مكتبة الأدب العربي و العالمي
#نورهان_زوجة_السّلطان الجزء الاول
يحكى أحد السّلاطين العثمانيين قاد حملة على بلاد البلقان لإخماد تمرّد قام به الصّرب ، وتمكّن بعد وقت قصير من هزيمتهم في جبالهم، وعقابا لهم أخذ أمواهم وسبى نسائهم ،وكان بين السّبايا فتاة صغيرة وجميلة إسمها ماريا ،وصديقتها إيزابيلا ،ذهب السلطان يوما لتفقّد أحوال الجيش، فرآهما وأعجب بهما ،وأمر بأن تعاملان بشكل لائق ،وأن تنقلا إلى القصر، و تكونان من خاصّة جواريه .
كان النظام في القصر ان يختار السلطان جارية جميلة تدخل غرفته لمرة واحدة، ومن تعجبه تصير من المفضّلات لديه وتتحوّل إلى جناح في الطابق العلوي. فان أنجبت إحداهنّ صارت لها مرتبة متميّزة بين الحريم .وقد يحدث أن يتزوّج جارية ،وتحمل آنذاك لقب “قادين” وهي أعلى درجة من درجات نسائه . وأهمّ الزّوجات هي التي تنجب أولادا ذكورا ،وتحصل على لقب “باش قادين” ،لكن رغم أن السّلطان الشّاب متزوّج من ثلاثة نساء إلا أنّه لا أحد فيهنّ تحمل هذا اللقب ،ولم يرزقن إلا البنات .
وكانت الجواري يدرّبن على آداب القصر ،ويتعلمن كيفية مجالسة السّلاطين ومعاشرتهم ،وأصبحت ماريا تسمّى نورهان ،و صديقتها إيزابيلا تسمّى صفيّة ،وبعد أشهر تعلمت نورهان التّركية وأسلمت ،وجاء دورها للدّخول على السّلطان ،ولمّا رآها تحيّر من جمالها ،فلقد زادت مع الأيام فتنة وسحرا . كانت البنت صاحبة صوت جميل وتحسن الغناء : جلست بجانبه ،وغنت :
آه .. لقد وقعت في الحبّ
تعالي يا طيور البستان
شاركيني فرحتي
فالغرام في عينيّ قد بان
…
زاد السّلطان في الإعجاب بنورهان ،وأصبح يراها كّل يوم حتى مرّت عليه سبعة أيّام ولم يحصل أن بقي مع جارية واحدة كل هذا الزمن ،ونقلها إلى جناح المفضّلات ،وأوصى عليها رئيسته ،ثم أمضى ليلة مع صديقتها صفيّة ورغم جمالها وحرصها أن تعجبه لم يهتم بها ،وبقي قلبه متعلقا بالجارية نورهان ،التي سرعان ما ظهرت عليها بوادر الحمل ،و سعد بذلك السّلطان ،وجعلها في غرفة من غرف الملكات لشدّة حبه لها ،وعيّن معها صديقتها لتعتني بها و تخدمها .
مرّت فترة الحمل والجارية في أحسن حال ، تعوّدت أن تجلس على كرسيها ،و تظفر شعرها ،وتتزين وهي تغني لطفلها الذي لم يولد بعد ،و كانت كل يوم تزيد غيرة صاحبتها صفيّة، وتقول في نفسها : أنا أيضا جميلة وصغيرة لماذا أحبّها السّلطان وتركني؟ ولماذا حملت منه وأنا لا ؟ لقد إستقبلنا عنده في نفس الأسبوع ،وفكّرت أنها لو ماتت لأخذت مكانها ، وذلك رغم علمها انّ نورهان تحبّها ،و تغدق عليها الهدايا و اجمل الاثواب إلا انّ غيرتها أعمت بصيرتها، و حانت لحظة الولادة ،و انجبت نورهان غلاما جميلا، و اسعد هذا قلب السّلطان ، فلقد أصبح له وليّ للعهد، و لطالما حلم به، وانتظر مجيئه السّنين الطوال . و بدا الحبّ يتسلل لقلب السّلطان، و اغرم بالجارية ب
نورهان ،وقرّر أن يتزوّجها ،وأصبحت تحمل لقب “باش قادين ” .
وبسرعة أحبّها الشعب لطيبة قلبها، وعطفها على المساكين و الايتام، و كانوا يقفون على ابواب القصركلّ يوم جمعة ، فتوزّع عليهم الطعام والملابس ،فتعلو هتافاتهم ودعائهم لها وللسلطان بطول العمر. وبفضلها قل الفقر في البلاد بعدما أصبحت نساء الأشراف يقلدّنها في فعل الخير .و في احد الايّام لم تعد صاحبتها صفية تحمّل ما نالته نورهان من سعادة ،ومرتبة رفيعة عند شعبها، فذهبت إلى ساحرة، وإشترت منها سما ،و وضعته في طبق سيّدتها ،وكانت الملكة ذلك اليوم مريضة ولم تأكل إلا النزر القليل ،ثم ارضعت ابنها و نامت .
و في الصّباح لاحظت انّ ابنها لم يبك كعادته ،و حينما اقتربت من مهده وجدته مغمض العين،لما لمسته كان باردا كالثلج ، اصيبت بالهلع ،و بدات بالصّراخ، و التفّ حولها الجواري ، ورفضت أن تصدّق أن الصبيّ قد مات ،وكانت تقول: يا فرحتي ،و ضحكتي ، يا ضوء العين انهض ،ولا تتركني أموت حسرة عليك !!!
في المساء دفن الامير الصّغير، بعدما عاينه الحكماء ،و اخبروا الملك انهّ مات مسموما،فقال :كيف حصل ذلك و هو ما زال يرضع ؟ لا شكّ أنّه مات نتيجة لقلة إهتمام أمّه به ،ولن يمرّ ذلك دون عقاب !!! …
…
من قصص حكايا العالم الاخر