مقالات
تحليل خطاب بوتين وآفاق الجهاد ضد الأنغلوساكسون
الآن، أصبحت خسارة هذه المناطق تلقائيا تدفع نحو السيناريو النووي، لأن هزيمة بهذا الحجم تطرح تساؤلات حول مصير بوتين نفسه، ومصير النخبة الحاكمة بأكملها، بل ووجود روسيا بشكلها الراهن، أو وجودها بالأساس بأي شكل من الأشكال.
كذلك فقد أصبح تجميد الصراع أيضا مستحيل، لأنه بدون خسارة الغرب، سوف يكون هناك دائما ما يكفي من الرغبة والقدرة على إبقاء أوكرانيا والصراع في حالة ساخنة، مع زيادة المخاطر تدريجيا من قبل الغرب. وللسبب نفسه، فإن التسوية التفاوضية هي الأخرى مستحيلة، حيث أنه وحتى يخسر الغرب، فإن الشكل الحالي للحدود لن يناسبه.
كما أنه من المستحيل إطالة أمد الصراع وتوسيعه بشكل كبير إلى الدرجة التي تهدد روسيا بالخسارة، وبما أن الموارد الروسية، بالطبع، أقل من موارد الغرب الجمعي، فإن روسيا، وبمجرد أن تلمح استنفاد مواردها و/أو الهزيمة على أي مستوى، فإنها ستنتقل على الفور إلى مستوى أعلى من التصعيد. والانتقال إلى مستوى تكلفة أعلى بالنسبة لروسيا، سيكون دائما مصحوبا بانتقال إلى مستوى أعلى من التهديد بالنسبة للغرب. وهذا تحديدا ما نراه الآن: اتخاذ قرار التعبئة الجزئية بالتزامن مع قرار إعادة توحيد المناطق الأوكرانية الأربع السابقة مع روسيا.
كذلك لا يستطيع الغرب أيضا تحمل استمرار الصراع لسنوات، بينما تلاحقه الصين، وقد بدأ اقتصاد الغرب بالفعل في الانهيار، وقد تنسحب أوروبا من اللعبة في الشتاء أو الربيع. لهذا، يجب معالجة القضية مع روسيا بشكل عاجل.
أعتقد أن الانتقال إلى كل مستوى أعلى من المواجهة سيحدث بتسارع، والوصول إلى المستوى الذي سيكون فيه من الممكن استخدام الأسلحة النووية (التكتيكية فقط كما آمل) هو مجرد مسألة وقت.
والآن حول الخطاب.
لقد أدهشني اتهام بوتين المباشر لـ “الأنغلوساكسون” بالتورط في تفجير خطوط أنابيب الغاز “السيل الشمالي-1” و”السيل الشمالي-2″، في الوقت الذي لا أعتقد فيه أن ذلك كان مجرد عبارات إنشائية ردا على الدعاية الغربية بأن “الروس فجروا خط أنابيبهم بأنفسهم”. أعتقد أن مثل هذا الاتهام قاسي، خاصة قبل الانتهاء من التحقيق، ويشير إلى الاستعداد للمواجهة واختيار الهدف الأول للرد، وهو ما يسمى بـ “مراكز اتخاذ القرار” لدى العدو، إذا أو عند اتخاذ قرار الرد.
تم تخصيص جزء كبير من الخطاب للاقتصاد، ووصف الضعف والحالة الحرجة للاقتصاد الغربي. يبدو لي أن هذا يؤكد على فهم الوضع في الاقتصاد الغربي، وبناء استراتيجية لمكافحة الاعتماد على هذه المعرفة. وأعتقد أن الاقتصاد، وليس أوكرانيا، سيكون ساحة المعركة الرئيسية
إجمالا، كانت حدة الخطاب وصرامة الاتهامات الموجهة للغرب من الحدة والصلابة بحيث كانت استثنائية.
في واقع الأمر، فقد صب بوتين لعناته على الغرب، بما يعادل في الإسلام إصدار فتوى حول الجوهر اللاإنساني والشيطاني للغرب، وعلى الرغم بأنه لم يعد مباشرة بتدميره، إلا أنه ومن حيث روح الخطاب، أعلن الجهاد ضد الغرب ومحاولاته لنشر الانحطاط الأخلاقي في البلدان الأخرى.
من الناحية السياسية، فإن ذلك يعني رفض أي شكل من أشكال الاندماج مع الغرب، بمعنى أن 300 عام من التوجه نحو أوروبا، بدءا من بطرس الأكبر، قد انتهت. وبدلا من الانجذاب نحوه، أصبح هناك نفور. وحتى بعد الحرب الأوكرانية، وبغض النظر عن كيفية انتهائها، فإن روسيا لم تعد تريد مشاركة الغرب في أي شيء.
لا ينبغي أن نتوقع من خطاب كهذا أن يصبح فاصلا تغير بعده روسيا، على الفور وبشكل جذري، أساليبها في الحرب. بل على العكس من ذلك، وبقدر ما أرغب بخلاف ذلك، إلا أنه، وبعد بعض التفكير، لم أعد أتوقع هجمات على البنية التحتية أو قصف مكثف. فضم الأراضي الأوكرانية سابقا هو في حد ذاته تصعيد كبير، وأي تصعيد أكبر يهدد بتحويل الصراع إلى شكل لم يمكن السيطرة عليه، وهو أمر لا يصب في مصلحة روسيا. لذلك أعتقد أن بوتين سيصبح مرة أخرى من الحمائم لفترة من الوقت، وسيتعين على القوات الروسية التحلي بالصبر والصمود، في انتظار وصول احتياطيات التعبئة.
لكن، وكما أسلفت، فالأمور تتسارع، وهذا التقييد لن يستمر طويلا، ربما شهر أو اثنين أو ثلاثة.
في الوقت الحالي، يبدو لي أن الحرب لن تستمر لسنوات، وقد نصل إلى ذروتها العام المقبل، وربما حتى في النصف الأول منه.
المحلل السياسي/ ألكسندر نازاروف
رابط قناة “تليغرام” الخاصة بالكاتب
المقالة تعبر فقط عن رأي الصحيفة أو الكاتب