مقالات
عبر وعظات من عالم الحيوان في القرآن الكريم (النمل، الهدهد، الفيل، الغراب)
بقلم أ د عبد الحفيظ الندوي

يُعد القرآن الكريم تذكيرًا رائعًا بتنوع خلق الله وأهمية كل كائن حي خلقه. ففي كثير من مواضعه، يعرض القرآن الظواهر الطبيعية ومختلف الكائنات الحية كآيات ودلائل على عظمة الخالق. دعونا نتأمل الكائنات الأربعة التالية: النمل، والهدهد، والفيل، والغراب، وما يرتبط بها من إشارات قرآنية والدروس التي نتعلمها منها.
أولاً: النمل
(تاريخ النمل الذي غير مسار جيش قوي يذكره القرآن.)
في سورة النمل، يصف القرآن الكريم قصة النبي سليمان (عليه السلام) عندما مر جيشه بوادي النمل، حيث قالت نملة لبقية النمل:
حَتَّىٰ إِذَا أَتَوْا عَلَىٰ وَادِ النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ
27:18)
فسمع سليمان (عليه السلام) قولها وابتسم، وشكر الله على هذه النعمة.
الدروس المستفادة من هذه القصة:
1- الوعي الجماعي: حياة النمل المنظمة وعملها الجماعي يقدمان للبشر العديد من الدروس.
2- القيادة: الميزة القيادية التي أظهرتها النملة القائدة في توقع الخطر وحماية جنسها أمر يستحق الثناء.
3- العلم الإلهي: هذا دليل على أن الله يعلم لغات جميع الكائنات الحية، وأنه قد وهبها قدرات خاصة. ففي أبسط الكائنات التي قد تبدو لا قيمة لها، تكمن عظمة الله.
ثانياً: الهدهد
(من منظور القرآن، إنه الكائن الذي تسبب في إسلام أمة بأكملها.)
في سورة النمل أيضاً، ورد ذكر الهدهد. كان الهدهد رسولاً ينقل الأخبار إلى النبي سليمان (عليه السلام). وقد أخبر الهدهد سليمان عن ملكة سبأ بلقيس وقومها الذين كانوا يعبدون الشمس من دون الله.
وَجِئْتُكَ مِن سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ إِنِّي وَجَدتُّ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِن كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ وَجَدتُّهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِن دُونِ اللَّهِ
“وَجِئْتُكَ مِن سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ إِنِّي وَجَدتُّ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِن كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ وَجَدتُّهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِن دُونِ اللَّهِ” ( 27:22-24)
ثم كتب سليمان (عليه السلام) رسالة إلى بلقيس يدعوها إلى الإسلام. وفي النهاية، اعتنقت بلقيس وقومها الإيمان بالله وأسلموا جميعاً.
الدروس المستفادة من هذا الحدث:
1- الشعور بالواجب: على الرغم من كونه مخلوقًا صغيرًا، فقد أظهر الهدهد شعورًا بالواجب في إبلاغ النبي الذي كلفه بالمهمة.
2- الصدق والشجاعة: الشجاعة التي أظهرها الهدهد في كشف الحقيقة جديرة بالاحترام.
3- الخطة الإلهية: هذا مثال على كيف يستخدم الله مخلوقات قد تبدو غير مهمة لتحقيق مقاصده. فالهدهد العادي أصبح سبباً في هداية أمة عظيمة.
ثالثاً: الفيل
(من المنظور القرآني، هو المخلوق الذي رفض تدمير الكعبة، ووقف صامداً كالصخرة.)
يعرف الجميع قصة أصحاب الفيل المذكورة في سورة الفيل، حيث جاء أبرهة، حاكم اليمن، بجيش من الفيلة لتدمير الكعبة. لكن الفيل رفض التقدم دون إذن من الله.
“أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ” (القرآن 105:1)
بعد ذلك، أرسل الله طيراً أبابيل تقذفهم بحجارة من سجيل، وهذا كان ذروة القصة. لقد كان هذا الحدث آية عظيمة توضح أن حماية الكعبة كانت بيد الله.
الدروس المستفادة من هذا الحدث:
1- حماية الله: هذا دليل على كيف حمى الله بيته (الكعبة).
2- طاعة الكائنات: بطاعته لأمر الله، أوقف الفيل هدف جيش عظيم.
3- القدرة الإلهية: يعلمنا هذا الحدث أن جميع المحاولات ضد الله باطلة، وأنه لا يمكن لأحد أن يصمد أمام قدرته.
رابعاً: الغراب
(من المنظور القرآني، إنه المخلوق الذي علم البشر دفن الموتى.)
في سورة المائدة، يروي القرآن قصة ابني آدم (عليه السلام)، هابيل وقابيل. بعد أن قتل قابيل أخاه هابيل، لم يكن يدري ماذا يفعل بالجثة. فأرسل الله غرابًا:
فَبَعَثَ اللَّهُ غُرَابًا يَبْحَثُ فِي الْأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْأَةَ أَخِيهِ
“فَبَعَثَ اللَّهُ غُرَابًا يَبْحَثُ فِي الْأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْأَةَ أَخِيهِ” (القرآن 5:31)
فرأى قابيل الغراب يدفن غرابًا آخر ميتاً. فتعلم من ذلك الدرس ودفن جثة أخيه.
هذا الحدث علم البشرية بعض الدروس الخاصة:
* الإرشاد الإلهي: حتى بعد أول جريمة قتل بشرية، علم الله الإنسان طريقة الدفن عبر غراب. وهذا مثال على كيف يرشد الله خلقه في حالة الجهل.
* الدروس من الطبيعة: يشير هذا إلى الدروس التي يجب على البشر تعلمها من الطبيعة، وإلى إبداع الله في الخلق.
“من ليس معلمي – من ليس معلمي!
كل شيء في هذا العالم يعلمني شيئاً!”
هذا جزء من قصيدة للشاعر المالايالامي أولابامانا، والذي يتبادر إلى ذهن هذا العبد عندما يتلو هذه الأحداث.
كل هذه الأمور المذكورة هي تذكير بـ:
عظمة الله وعجائب خلقه. ففي كل كائن حي – مهما كان صغيراً أو كبيراً – توجد دلائل على قدرة الله وحكمته. والتفكر في هذه المخلوقات يساعدنا على فهم أكبر لقدرته ووحدانيته.
سُبْحَانَ اللَّهِ