مقالات
“سقوط القمر ” مارسيل خليفة
يا سَيِّدَ الشِّعْرِ ، إنِّي لأذكر يوماً بعيداً . . أتأمَّلُ حجارة المكان وَصَفَّاً حائراً من الأشجار وجمهوراً حاشداً يدخل . كان عليّ أن أبدأ الأمسية ، وكنت ساكناً ، غير أنّي أحسستُ بصوتك يشدُّ من عزيمتي في عُزلة الدقائق الأخيرة قبل الصُّعود إلى الركح ، وفي صمت كبير ، قال الوتر ما وراء الجلد والعظم . قال بوحاً شجيّاً عجبت أنا له . كان العزف انعدام الواسطة بين الإحساس والنغم . لا ريشة . لا وتر . لا أصابع . لا عود . كان عزفاً على النغم مباشرة . كانت تحيّة لقلبك الطفل في وجع غموضه .
يا صديقي الجميل ، أنظر اليوم وفي نفس المدرج إلى شاطىء ذكرى بعيدة ، تحت سماء حارقة . وطن عربيّ شاسع وقد أُخِذَتْ منه زينتُه ، عسير النطق ، مُتوحِّل في أوّل الصيف . أتقشَّف في التَّحديق يُطلِقُ ريحاً في الغَمام . يُولَدُ من بحر قديم ويحرِّرُني من قَرَفي . أحتاجُ الى كوفيّة عربيّة أمسحُ بها دمعاً حارقاً كالصَّديد .
لقد تقرَّحَ قلبي من عَفَنِ المرحلة ومن تعب أسئلة قاحلة . كيف أروي شيئاً ممّا أرى ؟ لعلّه شيءٌ من شِعرِك الجميل .
نسهر على وقع حِبْر كلماتك في العتمة نذرفُه . نطير مع صهيل الذاكرة ونزدادُ ليلاً في الليل ، كاللَّهب المتضرّم يرتجف في المصباح . هل لهذا الليل معنى يحمل رسالة من وراء الحياة ؟ يحدّق بوحشة وينحني لزهرة . ليل يحرّرنا من الكآبة في أغنية صادحة وهي تصنع مجراها وتتدفّق ، ولا شيء يمنعها .
ليل لا نُرهقه بالسياسة والثقافة والخسارة والحرب والملاحم والهزائم والمرأة والشهوة والحسرة . يرفع القيد عن حميميّات ، ويحرّرنا من الضجيج .
محمود درويش شكراً لك