهرت لهم من بعيد القلعة ،قالت ميساء :والله أحببت سماع بقية القصة، فلقد أنستني الأيام الكئيبة التي قضيتها بين أربعة حيطان!!! إقترب الرّجل من كهف صغير تغطيه النباتات ،وقال لها :سيقودك هذا النفق الى داخل المدينة ،وستجدين نفسك في البرج الشّمالي .غدا صباحا تعالي إلى هنا ،وسنذهب لرؤية الأمير فخر الدين ،وأتمّ لك بقيّة القصّة ،وإحذري أن يراك أحد !!!
حملت البنت مشعلا ،ومشت في النّفق المظلم ،وكانت تسمع فوق رأسها خطوات الناس ،وضجيجهم ،وفي النّهاية وصلت إلى باب خشبي ،لمّا فتحته وجدت مدرجا صعدته ،ثمّ رأت نور الشّمس ،وخرجت من مدفأة في الحائط ،وقالت في نفسها: من يظن أن هذا المكان يخفي سردابا ،لا شك أنّ ذلك الرّجل استعمله للفرار، لكنّ لماذا لم تهرب الملكة اليمام ؟ ،بينما هي تفكر سمعت صوت الحارسين الأجشّ وهما يصرخان بإسمها ،فتسلّلت من البرج ولما رأياها صاحا :لقد فتشنا في كلّ مكان وكدنا نفقد الأمل في العثور عليك بربك أين إختفيت ؟ ردت لقد كنت أستكشف ذلك البرج وقد كان ذلك مسلّيا ،ردّا عليها: لا تذهبي إلى هناك مرة أخرى ،فهو مهجور منذ وقت طويل ،هل فهمت ؟ والا سنضطر إلى إخبار أبيك السّلطان !!! تنفّست الأميرة الصّعداء ،ولم تصدّق أنها نجت من أولئك الأحمقين …

يتبع الحلقة 5


يتبع

من قصي حكايا العالم الاخر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق