منوعات

جيمس بوند” .. ابن “الحاج عبد الله” و”صاحبة الجلالة”.. القصة بالتفصيل!

حقق جهاز الاستخبارات الخارجية السوفيتية الذي احتفل مؤخرا بعيد تأسيسه الـ 102، انتصارات كبرى في تاريخه، من بينها أنه جند لصالحه كيم فيلبي الذي يوصف بـ “جيمس بوند”.

كيم فيلبي يمكن وصفه بالشخصية الاستثنائية لأسباب عدة. بالنسبة للروس، قدم خدمات كبرى للاتحاد السوفيتي طيلة عقود وخاصة أثناء الحرب العالمية الثانية، وبالنسبة للمنطقة العربية، كان لوالده دور في بدايات المملكة العربية السعودية، سنتطرق إليه في خاتمة هذا التقرير.

أهمية هذه الشخصية الفريدة تجلت منذ البداية، فقد لفتت كفاءته أنظار جهاز الاستخبارات العسكرية البريطانية “مي – 6″، فجنده وكان حينها يعمل لصالح السوفيات، وترقى حتى وصل إلى منصب نائب رئيس “مي – 5″، وهو الجهاز الاستخباراتي البريطاني المسؤول عن جمع المعلومات خارج المملكة المتحدة لدعم سياسات الحكومة الخارجية والأمنية والدفاعية والاقتصادية.

كان كيم فيلبي بالنسبة للاستخبارات البريطانية بسبب مهاراته وتألقه بمثابة “جيمس بوند”، ونفذت بمساعدته بالفعل العديد من العمليات الناجحة، لكنها في منتصف القرن العشرين، أجبرت على الاعتراف بأنها هزمت أمام خصم أكثر مهارة ودهاء، ألا وهو جهاز الاستخبارات الخارجية السوفيتية.

نجحت الاستخبارات السوفيتية في زرع شبكة من العملاء في قلب بريطانيا العظمى. وهذه الشبكة السرية لم تزود موسكو فقط بالمعلومات الاستراتيجية، بل وساعدت أيضا في شل الأنشطة البريطانية المضادة ضد دول الكتلة الاشتراكية.

المجموعة الرئيسة للشبكة السوفيتية في بريطانيا، سيطلق عليها في وقت لاحق تسمية مجموعة “كامبريدج الخمس”. وكان قلبها وعقلها المفكر، كيم فيلبي، الرجل الذي أصبح أسطورة في تاريخ الاستخبارات.

ولد هارولد أدريان راسل فيلبي، الشهير باسم كيم فيلبي، في 1 يناير 1912 في الهند، في عائلة مسؤول بريطاني. عمل والده سانت جون فيلبي لفترة طويلة في الإدارة الاستعمارية البريطانية في الهند، ثم دخل مجال الدراسات الشرقية.

كان كيم ممثلا لإحدى أقدم العائلات في بريطانيا، وكان في انتظاره مستقبل زاهر بسبب وضعه الاجتماعي ومكانة أسرته. تخرج بمرتبة الشرف من مدرسة وستمنستر، وفي عام 1929 التحق بكلية ترينيتي بجامعة كامبريدج.

كشف كيم فيلبي بنفسه ملابسات عن نشاطاته وانضمامه للعمل لصالح السوفييت، حيث قال في مقابلة أجرتها معه في موسكو عام 1988صحيفة صنداي تايمز: “عندما كنت طالبا في التاسعة عشرة من عمري حاولت تكوين وجهات نظري عن الحياة. بعد النظر بعناية، توصلت إلى نتيجة بسيطة فحواها أن الأغنياء يعيشون بشكل جيد لفترة طويلة، والفقراء يعيشون بشكل سيء، وحان الوقت لتغيير كل ذلك”.

وتابع فيلبي مستعرضا أفكاره وما في دواخله بقوله: “كان الفقراء الإنجليز في ذلك الوقت يعتبرون في الواقع أشخاصا في مرتبة أدنى. أتذكر جدتي تقول لي: (لا تلعب مع هؤلاء الأطفال. إنهم قذارة، ويمكنك أن تعدى بشيء منها). لم يكن الأمر مجرد نقص في المال. الحقيقة هي أنهم يفتقرون إلى الطعام. ما زلت فخورا لأنني قمت بدوري للمساعدة في إطعام المشاركين في رحلة الجوع أثناء مرورهم عبر كامبريدج. بمجرد أن توصلت إلى استنتاج مفاده أن العالم غير عادل بشكل شيطاني، واجهت مسألة كيفية تغيير هذا الوضع. أصبحت مهتما بمشاكل الاشتراكية. بحلول هذا الوقت كنت بالفعل أمين صندوق جمعية الاشتراكيين بجامعة كامبريدج وتحدثت دعما لحزب العمال خلال الحملة الانتخابية لعام 1931”.

أجبرت هزيمة حزب العمل في الانتخابات كيم فيلبي على السفر إلى أوروبا بغية فهم كيف تسير الأمور هناك. وما شاهده أزعجه كثيرا. كانت القارة الأوروبية في ذلك الوقت قبل وصول النازيين إلى السلطة أوروبا القارية، تعاني من صعود اليمين.

وعلّق فيلبي على هذا الأمر بقوله: “ومع ذلك، كانت هناك قاعدة صلبة للقوى اليسارية هي الاتحاد السوفيتي، واعتقدت أني مطالب بالقيام بدوري لضمان استمرار وجود هذه القاعدة بأي ثمن”.

وعن القرار الرئيس في حياته، وبداية عمله لصالح الاستخبارات السوفيتية روى أنه “في ربيع عام 1934، تم الاتصال بي وسئلت عما إذا كنت أرغب في الانضمام إلى جهاز الاستخبارات السوفيتية، وقبلت هذا العرض من دون تردد”.

كان الشخص الذي عرض على فيلبي العمل في جهاز الاستخبارات السوفيتية هو أرنولد ديتش، الضابط السوفيتي الذي أشرف على عمل من يمكن وصفه بـ “جيمس بوند” الحقيقي في السنوات الأولى.

لم يتخذ كيم فيلبي هذه الخطوة من أجل المال، ولا بسبب الابتزاز والتهديدات والضغوط وما إلى ذلك. كان ممثل الأرستقراطية البريطانية يسترشد فقط بالمعتقدات والمبادئ. كانت هناك معركة كبيرة مع النازية في الطريق، وأدرك كيم من هو الخصم الرئيس لهتلر، والذي سيتعين عليه تحمل وطأة الحرب.

عمل كيم كمراسل لصحيفة التايمز، خلال الحرب الأهلية الإسبانية، وعمل أيضا كمراسل مستقل في هذا البلد، وفي نفس الوقت قام بمهام في موسكو.

عشية الحرب العالمية الثانية، لفت فيلبي انتباه جهاز الاستخبارات السرية الخارجية البريطانية، وبالطبع، لم يكن الجهاز يعلم أن كيم ينشط لصالح موسكو، لكنهم قدروا عاليا عمل فيلبي في إسبانيا وعرضوا عليه الانضمام والعمل لصالح “صاحبة الجلالة”.

موسكو بطبيعة الحال، كانت في غاية السرور من هذا التطور، بعد أن اثبت كيم فيلبي إخلاصه وتفانيه، بل وأصبح في عام 1941 نائب رئيس جهاز مكافحة التجسس البريطانية.

بفضله كانت الاستخبارات السوفيتية لديها معلومات دقيقة عن جميع العمليات البريطانية. وفي عام 1944، أصبح رئيس قسم “سيس 9″، المتخصص في مواجهة الأنشطة السوفيتية والشيوعية في بريطانيا.

ومن الخدمات الجليلة التي أداها فيلبي للسوفييت، أنه سلّم أكثر من 900 وثيقة مهمة إلى موسكو، وزودها بمعلومات عن المنشقين السوفييت، وعمل على حماية عملاء الاستخبارات السوفيتية الرئيسيين.

عين كيم فيلبي في عام 1949 في واشنطن، حيث اشرف على الأنشطة المشتركة للاستخبارات البريطانية ومكتب التحقيقات الفيدرالي ووكالة الاستخبارات المركزية “لمكافحة التهديد الشيوعي”.

في تلك الحقبة، ارتابت الاستخبارات البريطانية والأمريكية في وجود “جاسوس” خطير بين صفوفهما، ولم يخطر على بالها أنهم كُثر.

فرار العميلين السوفيتيين دونالد ماكلين وجاي بورغيس في عام 1951، من بريطانيا أدخل كيم فيلبي الذي عمل معهما في دائرة الشك، حيث استدعي من واشنطن وجرى التحقيق معه، لكنه أفلت بدهائه وحنكته، إلا أنه فصل من عمله لتبدد الثقة السابقة به.

ومع ذلك، ساعده أصدقاؤه من الشخصيات الرفيعة في العودة والعمل في الاستخبارات البريطانية في عام 1956، وتحت غطاء مراسل لصحيفة  صحيفة الأوبزرفر ومجلة الإيكونوميست، سافر كيم فيلبي إلى بيروت، حيث أصبح رئيس مقر الاستخبارات البريطانية هناك..

واصل كيم فيلبي العمل لصالح الاتحاد السوفيتي، لسبع سنوات أخرى، إلا أنه مع بدايات عام 1963، أصبح أمر اعتقاله خطرا وشيكا.

وهكذا، في يناير 1963، اختفى كيم فيلبي من بيروت، ليجد نفسه بعد بضعة أيام في الاتحاد السوفيتي. وانتهت نشاطاته لصالح السوفييت التي استمرت لما يقرب من ثلاثة عقود.

أما والد كيم فيلبي “الحاج عبد الله”، فهو شخصية أخرى لا تقل إدهاشا من “جيمس بوند”. هاري سانت جون بريدجر فيلبي، كان ضابطا في الاستخبارات البريطانية ودبلوماسيا ومستكشفا ومؤلفا ومستشرقا، اعتنق الإسلام وغير اسمه إلى “الحاج عبد الله” ولعب دورا هاما في الثورة العربية الكبرى، كما ينسب له دور في تأسيس المملكة العربية السعودية، وشركة أرامكو، كما انه عمل مستشارا للملك المؤسس عبد العزيز آل سعود.

وتقول سيرته الذاتية أنه درس اللغات الشرقية في جامعة كامبريدج في عام 1908، ثم أرسل إلى لاهور في البنجاب، وتمكن من اتقان اللغات الأردية والبنجابية والبلوش والفارسية والعربية. اعتنق الإسلام في عام 1930، وقد عمل في السعودية وساعد في المفاوضات مع بريطانية والولايات المتحدة عقب اكتشاف النفط في عام 1938، بل وكانت زوجته الثانية من السعودية وتدعى روزي العبد العزيز.

أما “كيم فيلبي” ابن “الحاج عبد الله” الوحيد وأسطورة عمل الاستخبارات السوفيتية، فهو من زوجته الأولى، واسمها دورا جونستون.

المصدر: RT

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق