مكتبة الأدب العربي و العالمي
“عابد بنى إسرائيل” أشهر قصة لخطباء المساجد.. ما يقوله التراث الإسلامى
كتب أحمد إبراهيم الشريف
كم مرة سمعت قصة عابد بنى إسرائيل فى خطبة الجمعة وفى الدروس الدينية التى تقام فى المساجد، وهذه القصة لها أصل كبير فى كتب التراث.. كيف ذلك؟
يقول كتاب البداية والنهاية للحافظ ابن كثير:
قال الإمام أحمد: حدثنا وهب بن جرير، حدثنى أبى، سمعت محمد بن سيرين يحدث عن أبى هريرة قال: قال رسول الله ﷺ: “لم يتكلم فى المهد إلا ثلاثة: عيسى بن مريم، قال: وكان فى بنى إسرائيل رجل عابد يقال له: جريج، فابتنى صومعة وتعبد فيها، قال: فذكر بنو إسرائيل عبادة جريج، فقالت بغى منهم: لئن شئتم لأفتننه.
فقالوا: قد شئنا ذاك.
قال: فأتته فتعرضت له، فلم يلتفت إليها، فأمكنت نفسها من راع كان يؤوى غنمه إلى أصل صومعة جريج، فحملت فولدت غلاما.
فقالوا: ممن؟
قالت: من جريج، فأتوه فاستنزلوه، فشتموه، وضربوه، وهدموا صومعته، فقال: ما شأنكم؟
قالوا: إنك زنيت بهذه البغي، فولدت غلاما فقال: وأين هو؟
قالوا: هو هذا.
قال: فقام فصلى ودعا، ثم انصرف إلى الغلام فطعنه بإصبعه، فقال: بالله يا غلام من أبوك؟
فقال: أنا ابن الراعي، فوثبوا إلى جريج فجعلوا يقبلونه، وقالوا: نبنى صومعتك من ذهب، قال: لا حاجة لى فى ذلك، ابنوها من طين كما كانت.
قال: وبينما امرأة فى حجرها ابن لها ترضعه، إذ مر بها راكب ذو شارة، فقالت: اللهم اجعل ابنى مثل هذا.
قال: فترك ثديها، وأقبل على الراكب فقال: اللهم لا تجعلنى مثله.
قال: ثم عاد إلى ثديها فمصه.
قال أبو هريرة: فكأنى أنظر إلى رسول الله ﷺ يحكى صنيع الصبي، ووضع إصبعه فى فيه يمصها.
ثم مرت بأمة تضرب فقالت: اللهم لا تجعل ابنى مثلها.
قال: فترك ثديها، وأقبل على الأمة فقال: اللهم اجعلنى مثلها.
قال: فذاك حين تراجعا الحديث.
فقالت: خلفى مر الراكب ذو الشارة، فقلت: اللهم اجعل ابنى مثله، فقلت: اللهم لا تجعلنى مثله، ومررت بهذه الأمة فقلت: اللهم لا تجعل ابنى مثلها، فقلت: اللهم اجعلنى مثلها، فقال: يا أمتاه إن الراكب ذو الشارة جبار من الجبابرة، وإن هذه الأمة يقولون: زنت ولم تزن، وسرقت ولم تسرق، وهى تقول حسبى الله.
وهكذا رواه البخارى فى أحاديث الأنبياء، وفى المظالم، عن مسلم بن إبراهيم، ومسلم فى كتاب الأدب، عن زهير بن حرب، عن يزيد بن هرون كلاهما عن جرير بن حازم به، طريق أخرى وسياق آخر.
قال الإمام أحمد: حدثنا يحيى بن سعيد، حدثنا سليمان بن المغيرة، حدثنا حميد بن هلال، عن أبى رافع، عن أبى هريرة، عن النبى ﷺ قال: « كان جريج يتعبد فى صومعته قال: فأتته أمه فقالت: يا جريج أنا أمك وكلمني.
قال: وكان أبو هريرة يصف كيف كان رسول الله ﷺ وضع يده على حاجبه الأيمن.
قال: وصادفته يصلي، قال: يا رب أمى وصلاتى فاختار صلاته، فرجعت ثم أتته، فصادفته يصلي.
فقالت: يا جريج أنا أمك فكلمني.
فقال: يا رب أمى وصلاتى فاختار صلاته، فقالت:
اللهم هذا جريج وإنه ابني، وإنى كلمته فأبى أن يكلمني، اللهم فلا تمته حتى تريه المومسات.
ولو دعت عليه أن يفتتن لافتتن.
قال: وكان راع يأوى إلى ديره، فخرجت امرأة فوقع عليها الراعي، فولدت غلاما فقيل: ممن هذا؟
فقالت: هو من صاحب الدير، فأقبلوا بفؤوسهم ومساحيهم، وأقبلوا إلى الدير فنادوه فلم يكلمهم، فأقبلوا يهدمون ديره، فنزل إليهم فقالوا: سل هذه المرأة – قال أراه تبسم – قال: ثم مسح رأس الصبى فقال: من أبوك؟
قال: راعى الضأن، قالوا: يا جريج نبنى ما هدمنا من ديرك بالذهب والفضة قال: لا ولكن أعيدوه كما كان ففعلوا”. ورواه مسلم فى الاستئذان، عن شيبان بن فروخ، عن سليمان بن المغيرة به.
سياق آخر قال الإمام أحمد: حدثنا عفان، حدثنا حماد، أنبأنا ثابت، عن أبى رافع، عن أبى هريرة أن رسول الله ﷺ قال:
” كان فى بنى إسرائيل رجل يقال له جريج، كان يتعبد فى صومعته، فأتته أمه ذات يوم فنادته، فقالت: أى جريج، أى بني، أشرف على أكلمك، أنا أمك اشرف علي، فقال: أى ربى صلاتى وأمي، فأقبل على صلاته.
ثم عادت فنادته مرارا، فقالت: أى جريج، أى بني، أشرف علي، فقال: أى رب صلاتى وأمي، فأقبل على صلاته، فقالت: اللهم لا تمته حتى تريه المومسة، وكانت راعية ترعى غنما لأهلها، ثم تأوى إلى ظل صومعته، فأصابت فاحشة فحملت فأخذت. وكان من زنى منهم قتل، فقالوا: ممن؟
قالت: من جريج صاحب الصومعة، فجاؤوا بالفؤوس والمرور.
فقالوا: أى جريج، أى مرائي، انزل فأبى، وأقبل على صلاته يصلي، فأخذوا فى هدم صومعته، فلما رأى ذلك نزل فجعلوا فى عنقه وعنقها حبلا، فجعلوا يطوفون بهما فى الناس، فوضع إصبعه على بطنها فقال: أى غلام من أبوك؟
فقال: أبى فلان راعى الضأن، فقبلوه وقالوا: إن شئت بنينا لك صومعتك من ذهب وفضة، قال أعيدوها كما كانت “.
وهذا سياق غريب، وإسناده على شرط مسلم، ولم يخرجه أحد من أصحاب الكتب من هذا الوجه.
فهؤلاء ثلاثة تكلموا فى المهد: عيسى بن مريم عليه السلام، وقد تقدم الكلام على قصته، وصاحب جريج بن البغى من الراعى كما سمعت واسمه يابوس، كما ورد مصرحا به فى صحيح البخاري، والثالث ابن المرأة التى كانت ترضعه فتمنت له أن يكون كصاحب الشارة الحسنة، فتمنى أن يكون كتلك الأمة المتهومة بما هى بريئة منه، وهى تقول: حسبى الله ونعم الوكيل، كما تقدم فى رواية محمد بن سيرين عن أبى هريرة مرفوعا.
وقد رواه الإمام أحمد عن هوذة، عن عوف الأعرابي، عن خلاس، عن أبى هريرة، عن النبى ﷺ بقصة هذا الغلام الرضيع، وهو إسناد حسن.
وقال البخاري: حدثنا أبو اليمان، حدثنا شعيب، حدثنا أبو الزناد، عن عبد الرحمن الأعرج، حدثه أنه سمع أبا هريرة أنه سمع رسول الله ﷺ قال: « بينما امرأة ترضع ابنها إذ مر بها راكب وهى ترضعه، فقالت: اللهم لا تمت ابنى حتى يكون مثل هذا.
فقال: اللهم لا تجعلنى مثله، ثم رجع فى الثدى ومر بامرأة تجر ويلعب بها.
فقالت: اللهم لا تجعل ابنى مثل هذه.
فقال: اللهم اجعلنى مثلها.
فقال: أما الراكب فإنه كافر، وأما المرأة فإنهم يقولون إنها تزنى وتقول حسبى الله، ويقولون تسرق وتقول حسبى الله. “
وقد ورد فى من تكلم فى المهد أيضا شاهد يوسف كما تقدم، وابن ماشطة آل فرعون، والله أعلم