مقالات

“ حُكم الجرافات”: هدم ممتلكات المسلمين في الهند

بقلم أ . د . عبد الحفيظ الندوي

:نیو دلهي / الهند

شهدت الهند في السنوات الأخيرة تصاعدًا خطوات
السياسات القمعية ضد الأقلية المسلمة، تجلّى في ظاهرة أُطلق عليها اسم “حُكم الجرافات” (Bulldozer Raj). يشير هذا المصطلح إلى الممارسة المقلقة لاستخدام الجرافات لهدم الممتلكات التي يمتلكها المسلمون في الغالب، وغالبًا ما يتم ذلك دون إجراءات قانونية واضحة أو رقابة قضائية عادلة. تُعتبر هذه السياسة على نطاق واسع أداة للانتقام الطائفي، مما يثير تساؤلات جدية حول سيادة القانون وحماية حقوق الأقليات في البلاد.
سياسة الهدم: أداة للانتقام الطائفي
لقد استخدمت الحكومات المحلية، وخاصة في الولايات التي يحكمها حزب بهاراتيا جاناتا (BJP) الحاكم، الجرافات بشكل متزايد لهدم منازل ومحال تجارية ومدارس دينية تعود ملكيتها للمسلمين. وفي حين تُبرر هذه العمليات غالبًا بذريعة البناء غير القانوني، يؤكد مراقبو حقوق الإنسان والنشطاء أن هذه الإجراءات انتقائية وتمييزية، وتستهدف بشكل خاص المجتمع المسلم. في المقابل، غالبًا ما يتم غض الطرف عن انتهاكات مماثلة يرتكبها أفراد من طوائف أخرى.
لم تقتصر هذه الهجمات على الممتلكات السكنية فحسب، بل طالت أيضًا المساجد التاريخية والمدارس الإسلامية. فقد تم هدم بعضها أو إغلاقها تحت دعاوى مشبوهة مثل “التحريض” أو “الانتماء إلى جماعات متطرفة”. يشير هذا إلى محاولة ممنهجة لطمس الهوية الدينية للمسلمين وإسكات أصواتهم.
مساجد ومدارس تحت التهديد
لقد كان استهداف الهياكل الدينية قضية مثيرة للجدل بشكل خاص. وقد وثقت العديد من التقارير الصادرة عن منظمات حقوق الإنسان ووسائل الإعلام حالات تم فيها إلحاق أضرار أو تدمير كامل بمساجد، بعضها يعود تاريخه إلى قرون. على سبيل المثال، في ولاية ماديا براديش، أثرت عمليات الهدم في خارغون بعد الاشتباكات الطائفية في أبريل 2022 بشكل غير متناسب على ممتلكات المسلمين، بما في ذلك المنازل والمتاجر. وبالمثل، في ولاية أوتار براديش، استخدمت حكومة الولاية بقيادة رئيس الوزراء يوغي أديتياناث الجرافات بشكل متكرر ضد الأفراد المتهمين بجرائم مختلفة، وكان عدد كبير من هذه الإجراءات يؤثر على الممتلكات التي يملكها المسلمون. وقد أفادت تقارير محلية ودولية عن أن أكثر من 80% من عمليات الهدم التي تمت في هذه الولايات منذ عام 2020 استهدفت مناطق ذات غالبية مسلمة، حتى لو كانت المخالفات المزعومة منتشرة على نطاق أوسع.
الفقراء في عين العاصفة
يتحمل الفقراء والمهمشون من المسلمين وطأة هذه السياسات بشكل خاص. غالبًا ما يعيش هؤلاء الأفراد، الذين يمتلكون موارد محدودة، في منازل بسيطة أو أكواخ بُنيت بجهودهم المتواضعة. وغالبًا ما يتم هدم هذه الهياكل دون إنذار مسبق، مما يترك العائلات مشردة وبلا مأوى، دون توفير أي بدائل سكنية أو مساعدات إنسانية. يؤدي هذا إلى تفاقم نقاط الضعف الاجتماعية والاقتصادية القائمة، ويدفع المجتمعات التي تعاني بالفعل إلى مزيد من الفقر. لقد وثقت منظمات الإغاثة أن آلاف العائلات المسلمة قد تأثرت بشكل مباشر، حيث تُركوا بلا مأوى أو مصدر دخل، مما يزيد من الضغوط الاقتصادية والاجتماعية عليهم.
أين القانون؟
تثير هذه الممارسات تساؤلات كبيرة حول سيادة القانون واستقلال القضاء في الهند. ففي أي دولة ديمقراطية، يُفترض أن تُنفذ عمليات الهدم وفق أوامر قضائية واضحة، وبعد توفير فرصة للمتضررين للدفاع عن ممتلكاتهم. لكن الواقع على الأرض غالبًا ما يُظهر أن هذه العمليات تجري بسرعة وتحت حماية الشرطة، مما يشير إلى أن الهدف الأساسي هو العقاب لا تصحيح الأوضاع القانونية. وهذا يقوض ثقة الجمهور في المؤسسات القانونية ويشير إلى خروج عن الأعراف الديمقراطية. وقد لاحظ العديد من الخبراء القانونيين أن التفسير القانوني لـ “البناء غير القانوني” يتم تطبيقه بشكل متحيز، مما يترك مجالًا واسعًا للتنفيذ التعسفي.
ردود فعل محلية ودولية
أثارت هذه الاعتداءات موجات استنكار واسعة، سواء من منظمات حقوق الإنسان في الداخل أو من جهات دولية. وقد دعت منظمات مثل منظمة العفو الدولية (Amnesty International) وهيومن رايتس ووتش (Human Rights Watch) مرارًا إلى المساءلة، موثقة العديد من حالات الهدم التعسفي. كما تم حث الأمم المتحدة وهيئات دولية أخرى على التدخل ومساءلة الحكومة الهندية عن هذه الانتهاكات الممنهجة لحقوق الأقليات. تشير البيانات الواردة من تقارير حقوق الإنسان المختلفة إلى ارتفاع كبير في الشكاوى المتعلقة بالإخلاء القسري وعمليات الهدم التي تستهدف المجتمعات المسلمة بشكل خاص منذ عام 2020، حيث ارتفعت هذه الحالات بنسبة تقدر بـ 30% في بعض الولايات الأكثر تضرراً مقارنة بالسنوات السابقة.
الخاتمة
لقد أصبح “حُكم الجرافات” رمزًا صارخًا للقمع والتمييز في الهند الحديثة. وإذا لم يُوضع حدٌّ لهذه السياسات الظالمة، فإن ذلك قد يؤدي إلى مزيد من التوتر والانقسام في المجتمع، ويهدد النسيج الاجتماعي للهند كدولة متعددة الأديان والثقافات. إن الاستهداف المستمر لمجتمع معين بوسائل خارجة عن القانون لا ينتهك حقوق الإنسان الأساسية فحسب، بل يقوض أيضًا المبادئ الديمقراطية التي تأسست عليها الهند.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق